بينما يستقر تدريجيا تاريخ 31 أكتوبر 2019 لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق على الارجج ، يطفو زعيم حزب العمال البريطانى المعارض جيرمى كوربن بمسار أخر يشير إلى احتمالية سحب الثقة من رئيس الحكومة الحالى بوريس جونسون و تعديل موعد الخروج الى حين التوصل لإتفاق أو اجراء استفتاء ثان .
ففى الثالث من سبتمبر المقبل يعود البرلمان البريطانى للأنعقاد حتى الجمعة 13 سبتمبر وسط اغلبية لحكومة جونسون بصوت واحد فقط ، ثم ترفع جلسات البرلمان و يعود للعمل مرة اخرى فى التاسع من أكتوبر القادم ، اى على بعد أيام قليلة من موعد الخروج المحتمل نهاية الشهر ، فى تلك الفترات القصيرة للغاية سيجتهد جيرمى كوربن زعيم المعارضة فى طرح سحب الثقة من بوريس جونسون الذى فاز مؤخرا بزعامة حزب المحافظين فى 23 يوليو الماضى .
يبدو أن الهدف الرئيسى لكوربن هو تعزيز فكرة سحب الثقة و توحيد المعارضة المنقسمة ، أكثر من تنفيذيها عن طريقه الصعب أيضا ، فسيناريوهات الفكرة تتصاعد فى وجه جونسون بداية من العمل على إصدار قانون يمنع خروج البلاد من الاتحاد دون أتفاق ، مرورا بتقديم إلتماس عاجل للملكة اليزابث الثانية بإقالة جونسون لفقدانه الاغلبية و اضراره بالمصالح القومية البريطانية و تشكيل حكومة وطنية طارئة ، وصولا الى فخ خسارة تصويت الثقة الذى يلزم جونسون بتشكيل حكومة جديدة ذات اغلبية خلال اسبوعين ، و هو الامر الذى إن فشل فيه يجره الى الاستقالة و الدعوة الى انتخابات عامة فى البلاد .
و بالتدقيق فى مشهد بريكست الطويل نجد أن أطراف الازمة المعقدة يواجهون تحديات كبيرة ، فبوريس جونسون مدعوم فقط من حزبه المحافظين الذى تقلصت اغلبيته و يريد الحفاظ على تواجده فى السلطة ، كما أنه مدعوم من الرئيس الامريكي دونالد ترامب الذى يهوى ايضا انفصالا بريطانيا دون اتفاق ، بينما يصطدم جونسون داخليا بمعارضة منقسمة ذات عواصف قوية من أحزاب افشلت تمرير خطة رئيسة الوزراء السابقة تريزا ماى ثلاث مرات امام البرلمان و ادت الى استقالتها نهاية المطاف ، مرورا برئيس مجلس العموم نفسه جون بيركو الذى يرفض فكرة الخروج اصلا .
جونسون ايضا غير مفضل اوروبيا بسبب نهجه القديم المعادى للوحدة الاوروبية و الظاهر فى كتاباته الصحفية اثناء عمله كمراسل فى بروكسل مقر الاتحاد ، ذلك المسار الذى تبلور بقوة فى الحشد من اجل الانفصال فى استفتاء بريكست يونيو 2016 مرورا بأدائه الجدلى كوزير للخارجية فى عهد تريزا ماى ، حتى زعامته لحزبه المحافظ مرجحا اللااتفاق أو اتفاق جديد مع الاتحاد الأوروبي الذى يرفض ذلك تماما.
أما غريمه المعارض جيرمى كوربن فهو ايضا لا يحظى بتأييد كافى لرئاسة الحكومة المقبلة ، فالدعم الاعلامى المؤيد لجونسون نجح كثيرا فى هز صورة كوربن و عدم ترجيحه كبديل مناسب ، بالاضافة الى القلق الاوروبى من خطة كوربن لأعادة هيكلة ملف بريكست و اطالة أمد الخروج المتعثر و تبعات ذلك الاقتصادية على أوروبا بأكملها التى تضطر الان للمفاضلة بين جونسون الاسوأ و كوربن و امثاله الاقل سوءا.
هذا بخلاف الخصام العلنى بين كوربن الذى طالما اتهم الرئيس ترامب بالتدخل الفج فى شئون بريطانيا و معارضته لسياسته الخارجية و التجارية ايضا ، و هو ما قابله ترامب برفض لقاء كوربن فى زيارته الاخيرة للندن و وصفه بأنه قوة سلبية تهدم بريطانيا .
تبقى فى الزاوية العليا المؤثرة قرارات الملكة اليزابيث الثانية الاستثنائية حيال المشهد كله ، فالملكة 93 عاما فقدت صلاحية حل البرلمان بعد قانون أقر فى 2011 يقضى بموافقة أغلبية ثلثى النواب للحل ، كما أن الحيل القانونية لتدخل القصر فى اقالة جونسون قد تواجه عقبات دستورية لأول حالة فصل قد تتم منذ 185 عاما مضت ليسجل جونسون اسمه تاريخيا كصاحب اقصر مدة فى رئاسة الحكومة ، هذا بخلاف استعادة سوابق التدخل الملكى المباشر فى اعمال السلطة التنفيذية المضطربة حاليا بفعل بريكست .
ختاما ... من يفرض للأزمة التى طال امدها مسارا متزنا للحل ؟! ... و هل نشهد تاريخا جديدا لبريكست بعد نهاية اكتوبر القادم ؟! ... يبدو أن الكل يتحرك كقوارب منفصلة فى اتجاه مصالحها فقط ، و الاقتصاد العالمى ينظر بعين التوتر البالغ لمستقبل أكبر خامس قوة فيه بدأت فى التنازل عن موقعها بالفعل ، و ربما ترجمة أرقام السنوات القادمة للأحداث المستمرة خير دليل على ذلك
بقلم خبير الاسواق العالمية
الاستاذ / محمد مهدي عبد النبي