ليس أدل الآن على أحوال اوروبا السياسية و الاقتصادية سوى تصريح زعيم الاشتراكيين الهولندى فرانس تيمرمانس أحد المتنافسين على رئاسة المفوضية الاوروبية بعد الانتخابات الأخيرة حين قال إن صراع العروش سيبدأ لتحديد من سيفوز بتلك الوظيفة .
يبدو وصف الرجل دقيقا لكل ما يجرى على الساحة الاوروبية التى تستعد بقضاياها القديمة و المستمرة خلال النصف الثانى من 2019 لأستقبال وجوه جديدة تعتلى قمم المناصب المؤثرة بداية من خليفة تريزا ماى لرئاسة الحكومة البريطانية مرورا بمسلسل أعادة تشكيل هيئات الاتحاد الاوروبى الخمس و الذى يمتد من يوليو الى ديسمبر القادم ، وصولا إلى خليفة ماريو دراجى فى رئاسة البنك المركزى الاوروبى .
إذن نحن أمام مجموعات مختلفة من الطامحين التى تفرز بدورها نحو ثمان أسماء جديدة على الأقل تعيد تشكيل أجزاء مهمة من المشهد الاوروبى ، و ربما تحفز على تغييرات أخرى تأتى بما ليس متوقعا فى مسارات عدة لا تنفصل عن قضيتين رئيستين بريكست و الوحدة الاوروبية .
من يخلف سيدة بريكست ؟!
بعد نحو 1058 يوم فى منصب رئيسة الحكومة البريطانية تغادر تريزا ماى فى السابع من يونيو 2019 مكانها ، لتفسح الطريق الملغوم بملف انفصال بلادها عن الاتحاد الأوروبي لقيادة جديدة قد تنجح فيما فشلت فيه ماى فى أتمام طلاق مفترض بحلول 31 اكتوبر القادم .
و رغم ما أبدته ماى من صلابة واضحة ضد ضغوط أزاحتها عن منصبها و نجاتها من فخاخ سحب الثقة من حكومتها ، إلا أنها توجت مشهد الختام بأدعاء البكاء على ما بذلته من جهود كبيرة فى ملف بريكست الذى يستعد لأستكماله فائز واحد من أصل 13 محافظا محتمل ترشحهم على مقعد ماى بحلول العاشر من يونيو يتم أختياره من بين أكثر أثنين يحصلون على تأييد نحو مائة ألف من نشطاء حزب المحافظين ، نستعرض أبرزهم من خلال السطور التالية ...
اولا ... بوريس جونسون ( ترامب البريطانى )
قبل تولى تريزا ماى رئاسة الحكومة البريطانية فى يوليو 2016 و بوريس جونسون يسعى لنيل المنصب الرفيع دعما من كونه أحد أهم المؤيدين لخروج بلاده من الاتحاد الأوروبي ، و لكنه لضمان بقاءه فى دائرة الضوء إنضم جونسون كوزير للخارجية فى حكومة ماى التى استقال منها فى يوليو 2018 احتجاجا على سوء ادارة بريسكت .
و على مدار الشهور الماضية أجتهد جونسون فى التجارة بقضية بريكست عبر آراء صريحة بخروج بريطانى مدار و الالتزام التام بموعد نهاية اكتوبر القادم للأنفصال النهائى سواء بأتفاق او بدون مع الاتحاد الأوروبي الذى أعرب مؤخرا عن ملله الشديد من التمديد المتكرر لأجل الخروج المحتمل .
موقف جونسون يتلاقى مع رغبات كلا من الرئيس الامريكي دونالد ترامب و الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون و كذلك المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل فى موعد خروج أكتوبر و لكن يتخلف اختلافا ملحوظا فى تفاصيل أتمام ذلك مع قادة اوروبا المتخوفين من الدعم الضمنى الامريكى لخطوات جونسون الصدامية .
ينافس بوريس جونسون حليفه السابق وزير البيئة مايكل جوف ، الرجل الذى تحالف مع الجميع و انقلب عليهم فى النهاية من رئيس الحكومة الاسبق ديفيد كاميرون الى تريزا ماى .
ثانيا ... ( مجموعة اللا إتفاق )
- وزير الخارجية جيرمى هانت 52 عاما
- وزير وزير شئون الانسحاب السابق دومينيك راب 45 عاما
- وزيرة شئون الدولة السابقة أندريا ليدسوم 56 عاما
يجمع الاسماء الثلاثة السابقة مناهضة الاتحاد الأوروبي و توحد رؤيتهم حول أفضلية خروج بريطانيا فى أكتوبر بدون اتفاق ، فالمخاطر الديموقراطية أعلى من المخاطر الاقتصادية فى حال عدم الخروج حسب تعبير الوزير جيرمى هانت الذى يعد الخيار الافضل للمنصب حسب تطلعات قادة اوروبا خاصة ميركل و ماكرون .
و على جانب أخر قد توفر بريطانيا نحو 25 مليار إسترليني من اموال الانسحاب حال اتمام الخروج دون اتفاق حسب تصريح دومينيك راب الذى يسعى لأتفاق عادل جديد مع الاتحاد ، كما يعد الاوفر حظا لمنافسة المرشح بوريس جونسون من حيث السن و الحضور الجماهيرى .
ثالثا ... ( مجموعة التباين و الاتفاق )
وزير الصحة مات هانكوك 40 عاما
الدبلوماسى روري ستيوارت 46 عاما
وزيرة الدفاع بيني موردونت 46 عاما
وزير الداخلية ساجد جاويد 49 عاما
تطرح الشخصيات الاربع نفسها كبدائل منطقية لتريزا ماى و مريحة للأتحاد فى تلك اللحظة ، و تتباين مواقفها بين الدعوة لمفاوضات ناعمة جديدة مع الاتحاد الأوروبي و بين الاتجاه لقبول اتفاق ماى الحالى و العمل على تمريره برلمانيا قبل نهاية اكتوبر القادم مع الاستبعاد التام لأحتمال الخروج دون اتفاق .
الاتحاد الأوروبي ينتظر وجوه جديدة
يصر مؤيدى انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي بأن الاخير ما هو إلا ناد اقتصادى كبير و حلبة سياسية ضخمة تسيطر عليها المانيا و فرنسا ، و ليس اتحادا بمعنى الكلمة .
و ربما أكدت نتائج الانتخابات الاوروبية 2019 و افرازات حروب ترامب التجارية على صحة أجزاء واسعة من تلك النظرية التى تنتظر تغيرات مهمة خلال الشهور القادمة بداية من رئيس البرلمان الأوروبي فى اول يوليو المقبل عقب انعقاد القمة الاوروبية فى 20 يونيو الجارى ، مرورا بأختيار قادة ثلاث مناصب عليا رئيس المفوضية و وزير خارجية الاتحاد و رئيس جديد للبنك المركزى الاوروبى فى نوفمبر القادم ، ختاما بأختيار رئيس المجلس الاوروبى فى ديسمبر 2019
هنا لنا وقفة أمام موقف قطبى القارة المانيا و فرنسا بشأن اختيار من يخلف رئيس البنك المركزى الاوروبى الايطالى ماريو دراجى الذى ظل فى موقعه لنحو ثمان سنوات داعما كبيرا لقوة عملة اليورو من خلال سياساته المتحورة حول خفض الفائدة و دعم الحوافز النقدية .
و تصر المانيا ميركل و فرنسا ماكرون من واقع قوتهم الاقتصادية و بعد اهتزاز مقاعدهما فى الانتخابات الاوروبية الاخيرة على رئيسا جديدا للبنك المركزى من بلادهما ، فى ظل تعدد الوجوه لخلافة دراجى التى نستعرضها بالترتيب حسب وفرة الحظوظ لنيل المنصب الهام
- فرانسوا فيليروي دي جالو رئيس البنك المركزى الفرنسى .
- الفرنسى بنوا كورى عضو المجلس التنفيذي فى البنك المركزي الأوروبي .
- كلاس نوت رئيس البنك المركزى الهولندى .
- الالمانى كلاوس ريجلينج المدير الإداري لصندوق الانقاذ المالى لمنطقة اليورو .
- ينس فيدمان رئيس البنك المركزى الالمانى .
- أولي رين رئيس البنك المركزى الفنلندى .
ختاما ، لم يخلو مسلسل صراع العروش الشهير من المؤمرات و المفاجأت التى تنسحب رمزيا على الدراما السياسية و الاقتصادية فى اوروبا الواقفة أمام تحديات كبيرة متنامية من تطلع تيارات اليمين الى الحكم ، و كذلك رغبة ملحة فى نهاية خشنة يريدها الاتحاد لقضية بريكست حتى تكون حالة مثل يصعب تكرارها ، انعطافا على وحدة مهددة اقتصاديا من الداخل بمشكلات النمو و الديون ، و من الخارج بالحروب التجارية العاصفة