إذا كنت تعتقد أن 2021 هو عام مداواة الجراح بالنسبة للاقتصاد والأسواق العالمية بعد عام الوباء فهو كذلك، وإذا كنت ترى أنه تكرار للعام الماضي الصعب، فأنت ليست مخطئًا، فعلى الرغم من تعافي الاقتصاد العالمي ومكاسب قوية لأسواق المال والسلع، إلا أن العالم اصطدم بسلالات أخرى من كورونا وأزمة طاقة عالمية وتسارع حاد للتضخم، جميعها أزمات كبحت جماح التعافي الكامل.
محطات عديدة شهدها الاقتصاد والأسواق، بالنسبة لأسواق الأسهم، فرغم بعض الاضطرابات، إلا أنها حققت مكاسب قوية وارتفعت إلى مستويات قياسية جديدة في 2021، خاصة الأسهم الأمريكية، كانت القرارات والتحركات التي شهدتها أسواق النفط والغاز أحد العلامات البارزة هذا العام، خاصة وأن العالم عانى من أزمة طاقة مع ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي لمستويات قياسية خاصة في أوروبا، الأمر الذي صاحبه صعود كبير في أسعار الفحم والكهرباء، مع ارتفاع قوي للطلب.
وكان الذهب أبرز الخاسرين في 2021، مسجلًا أسوأ أداء سنوي في 6 سنوات، حيث فشل في البناء على المكاسب القوية التي شهدها في 2020، وعلى العكس من ذلك، فإن العملات المشفرة عايشت محطات هامة في 2021، من مستويات قياسية وزيادة الإقبال عليها من شركات كبرى وإدراج شركات وصناديق لها في البورصة، بل وجعلها عملة قانونية كما حدث في السلفادور.
أما الاقتصاد العالمي، فإنه بصدد نمو قوي مع تخفيف القيود المتعلقة بكورونا، وعودة النشاط، بعد انكماشه في عام الوباء، مع نمو بنسة 5.9% في 2021، كما يتوقع صندوق النقد الدولي، وعلى الرغم من أن تعافي الاقتصاد سهّل مهمة البنوك المركزية حول العالم في 2021، إلا أن الارتفاع الحاد لمعدل التضخم لأعلى مستوى منذ سنوات عديدة، سواء في الولايات المتحدة أو أوروبا على المستوى العالمي، كان عقبة رئيسة أمام السياسة النقدية، التي كانت حائرة بين رفع أسعار الفائدة لمواجهة ارتفاع الأسعار، أو الحفاظ عليها دون تغيير خوفًا من عرقلة التعافي الاقتصادي، لكن مع نهاية العام قررت البنوك المركزية وعلى رأسهم الفيدرالي الأمريكي تقليص إجراءات التحفيز تمهيدًا لرفع تكاليف الاقتراض في 2022 في محاولة منها لكبح جماح التضخم
أسواق الأسهم العالمية
اتخذت مؤشرات الأسهم الأمريكية مسارًا صعوديًا ليس فقط من بداية 2021، لكن منذ مارس العام الماضي، حينما انهارت الأسواق العالمية، جراء صدمة وباء كورونا، ورغم ذلك، فإن هذا الاتجاه المرتفع تخلله العديد من فترات الهبوط، إذ لا تزال سلالات كورونا تمثل رياحًا معاكسة لمكاسب الأسهم.
وصعد مؤشر داو جونز الصناعي بأكثر من 18% في إجمالي العام، ليحوم حول مستويات 36.500 ألف نقطة، محطمًا عدة أرقام قياسية، وتراجع المؤشر إلى أقل مستوى له في 2021 أدنى من 30 ألف نقطة في أواخر يناير المنصرم، مع تزايد إصابات كورونا في هذا الوقت، لكنه لم يلامسها مجددًا طول العام، رغم أنه تأثر سلبًا حينما انتشرت سلالة دلتا في منتصف العام، كذلك متحور أوميكرون في أواخر نوفمبر.
أداء مؤشر داو جونز في 2021
وفي 2021، حقق مؤشر ستاندرد آند بورز 500 مكاسب بأكثر من 27%، متجاوزًا العديد من الأرقام القياسية، إذ أغلق عند قمة تاريخية نحو 70 مرة في هذا العام، حتى جلسة الأربعاء (29 ديسمبر)، وارتفع بالقرب من 4800 نقطة، وبذلك، تمكن المؤشر الأوسع نطاقًا من تجاوز مكاسب مؤشر ناسداك التي بلغت حوالي 23%، للمرة الأولى منذ عام 2016.
ورغم أن ناسداك كان أكبر الرابحين في العام الماضي، إلا أن أسهم التكنولوجيا تضررت بعض الشيء في 2021، جراء انتشار لقاحات كورونا، ما أثر على أسهم الشركات المستفيدة من إجراءات التباعد الاجتماعي، كما أن تسارع التضخم الأمريكي لأعلى مستوى في 40 عامًا، سبب ضغوطًا لشركات التكنولوجيا.
وارتفع سهم آبل عملاق التكنولوجيا إلى مستويات قياسية هذا العام، إذ ارتفع بنحو 35% في 2021، ما دفع القيمة السوقية تلامس 3 تريليونات دولار للمرة الأولى على الإطلاق، جعلتها تتربع على عرش الشركات العالمية، رغم أن اضطرابات سلسلة التوريد كبحت جماح المكاسب.
بينما كان سهم شركة مايكروسوفت الأكثر ارتفاعًا بين عمالقة التكنولوجيا في 2021 إذ صعد بنحو 67% تقريبًا، يليه سهم جوجل بمكاسب 53%، ثم سهم فيسبوك بنحو 27%، في حين كان سهم عملاق التجزئة أمازون الأقل صعودًا بنحو 5% فقط.
ووسط هذه الشركات العملاقة، كان سهم تسلا كعادته في الواجهة هذا العام، إذ تمكن من تحويل أداءه السيئ في غالبية 2021 إلى مكاسب بأكثر من 54% فقط في الربع الأخير، حيث كان السهم منخفضًا منذ بداية العام حتى أواخر أغسطس الماضي، مع تداعيات أزمة سلسلة التوريد، قبل أن يتمكن من الصعود القوي مع قيمة سوقية أعلى من تريليون دولار لأول مرة على الإطلاق.
هذه أبرز محطات الأسهم الأمريكية في 2021، أما بالنسبة إلى الأسهم الأوروبية، فقد سجلت أيضًا مستويات قياسية هذا العام، إذ صعد المؤشر الرئيسي ستوكس 600 بنحو 23% تقريبًا، مع تحقيقه قمة تاريخية في 17 نوفمبر الماضي، بالقرب من 490 نقطة، لكنه قريبًا منها في جلسات أواخر ديسمبر، مع هدوء المخاوف المتعلقة بمتحور أوميكرون.
ومقارنة بالأسهم الأمريكية والأوروبية، جاء ارتفاع الأسهم الآسيوية ضعيفًا هذا العام، إذ ارتفع مؤشر نيكي الياباني بنحو 5%، كما صعد المؤشر الصيني شنغهاي المركب بحوالي 4%، بعد أداء متأرجح بين الصعود والهبوط على مدار جلسات عام 2021.
سوق النفط
انتعاش قوي شهدته سوق النفط في 2021، ليداوي جراح العام الماضي، حينما هبط خام برنت لأقل من 20 دولارًا للبرميل، ورأينا سعر خام غرب تكساس الأمريكي في النطاق السالب للمرة الأولى تاريخيًا في أبريل المنصرم، ولكن لم تكتف أسعار الخام بتعويض خسائرها خلال عام الوباء، بل عانقت مستوياتها لم تشهدها منذ 7 سنوات.
شهدت سوق النفط محطات وقرارات بارزة في 2021، تفاعلت الأسعار مع بعضها كثيرًا، وكان رد الفعل ضعيفًا في البعض الآخر، لكن الشيء الأبرز هو تعافي الطلب العالمي على الخام مع انتعاش الاقتصاد، ما دفع أسعار خامي برنت والأميركي للارتفاع بنحو 58% لكل منهما، ليسجلا مستويات 79 و76 دولارًا للبرميل على التوالي، حتى جلسة (29 ديسمبر).
وبدأت أسعار خامي برنت وغرب تكساس الوسيط، عام 2021 عند مستويات 50 و48 دولارًا للبرميل على التوالي، واتخذت مسارًا صعوديًا حتى وصلت إلى أعلى مستوياتها منذ 2014 عند مستويات تتجاوز 85 دولارًا للبرميل في أواخر أكتوبر، وتحديدًا في جلسة (26 أكتوبر)، قبل أن تفقد الزخم وتهبط أدنى 70 دولارًا في نهاية نوفمبر، حينما تزايدت المخاوف من تأثير متحور أوميكرون على الطلب.
ودفع ظهور هذا المتحور الجديد أسعار النفط لتهبط بنحو 13%، مسجلًا خامس أكبر انخفاض تاريخي، في جلسة الجمعة (26 نوفمبر)، قبل أن تستعيد مكاسبها مع اقتراب العام من النهاية وتقترب من مستويات 80 دولارًا مرة أخرى.
أداء سعر خام برنت في 2021
هذا تأثير الطلب على الأسعار في إجمالي العام، لكن هناك أيضًا محطات مهمة للأسعار، أهمها قرارات تحالف أوبك+ في 2021، فرغم أنه الزيادة التدريجية في الإنتاج دعمت أسعار الخام للارتفاع، إلا أن بعض القرارات كان لها تأثيرًا سلبيًا، أبرزها هبوط أسعار الخام بأكثر من 7% في جلسة (19 يوليو)، عندما أقرت التحالف زيادة الإمدادات بنحو 400 ألف برميل يوميًا بداية من أغسطس.
كما أن إعلان جو بايدن سحب 50 مليون برميل من المخزون النفطي الإستراتيجي، كان من المحطات المهمة لسوق النفط، حيث جاء بالتنسيق مع كبار المستهلكين الآخرين للخام مثل الهند والصين وبريطانيا، بعد أن سئمت الإدارة الأمريكية من مطالبة أوبك بزيادة الإنتاج، من أجل خفض أسعار البنزين في الولايات المتحدة، لكن حقيقةً، لم تتأثر الأسعار بشكل كبير بعد صدور هذا القرار في نوفمبر الماضي، ربما لأن السوق قد قام بالفعل بتسعير هذه الخطوة.
وعند الحديث عن النفط هذا العام، لا يجب إغفال أن الصعود القياسي لأسعار الغاز الطبيعي كان سببًا في تحول الطلب إلى النفط من أجل توليد الكهرباء وخلافه، إذ تسببت أسعار الغاز القياسية في أوروبا بشكل خاص إلى أزمة طاقة عالمية، بعد أن صاحبها ارتفاع كبير أيضًا لأسعار الفحم والكهرباء، حيث تسارع الطلب بعد الوباء في وقت شهد فيه المعروض عجزًا ملحوظًا.
أسعار الذهب
بالنظر إلى الأسواق الأخرى، فإن المعدن الأصفر شهد أداءً باهتًا في عام 2021، على عكس المتوقع، بوصوله إلى 2000 دولار للأوقية وأكثر من ذلك، لكن في الحقيقة فقدت أسعار الذهب الذي شهدته في 2020 مع تفشي الوباء، منذ أن بلغت أعلى مستوى على الإطلاق عند 2067 دولارًا للأوقية في أغسطس 2020.
ومع انحسار الوباء في 2021، تراجعت جاذبية المعدن النفيس كملاذ آمن، رغم الصعود الذي يأتي على فترات، بفعل تفشي سلالات أخرى من كورونا، لينهي العام بخسائر تقارب 5%، وسط صعود الدولار الأمريكي الذي يرفع تكلفة شراء الذهب بالنسبة لحاملي العملات الأخرى، وكذلك ارتفاع عوائد السندات الأمريكية، الذي يزيد تكلفة الفرصة البديلة لحيازة المعدن.
أسعار الذهب في 2021
هذا ما حدث للذهب بشكل عام، لكن هناك مستويات مهمة شهدها المعدن، الذي بدأ العام عند مستويات 1900 دولار تقريبًا، لكنه تهاوى بأكثر من 200 دولار، وتراجع تحت 1700 دولار في أوائل مارس، بضغط من الحزمة الهائلة التي قدمتها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للإغاثة من الوباء والبالغة 1.9 تريليون دولار في بداية العام.
لكن مع تسارع التضخم والمخاوف المحيطة بمتغير دلتا، ارتفعت الأسعار مرة أخرى إلى أكثر من 1900 دولار في يونيو، ومنذ ذلك الحين فشل الذهب في الوصول إلى هذه المستويات مجددًا بل يكافح للاستقرار فوق 1800 دولار، مع اتجاه الفيدرالي الأمريكي إلى رفع أسعار الفائدة والبدء في تقليص الدعم وشراء الأصول، لمواجهة الارتفاع الحاد للتضخم في الأشهر الأخيرة.
العملات الرقمية
بالنظر إلى أكثر الأصول جاذبيةً وتقلبًا هذا العام، وكل عام، فإن العملات المشفرة مرت بعام مختلف، إذ ارتفعت إلى قمة تاريخية جديدة قرب 69 ألف دولار في نوفمبر الماضي، بعدما تجاوز الرقم القياسي السابق المسجل في منتصف أبريل بالقرب من 65 ألف دولار، لكنها مع نهاية العام تكافح للاستقرار عند 50 ألف دولار، ما يعني أنها حققت مكاسب بنحو 60% في 2021.
أداء البيتكوين في 2021
في المقابل، كانت عملة الإيثريوم من الأكثر ارتفاعًا في 2021، بمكاسب تتجاوز 400%، بعدما ارتفعت من حوالي 700 دولار في بداية العام، إلى مستوى قياسي فوق 4800 دولار في نوفمبر الماضي، قبل أن تقلص مكاسبها مع هبوط سوق التشفير بشكل عام لتهبط عند 3700 دولار مع نهاية العام.
وكان هناك عوامل كثيرة وراء ارتفاع سوق العملات المشفرة، الذي وصلت قيمته إلى 3 تريليون دولار في نوفمبر الماضي، قبل أن تهبط إلى 2.3 تريليون دولار، ومن أهم هذه العوامل، إعلان تسلا الاستثمار في البيتكوين، بالإضافة إلى شركات أخرى قررت قبول العملة المشفرة كوسيلة للدفع مثل باي بال، ما أضفى المزيد من الشرعية على العملات الرقمية.
وشهد 2021، أيضًا، إدراج أول شركة تشفير كبرى في وول ستريت، وهى كوين بايس (coinbase)، وكذلك صناديق الاستثمار المتداولة المرتبطة بالعقود الآجلة للبيتكوين، فضلًا عن اعتماد البيتكوين عملة قانونية في السلفادور كأول دولة تفعل ذلك.
تحديات وامنيات ونجاحات وإخفاقات حملها عام 2021 للمستثمرين وهذا حال الدنيا بكل أعمالها , وكما هي عادة الاسواق في نهاية كل عام تحتفل وتتأمل ان يكون العام القادم أفضل , وهذا ما نتمناه لكل أصدقائنا بأن تكون سنة 2022 سنة تحمل لكم النجاح والسعادة
دمتم بكل حب ومودة
اياد ابوعارف
مؤسس موقع نمازون الإقتصادي