لماذا يريد الرئيس الامريكى دونالد ترامب أسعار النفط أسفل 70 دولار للبرميل ؟!
اولا ، فى 19 ابريل 2018 لامس خام برنت لأول مرة خلال العام الماضي مستوى 74.75 دولار للبرميل ، حينها بدأ ترامب فى أطلاق تغريداتة الاعتراضية على منظمة اوبك بأن اسعار النفط المرتفعة و المنصطنعة غير مقبولة ، ليأتى تدخل ترامب بنيجة سعربة عكسية استمرت أكثر من شهر تحلق فيه اسعار خام برنت حتى حدود مستوى 80.49 دولار للبرميل
ثانيا ، فى 30 يونيو 2018 سجل خام برنت فيها مستوى 79.70 دولار للبرميل فى اغلاق اليوم السابق ، حينها أعلن ترامب أن المملكة العربية السعودية وافقت على طلبة بزيادة انتاجها النفطى لتعويض الفاقد من ليبيا و فنزويلا و للحد من ارتفاع الاسعار ، هنا تلاقت على شاشات النفط الساخن رؤيتى الحليفين امريكا و السعودية ، و أستجابت الأسعار للرغبة الأمريكية و بدأت فى إستراحة سعرية حتى مستوى 72 دولار للبرميل
ثالثا ، لم تجرؤ أسعار النفط على اللعب بفاعلية فوق مستوى 80 دولار للبرميل من أخر يونيو حتى 21 سبتمبر 2018 ، حينها خرج ترامب للمرة الثالثة و لكن أكثر غضبا و اندفاعا فى توزيع إتهاماتة على الجميع للحد من أنطلاق الذهب الاسود فوق 80 دولار ، و زاد ترامب من وتيرة اتهاماته لأوبك بالأحتكار و التلاعب بالاسعار ضد المصلحة الامريكية و ذكر دولا فى الشرق الاوسط بأنهم لا يدفعون سوى ثلث الثمن المطلوب للحماية الامريكية التى يتمتعون بها ، بل وطفى على السطح مجددا الحديث عن قانون نوبيك الامريكى الذى يسعى لتصنيف اوبك كمنظمة أحتكارية كما يرفع الحصانة السيادية عن اعضاء اوبك لمقاضتهم امام المحاكم الامريكية
رابعا ، أشتعلت المعركة السعرية لمدة تسع جلسات تداول فقط أنتفض فيها خام برنت الى أعلى مستوى له خلال 2018 حتى مستوى 86.74 دولار للبرميل الذى سجله فى يوم 3 اكتوبر 2018 ، و هو نفس اليوم الذى شهد القمة التاريخية لمؤشر Dow Jones الامريكى عند مستوى 26951 نقطة
، و فى فترة قصيرة تدل على نجاح التأثير السياسى لترامب على النفط حدث منذ الثالث من اكتوبر حتى إجراء الانتخابات النصفية الامريكية فى 6 نوفمبر 2018 تراجع جديد لخام برنت ليفقد نحو 14.94 فى المائة و يستقر حول 72 دولار للبرميل مع دخول العقوبات الامريكية على إيران حيز التنفيذ
خامسا ، تسلسل تلك المشاهد يؤكد على تحقيق رغبة ترامب فى نفط منخفض السعر لعدة اسباب ابرزها أرتفاع الاستهلاك الامريكى من النفط الى ما يتجاوز العشرين مليون برميل يوميا ، يتم إستيراد نصفهم من الخارج خاصة من دول منظمة اوبك و ذلك لتغطية الاستهلاك اليومى و لتقليص عجز الاحتياطى الامريكى من النفط ، و حسب تقديرات بلومبيرج فأن كل دولار زيادة فوق مستوى 65 دولار للبرميل يكلف الخزانة الامريكية 10 مليون دولار يوميا ، و كثير ما أتهم خبراء الاقتصاد فى الحزب الديموقراطى الرئيس ترامب بالتهاون فى أمر أسعار الطاقة للمواطن الامريكى ، فمنذ تنصيبة فى يناير 2017 ارتفعت أسعار البنزين بنحو 25 فى المائة ، كما أن أستمرار أسعار النفط فوق 70 دولار يهدد بتأكل عوائد الاصلاح الضريبى الذى يزعمه ترامب خاصة التخفيضات الضريبية
سادسا ، مستوى 80 دولار لبرميل النفط مؤلم و معيق للسياسات الامريكية الخارجية خاصة المتعلقة بالعقوبات على إيران التى تمثل الإيرادات النفطية ربع مصادر ميزانيتها العامة بتمويل يصل إلى 27.4 مليار دولار سنويا ، و هو ما يتحقق حده الأدنى بتوافر تصدير مليون برميل يوميا من النفط فوق مستوى 70 دولار للبرميل ، و بالتالى أى فروقات سعرية و نقدية لأعلى تدر عوائد مالية أكبر للنظام الإيرانى مما يفسد منطق العقوبات الامريكية عليه .
سابعا ، طفت على السطح أتهامات انتخابية بضعف جدوى الجولة الثانية من العقوبات ضد ايران ، و زادت حدة المطالبات الامريكية بتصفير صادرات النفط الإيرانى إلى العالم ، و لكن ترامب الذى يخشى من صدمة سعرية فى أسواق الطاقة ترتفع فيها الأسعار فيتأزم موقفه داخليا و خارجيا سلك مسارين جيدين لطمأنة الاسواق ، أولهما السماح بأعفاء امريكى مؤقت من حظر أستيراد النفط الايرانى لثمان دول ينتهى فى اول مايو 2019 يسمح من خلاله لايران بتصدير 1.2 مليون برميل يوميا فقط على أن يتم تصفير صادرات طهران النفطية بحلول النصف الثانى من 2019 ، بالأضافة الى المسار الثانى بتشجيعه لأتفاق اوبك بلس الاخير بتخفيض الانتاج النفطى بنحو 1.2 مليون برميل يوميا ، و هو ما أتى بأثار أيجابية فى أستقرار ودعم أسواق الطاقة منذ مطلع 2019 بعد عاصفة ضغوط سياسية مسحت نحو 35 فى المائة من أسعار النفط خلال الربع الاخير من 2018
ثامنا ، فى اواخر نوفمبر 2018 جرى تسريب دراسة أكاديمية انتشرت بشكل واسع عن أحتمال تخارج السعودية من منظمة اوبك و هو ما يؤشر على تفكك المنظمة و خروج الاسواق عن السيطرة فى المستقبل ، و على جانب أخر متزامنا مع التسريب خرج الرئيس ترامب ليشكر المملكة على تعاونها و دورها المهم فى خفض الاسعار التى استقرت حينها عند مستوى 54 دولار للبرميل ، مع العلم بأن نفط السعودية البعيد يغطى نحو 11 فى المائة فقط من الاحتياجات الامريكية مقابل نحو 44 فى المائة لنفط كندا الملاصق للحدود الامريكية ، مما يؤكد مجددا على الاولوية السياسية فى حركة النفط على حساب أى منطق أقتصادى
تاسعا ، فى يناير 2019 قامت المملكة العربية السعودية بالتقليص من أنتاجها النفطى بأكثر من 400 ألف برميل يوميا من 10.643 برميل يوميا فى ديسمبر 2018 وصولا لنحو 10.24 برميل يوميا فى يناير 2019 ، و هو أكثر من معدل الخفض المطلوب منها بنحو 70 الف برميل يوميا حسب أتفاق اوبك بلس الذى أشار الى تخفيض انتاج المملكة للنفط عند مستوى 10.311 مليون برميل يوميا فقط ، و أظهارا لألتزام السعودية زعيمة أوبك بأتفاق الخفض تصدر المملكة نحو 7.1 مليون برميل يوميا فقط فى فبراير 2019 بعد أن قامت بتصدير 7.2 مليون برميل يوميا فى يناير الماضى ، هذا على الرغم من أستمرار المستويات القياسية للخام الامريكى الذى تجاوز 12 مليون برميل يوميا ، لتكون الولايات المتحدة المنتج الاول للنفط فى العالم متفوقة على المنتجين الكبار السعودية و روسيا
عاشرا ، بعد ست مرات صريحة خلال عام 2018 و فى 25 فبراير 2019 يعود الرئيس ترامب للتدخل مرة اخرى فى اسعار النفط للمرة الاولى خلال العام الجارى بعد ارتفاع النفط بنحو 20.76 فى المائة منذ بداية العام الى حدود 68 دولار للبرميل ،و ذلك عبر دعوته منتجى أوبك للأسترخاء لأن الاسعار ارتفعت اكثر مما يجب ، و هى فى الحقيقة اقتربت من مستوى السبعين دولار الذى يؤرقه كثيرا ! ، و يستجيب النفط الوفى لرغبة ترامب مرة اخرى وسط معطيات معقدة من تباطؤ نمو الصين و العقوبات الاقتصادية على فنزويلا و ايران و مستجدات جيوسياسية قيد التحضير ربما تجبر النفط على احترام اساسيات السوق المزعومة و التمرد على حسابات ترامب يوما ما .