ما يقرب من ثلث جميع الرجال في سن العمل بأميركا ليس لديهم وظيفة، ولا يبحثون عن وظيفة أيضاً، وهو ما يقرب من 30 مليون شخص.. فكيف يعيشون؟ وكيف يحصلون على المال؟
من المؤكد أن وباء كورونا أنتج بالطبع عدداً من العوامل التي جعلت العمل أكثر صعوبة بغض النظر عن الخطورة، حيث دفع معدل مشاركة العمالة إلى مستوى قياسي منخفض. لكن حقيقة أن الملايين من الذكور الأميركيين لا يعملون قبل انتشار كوفيد-19 بعقود. حيث بلغ معدل مشاركة الرجال ذروته عند 87.4% في أكتوبر 1949 وظل ينخفض بشكل مطرد منذ ذلك الحين، حيث بات حالياً عند 67.7%.
في وقت يمتلك كل من الاقتصاديين وعلماء الاجتماع والسياسيين ومحللي الأخبار على القنوات الفضائية مبرراتهم لتفسير موجة العزوف عن العمل، إلا أن هناك أسبابا أخرى أنتجت هذا الشكل الغريب والمألوف بين الرجال في أميركا المتمثل في عدم رغبتهم في البحث عن عمل، وفقاً لما ذكره الصحافي أندي سيرور، في مقال لموقع ياهوو فاينانس اطلعت عليه العربية.نت.
وكتب: أنا لا أتحدث عن سبب فقد الرجال لوظائفهم - إغلاق المصانع، تسريح العمال، التشغيل الآلي، الاستعانة ببعض الوظائف من الخارج، وحتى ربما النساء اللائي يدخلن سوق العمل وفي الواقع، معدل مشاركة النساء خلال نفس الفترة الزمنية مرتفع جداً - لكن ما أتحدث عنه هو كيف يعيشون دون شغل وظيفة حقيقية، وأعني بذلك القيام بعمل حيث يبلغ المرء عن الدخل إلى مصلحة الضرائب ويدفع الضرائب والضمان الاجتماعي، وما إلى ذلك.
وحدد سيرور 7 طرق يعيش بها الرجال دون عمل في أميركا:
(1) التأمين ضد البطالة
كتب سيرور: ادعى المحافظون وبعض الليبراليين أيضاً أن مساعدة البطالة الحكومية، إلى جانب 600 دولار في الأسبوع من قانون CARES، الذي تم طرحه في مارس 2020، قلل من حاجة الرجال إلى العمل. ولكن كما ذكرت دينيتسا تسيكوفا من Yahoo Finance، فإن الولايات التي أنهت برامج المساعدة الفيدرالية مبكراً لم تشهد زيادات كبيرة في التوظيف.
وقد يعني هذا أن هذه المدفوعات لم تكن حقاً كافية للعيش، أو أنها ليست كافية للعيش بمفردها، حيث تحدث البعض عن وجود مصادر دخل غير شرعية للبعض، أو مساعدات أسرية، أو في حالات نادرة بعض المدخرات.
(2) تقاعد مبكر ومعاشات
من المسلم به أن هؤلاء يشكلون نسبة صغيرة من الرقم الضخم الذي يتم الحديث عنه، وفقاً لـ سيرور، كما يصعب الحصول على بيانات مؤكدة بشأنهم، لكن هذا هو الحال فملايين الرجال دون سن 64 يعيشون جزئياً على الأقل من المعاشات التقاعدية والمادة 401 K .
ويشمل هذا كلاً من المديرين التنفيذيين في الشركات أو ما يعرف بالفئة C-suite إلى أعضاء النقابات وعمال البلدية، الذين يشكلون ما يقرب من 14% من القوة العاملة في الولايات المتحدة.
ووفقاً لمكتب الإحصاء الأميركي، هناك حوالي 6000 نظام تقاعد في القطاع العام في الولايات المتحدة بإجمالي أصول 4.5 تريليون دولار، مع 14.7 مليون عضو عامل و11.2 مليون متقاعد.
وتوزع أنظمة التقاعد نحو 323 مليار دولار من الفوائد سنوياً، ومرة أخرى، بعضها على الرجال الذين تقل أعمارهم عن 64 عاماً.
(3) العجز
هناك أيضاً تأمين ضد العجز من إدارة الضمان الاجتماعي يتم دفعه لحوالي 9 ملايين أميركي قد يتلقون مدفوعات قبل سنوات عديدة من سن التقاعد. هذا هو السبب في إدراج الإعاقة، لكن ليس الضمان الاجتماعي، والذي لا يمكن الحصول عليه حتى سن 62، حيث يبلغ الحد الأقصى لمبلغ مخصصات الإعاقة الذي يمكن الحصول عليه شهرياً في أميركا 3148 دولاراً حالياً. ومع ذلك، يتلقى المستفيد المتوسط حوالي 1277 دولاراً أميركياً شهرياً، وفقاً لمجموعة قانون الضمان الاجتماعي لذوي الاحتياجات الخاصة.
بشكل عام، يبدو أن هذا القانون يدفع حوالي 130 مليار دولار لأصحاب الإعاقة سنوياً. كما أن هناك أموالا تُدفع عن سوء الممارسة الطبية كل عام، ورغم صغر حجمها بالمقارنة بالأرقام السابقة إلا أنها تتخطى 3 مليارات دولار سنوياً، فضلاً عن المدفوعات من التسويات القانونية والدعاوى القضائية الجماعية.
قال سيرور: أنت تتجادل طوال اليوم حول الصواب أو الخطأ عندما يتعلق الأمر بهذه المدفوعات، لكن الحقيقة هي أن العديد منها لم يكن موجوداً، أو لم يكن بهذا الحجم، منذ عقود.
(4) الادخار وتداول الأسهم وبيتكوين
ضع في اعتبارك الآن أن الرجال يعيشون على المدخرات، أو من الأموال التي يتم جنيها في السوق أو ربما حتى بيع الرموز غير القابلة للاستبدال NFTs. كم بالضبط؟ من يدري، لكن القليل منها بالتأكيد.
يمتلك الأميركيون في المتوسط بعض الأموال في البنك. وقد بلغت المدخرات كنسبة مئوية من الدخل المتاح، وفقاً للاحتياطي الفيدرالي لمدينة كانساس سيتي، مستوى قياسياً عند 33% في ربيع عام 2020، ولا يزال عند 14%، أو ما يقرب من ضعف ما كان عليه قبل الوباء.
ووفقاً لمسح أجرته شركة Northwestern Mutual مؤخراً، فقد ارتفع متوسط المدخرات الشخصية بنسبة تزيد عن 10% مقارنة بالعام الماضي، من 65900 دولار في العام الماضي إلى 73100 دولار. وزاد متوسط مدخرات التقاعد بنسبة 13%، من 87500 دولار أميركي العام الماضي إلى 98800 دولار اليوم.
وألقى سيرور نظرة على سوق الأسهم التي شهدت ارتفاع مؤشر S&P 500 منذ إعلان منظمة الصحة العالمية فيروس كورونا كوباء عالمي في 12 مارس 2020، من مستوى 2480 إلى 4441 اليوم، أو ما يقرب من 80%.
وأوضح أن السبب وراء هذا الارتفاع الكبير كان جزء كبير منه راجعا إلى المستثمرين الأفراد والذين بقوا في منازلهم لأكثر من عام ورفعوا الأسواق بقوة، حيث يقدر تحليل لبنك كريديه سويس ارتفاع تعاملات الأفراد في أسواق الأسهم الأميركية من ما بين 15% و18% قبل 2020 إلى أكثر من 30%.
كما كشفت منصة روبن هوود، الأشهر لهذه الفئة من المتعاملين أن لديها 22.5 مليون حساب ممول بنهاية الشهر الماضي، ارتفاعاً من 7.2 مليون في مارس 2020، وهو زيادة بنحو 15 مليون حساب جديد.
وفي عالم العملات المشفرة، ارتفعت أسعار بيتكوين من 4861 دولاراً في 12 مارس 2020 إلى 47763 دولاراً اليوم، وهي زيادة بنحو 10 أضعاف. وبالعودة إلى روبن هوود، فقد ذكرت أيضاً في الشهر الماضي، وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز، أن إجمالي الإيرادات من رسوم تداول العملات المشفرة بلغ 233 مليون دولار، أي ما يقرب من 50 ضعفاً من 5 ملايين دولار في العام السابق. (وهذه مجرد رسوم من الصفقات) وهو ما يشير إلى مكاسب ضخمة للمستثمرين الأفراد في هذا الجزء من الاقتصاد.
وتقدر دراسة أجراها الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس أن متوسط حجم الاقتصاد غير الرسمي في البلدان المتقدمة يبلغ 13% من الناتج المحلي الإجمالي، فيما يبلغ الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة هذا العام حوالي 22 تريليون دولار، وهو ما يعني أن 13% من هذا المبلغ هي 2.86 تريليون دولار. ولو قُدر أن نصف هذا الدخل يعود للنساء فإن حصة الرجال تساوى تريليون دولار من محافظهم المالية، وتكمن المشكلة الاجتماعية الجديدة أن الفنيين باتوا لا يرغبون في العمل، أو تعلم المهارات في ظل هذا الكم من الأموال.
(5) إعفاء أفراد الأسرة
أفاد مركز بيو للأبحاث العام الماضي أن الوباء دفع ملايين الأميركيين، وخاصة الشباب، إلى الانتقال للبقاء مع أفراد الأسرة، حيث أصبحت نسبة الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً الذين يعيشون مع الآباء أغلبية منذ أن بدأت حالات الإصابة بفيروس كورونا في الولايات المتحدة بالانتشار.
في يوليو، كان 52% من الشباب يقيمون مع أحد والديهم أو كليهما، ارتفاعاً من 47% في فبراير 2020، وهو ما يعني مشاركة هؤلاء الشباب لأسرهم في المأكل والملبس دون الحاجة إلى العمل.
(6) العمل غير المشروع
الجبهة والوسط هنا هو بيع المخدرات غير المشروعة، وللأسف، يبدو أن هذا النوع من الأنشطة مزدهر. فوفقاً لصحيفة واشنطن بوست، بلغ عدد الوفيات بسبب الجرعات الزائدة من المواد المخدرة 93000 في العام الماضي، بزيادة كبيرة قدرها 30% عن عام 2019. ونُسبت معظم الجرعات الزائدة إلى المواد الأفيونية؛ الهيروين والمواد الأفيونية الاصطناعية مثل OxyContin وعلى وجه الخصوص فينتانيل.
ورغم صعوبة حصر أعداد العاملين بهذه الأنشطة، يشير تقرير حكومي عن اعتقالات مرتبطة بتهريب المخدرات منذ خمس سنوات إلا أن غالبية مرتكبي جرائم الاتجار بالمخدرات كانوا من الذكور (84.9%)، ومتوسط عمر كان هؤلاء المخالفين عند إصدار الأحكام 36 عاماً، وكان 70% منهم من مواطني الولايات المتحدة، وما يقرب من نصف تجار المخدرات (49.4%) لديهم تاريخ إجرامي قليل أو ليس لديهم تاريخ إجرامي سابق.
فيما يقدر حجم هذه السوق سنوياً بنحو 100 مليار دولار، وبالتأكيد تحتاج إلى الآلاف للعمل بها.
كما تحتجز سجون الولايات المتحدة حوالي 25% من إجمالي السجناء في العالم، وفقاً لاتحاد الحريات المدنية. وأن تكون في السجن طريقة أخرى للعيش في أميركا دون عمل!
(7) العيش من الأرض
رصد المقال أن هذا يشمل البستنة، وصيد الأسماك، والصيد البري، والتبييض، والبحث العام، حيث زادت مبيعات تراخيص الصيد بنسبة 10% في كاليفورنيا خلال الوباء، مما عكس سنوات من التراجع.
وبالنسبة لزراعة الخضروات في حدائق المنزل، حتى قبل الوباء، كانت هناك تقديرات بأن ثلث العائلات الأميركية تزرع الخضار.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة Burpee Seed Company، جورج بول، وهي شركة بذور في ولاية بنسلفانيا: لقد غمرتنا طلبات الخضار بأعداد كبيرة.
وأضاف بول أنه لاحظ ارتفاعات في مبيعات البذور في الأوقات العصيبة: مثل انهيار سوق الأسهم عام 1987، وانفجار فقاعة الإنترنت في عام 2000، وأزمتين نفطيتين في السبعينيات منذ طفولته. لكنه يقول إنه لم ير طفرة بهذه الضخامة والسعة.