قرر تحالف أوبك+ رفع إنتاجه النفطي بمقدار 548 ألف برميل يوميًا في أغسطس، بما يفوق الزيادات التي أقرها على مدى الأشهر الثلاثة السابقة، ضمن سعيه لاستعادة الحصة السوقية، التي فقدها لصالح منافسين خلال الفترة التي قلص فيها إمداداته بهدف الحفاظ على التوازن بين العرض والطلب في السوق.
اجتمع افتراضيًا ثمانية أعضاء رئيسيين في التكتل يوم السبت هم السعودية وروسيا والعراق والإمارات والكويت وكازاخستان والجزائر وسلطنة عمان، بحسب بيان صادر اليوم السبت.
شهدت الأشهر الماضية تحولات لافتة في سياسة منظمة البلدان المصدرة للبترول أوبك، إذ سرعت من استعادة الإنتاج الذي خفضته طوعًا، رغم ضعف الطلب وتزايد المؤشرات على وجود فائض وشيك في المعروض، وهو ما تسبب في ضغط على أسعار النفط، وأتاح متنفسًا للمستهلكين، ولاقى ترحيبًا من الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي يطالب بخفض أسعار الوقود.
وكان الأعضاء الثمانية الرئيسيون في أوبك+ قد وافقوا بالفعل على زيادة الإنتاج بمعدل 411 ألف برميل يوميًا خلال أشهر مايو ويونيو ويوليو، وهو ما يعادل ثلاثة أضعاف المعدل الذي كان مقررًا في البداية.
ستسمح الزيادة الأكبر في أغسطس لأوبك+ باستكمال إعادة 2.2 مليون برميل يوميًا من الإنتاج المتوقف سابقًا بحلول سبتمبر، مع زيادة أخرى تقارب المستوى نفسه، بحسب أحد المندوبين في التكتل لـبلومبرغ.
مرونة أوبك+ تسمح بدعم استقرار السوق
عزا التحالف في بيانه الزيادة في الإمدادات إلى التوقعات الاقتصادية العالمية المستقرة، وأساسيات السوق السليمة حاليًا، كما ينعكس ذلك في انخفاض مخزونات النفط. وكرر إشارته إلى إمكانية إيقاف الزيادات التدريجية مؤقتًا، أو عكسها، وفقًا لتطورات الظروف في السوق، مشيرًا إلى أن هذه المرونة ستسمح للتكتل بمواصلة دعم استقرار سوق النفط.
كما أشارت دول أوبك+ الثماني إلى أن هذا القرار سيتيح فرصة للدول المشاركة لتسريع تعويضاتها عن فائض الإمدادات. وستجتمع الدول الثماني في 3 أغسطس، لتحديد مستويات الإنتاج لشهر سبتمبر بحسب البيان.
تراجعت أسعار النفط الجمعة في ظل ترقب اجتماع أوبك+، في وقت أثرت تهديدات ترمب بفرض الرسوم الجمركية على شهية المخاطرة عالميًا. انخفض سعر خام غرب تكساس الوسيط إلى ما دون 67 دولارًا للبرميل بعد تراجعه 0.7% يوم الخميس. بينما حام خام برنت قرب 68 دولارًا للبرميل بانخفاض 13% خلال الأسبوعين الماضيين. وأدى التحول من الصراع المفتوح بين إسرائيل وإيران، وهي دولة كبيرة منتجة للنفط وعضو في أوبك، إلى هدنة هشة لعدم تأثر صادرات الطاقة من الشرق الأوسط إلى حد كبير.
يُجمع عدد من مندوبي الدول الأعضاء أوبك الذين تحدثت معهم الشرق في وقت سابق على أن هناك جملة من الأسباب وراء التحول في نهج أوبك+، أبرزها تلبية الطلب المتزايد، لا سيما خلال فصل الصيف، إلى جانب مساعي ضبط إنتاج الأعضاء الذين تجاوزوا حصصهم، وتخفيف هواجس الرئيس الأميركي دونالد ترمب بشأن الأسعار، واستعادة الحصة السوقية.
يشير شخص مطلع لـالشرق إلى رغبة السعودية في استعادة إنتاجها المتوقف بأسرع وقت ممكن، بعد أن ضاقت ذرعًا بالتنازل عن حصص سوقية لصالح منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة، والدول التي لم تلتزم بحصصها داخل تحالف أوبك+ وغيرها من المنافسين.
في الوقت ذاته يمثل هذا التحرك خطوة جديدة صوب الإلغاء السريع لتخفيضات الإنتاج التي قررها أوبك+ في السابق، ما يقرب التحالف من استعادة الكميات التي تم حجبها بالكامل. لكن هذه الخطوة تأتي في لحظة حرجة، إذ لا يزال نمو الطلب العالمي غير مستقر، متأثرًا بضعف النشاط الصناعي في الصين واستمرار الضبابية التجارية. في الوقت نفسه، يتزايد الإنتاج من خارج أوبك+ بشكل مستمر، بقيادة الولايات المتحدة والبرازيل وغيانا، ما يُصعب على السوق استيعاب الإمدادات الإضافية من التحالف دون ظهور فائض.
زيادة إنتاج أوبك
زادت منظمة البلدان المصدرة للبترول أوبك إنتاجها من الخام بأعلى وتيرة في أربعة أشهر، في وقت قادت السعودية زيادة في صادرات الشرق الأوسط النفطية بهدف استعادة حصتها السوقية، بحسب مسح سابق أجرته بلومبرغ.
ترجح تحليلات بلومبرغ إنتليجنس للسيناريوهات المختلفة بشكل متزايد ظهور فائض يتجاوز مليون برميل يوميًا في النصف الثاني من العام. وما لم يُبطئ أوبك+ وتيرة زيادة الإنتاج أو يتحسن الطلب بشكل غير متوقع، فقد تظل الأسعار تحت ضغوط هبوطية مستمرة حتى نهاية العام.
من جانبها، تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن تشهد السوق فائضًا كبيرًا في المعروض خلال النصف الثاني من العام، بينما تتوقع مؤسسات مالية مثل جيه بي مورغان تشيس استمرار الضغوط على الأسعار خلال الفترة المقبلة.
تحصين الأسعار من الصدمات
في الوقت ذاته أدت تخفيضات الإنتاج التي نفذها التكتل إلى تراكم فائض في الطاقة الإنتاجية لدى أوبك، لكن الخطة الحالية لإزالة القيود تدريجيًا ستؤدي إلى تراجع ذلك الفائض. فقد احتفظت المنظمة باحتياطيات كبيرة منذ جائحة كورونا، وكان ذلك أحد الأسباب الرئيسية لتحصين الأسعار من الصدمات على جانب الإمدادات. كما أدت وفرة المعروض لتقليل فرص حدوث قفزة سعرية مفاجئة.
تفيد بيانات بلومبرغ إنتليجنس بأن السعودية تستحوذ على نصيب الأسد من فائض الطاقة الإنتاجية لدى أوبك بنسبة 47%، تليها الإمارات بنسبة 23%، ثم إيران والعراق بنسبة 9% لكل منهما، بإجمالي نحو 6.6 مليون برميل يوميًا.
تراجعت حصة أوبك من إجمالي إمدادات الخام والمكثفات عالميًا بنحو 10 نقاط مئوية خلال العقد الماضي. وكان ذلك في الغالب لصالح منتجي النفط الصخري في أميركا الشمالية الذين زادت حصتهم تسع نقاط مئوية.
يرى محللو بلومبرغ إنتليجنس: رغم أن تراجع نمو الطلب على النفط -نتيجة زيادة كفاءة استهلاك الوقود والنمو المطرد للسيارات الكهربائية- قد يثير شكوكًا حول أهمية المجموعة، فقد برهنت إدارتها للمعروض في 2020 على أهميتها لإعادة التوازن إلى السوق والحد من التقلبات.
تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يبلغ الطلب على نفط أوبك نحو 26.5 مليون برميل يوميًا، انخفاضًا من 27 مليونًا في 2024 و28.4 مليون في 2023. وبالمثل، خفضت أوبك وإدارة معلومات الطاقة الأميركية في 2021 تقديراتهما للطلب العالمي على نفط المنظمة نتيجة توقعات بتراجع الطلب على النفط وزيادة الإنتاج في أماكن أخرى.