شهدت أسواق الأسهم الأمريكية تراجعًا حادًا في الآونة الأخيرة، حيث أدت المخاوف من تباطؤ اقتصادي إلى عمليات بيع مكثفة أطاحت بأكثر من 4 تريليونات دولار من القيمة السوقية لمؤشر S&P 500 منذ ذروته في فبراير الماضي. جاء هذا التراجع على الرغم من التفاؤل السابق الذي ساد وول ستريت تجاه سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي كانت تُنظر إليها على أنها محفزة للنمو الاقتصادي.

عدم اليقين بشأن التعريفات الجمركية


أثارت السياسات التجارية التي ينتهجها ترامب، وخاصة تلك المتعلقة بالتعريفات الجمركية على الشركاء التجاريين الكبار مثل كندا والمكسيك والصين، حالة من عدم اليقين بين المستثمرين والشركات. هذه الخطوات المتذبذبة جعلت من الصعب على الشركات وضع خطط مستقبلية واضحة، مما أثر سلبًا على ثقة المستثمرين وأدى إلى تفاقم التخوفات من حدوث ركود اقتصادي وهو ما أدى إلى الانخفاضات المتكررة في أسواق الأسهم الأمريكية.

ولم تكن أسواق الأسهم وحدها التي تأثرت بهذا التردد السياسي. فقد أعلنت شركة دلتا للطيران عن تخفيض توقعاتها للأرباح في الربع الأول بنسبة 50%، مما أدى إلى انخفاض أسهمها بنسبة 14% في التعاملات بعد السوق. وأرجع الرئيس التنفيذي للشركة، إد باستيان، هذا التراجع إلى زيادة عدم اليقين الاقتصادي في الولايات المتحدة.

مخاوف وتقلبات في أسواق الأسهم الأمريكية


أظهرت بيانات حديثة أن صناديق التحوط قلصت تعرضها لأسواق الأسهم الأمريكية بأكبر قدر منذ أكثر من عامين، مما يعكس تحولًا كبيرًا في مشاعر المستثمرين. وكانت الأسهم الأمريكية قد ارتفعت في السابق بسبب توقعات إيجابية حول سياسات ترامب المحفزة للنمو، مثل التخفيضات الضريبية وتخفيف القيود التنظيمية.

شهد مؤشر S&P 500 مكاسب متتالية بنسبة تزيد عن 20% في عامي 2023 و2024، مدفوعًا بأسهم شركات التكنولوجيا العملاقة مثل إنفيديا وتسلا، والتي عانت من تراجع كبير في عام 2025، مما أثر على المؤشرات الرئيسية.

أمس الاثنين، انخفض قطاع التكنولوجيا في مؤشر S&P 500 بنسبة 4.3%، بينما انخفضت أسهم آبل وإنفيديا بنحو 5%. كما تراجعت أسهم تسلا بنسبة 15%، مما أدى إلى فقدان حوالي 125 مليار دولار من قيمتها السوقية.

تفاقم عمليات البيع في أسواق الأسهم الأمريكية
ازدادت حدة عمليات البيع في الأسواق أمس الاثنين، حيث انخفض مؤشر S&P 500 بنسبة 2.7%، وهو أكبر انخفاض يومي له هذا العام. كما تراجع مؤشر ناسداك المركب بنسبة 4%، وهو أكبر انخفاض يومي له منذ سبتمبر 2022.

وأغلق مؤشر S&P 500 يوم الاثنين منخفضًا بنسبة 8.6% عن أعلى مستوى قياسي سجله في 19 فبراير، مما أدى إلى فقدان أكثر من 4 تريليونات دولار من القيمة السوقية منذ ذلك الحين، مع اقتراب المؤشر من انخفاض بنسبة 10%، مما يمثل تصحيحًا للسوق. كما أغلق مؤشر ناسداك، الذي يهيمن عليه قطاع التكنولوجيا، يوم الخميس منخفضًا بأكثر من 10% عن أعلى مستوى سجله في ديسمبر.

تقييمات مرتفعة للأسهم الأمريكية


على الرغم من التراجع الأخير، لا تزال تقييمات الأسهم الأمريكية أعلى من المتوسطات التاريخية. فمؤشر S&P 500 يتداول عند حوالي 21 مرة من الأرباح المتوقعة للعام المقبل، مقارنة بمتوسطه التاريخي البالغ 15.8 مرة. ويشير بعض المحللين إلى أن المخاوف المتعلقة بالحرب التجارية والتوترات الجيوسياسية والآفاق الاقتصادية غير الواضحة قد تكون بمثابة محفزات لتصحيح أعمق في السوق.

مؤشرات التقلب وعدم الاستقرار


بلغ مؤشر التقلب (VIX)، الذي يقيس توقعات السوق للتقلبات المستقبلية، أعلى مستوى إغلاق له منذ أغسطس، مما يعكس حالة القلق المتزايدة بين المستثمرين. كما شهدت الأصول الأخرى ذات المخاطر العالية، مثل البيتكوين، تراجعًا حادًا أيضًا.

الأصول الأخرى تتأثر أيضًا


تعرضت الأصول الأخرى ذات المخاطر العالية لضغوط، حيث انخفضت قيمة البيتكوين بنسبة 5%. ومع ذلك، كانت بعض القطاعات الدفاعية أكثر استقرارًا، حيث سجل قطاع المرافق العامة مكاسب يومية بنسبة 1%. كما زاد الطلب على سندات الخزانة الأمريكية الآمنة، حيث انخفضت عوائد سندات الخزانة لمدة 10 سنوات إلى حوالي 4.22%.

الخلاصة

 

في النهاية، يبدو أن أسواق الأسهم الأمريكية تمر بمرحلة من التصحيح بعد فترة من الارتفاعات القوية، مدفوعة بعدم اليقين السياسي والمخاوف الاقتصادية. بينما قد تكون بعض التعديلات ضرورية لتصحيح التقييمات المرتفعة، فإن استمرار حالة عدم اليقين بشأن السياسات التجارية والاقتصادية قد يؤدي إلى مزيد من التقلبات. وفي ظل هذه الظروف، يبقى المستثمرون في حالة ترقب، ينتظرون إشارات واضحة من الإدارة الأمريكية حول اتجاهاتها المستقبلية.