في ذروة وباء كورونا، تغنى الجميع باجراءات دعم العمالة التي أقرتها منطقة اليورو، لأنها نجحت في احتواء آثار الوباء على العمالة أكثر من الولايات المتحدة والاقتصاديات الأخرى، لكن يبدو أن ذلك سيكون مكسب على المدى القريب فقط.
ومع تسبب الوباء في تسريح ملايين العمال نتيجة لتوقف النشاط الاقتصادي وإغلاق المصانع والشركات، أعطت أوروبا الأولوية لحماية الوظائف خلال الأزمة الحالية من خلال خطط العمل الجزئي والتي تعني أن تدفع الحكومات جزءًا من رواتب الموظفين تتراوح من 60% إلى 85% مقابل عدم تسريح العمالة وتقليل وقت عملهم ضمن الإجراءات الاحترازية لمكافحة فيروس كورونا.
وبالمقارنة، اتخذت الولايات المتحدة نهجاً مختلفاً بالتركيز على تقديم إعانات البطالة وزيادتها بنحو 600 دولار أسبوعياً فضلاً عن إرسال شيكات مباشرة إلى الأفراد لتخفيف تداعيات الأزمة، لذا أظهرت أسواق العمل في الولايات المتحدة وأوروبا أداء مختلفًا بشكل لافت للنظر خلال فترة كورونا.
وخلال الفترة الثلاثة أشهر الأولى في ذروة الوباء من فبراير حتى أبريل، ارتفع معدل البطالة في منطقة اليورو فقط 10 نقاط أساس إلى 7.3%، في حين قفزت البطائة في الولايات المتحدة 1120 نقطة أساس إلى 14.7%، كما يوضح الرسم البياني التالي في تحليل لشركة بيمكو.
وعلى الرغم من الصدمة غير المسبوقة للاقتصاد وانكماشهه في منطقة اليورو اليورو بأكثر من 12% خلال الربع الثاني من العام الجاري، لم يرتفع معدل البطالة إلا قليلاً في فترة الوباء.
لكن يبدو أن معدلات البطالة في منطقة اليورو منخفضة حاليًا بشكل مصطنع مع ارتفاعات طفيفة لبعض الوقت، ومع انتهاء خطط العمل الجزئي (من المقرر أن تنتهي معظم هذه الخطط في منطقة اليورو بين نهاية الربع الثالث 2020 والربع الأول من عام 2021 ) من المتوقع أن يبحث المزيد من الناس عن عمل وتحدث التغييرات الهيكلية في سوق العمل الأوروبي.
ويرى نقولا ماي وتيفاني ويلدينج في تحليل عبر بيمكو أن نسبة النجاح المنسوبة لأوروبا في السيطرة على معدل البطالة في بداية الأزمة قد تنعكس قبل نهاية العام ويتجه هذا النجاح إلى الولايات المتحدة رغم أن الاعتراف بأن المخاطر الاقتصادية قد تكون أشد في أكبر اقتصاد حول العالم.
كما حذر البنك المركزي الأوروبي من أن منطقة اليورو من المرجح أن تعاني من زيادة حادة في البطالة هذا الخريف حتى مع التعافي الاقتصادي من جائحة فيروس كورونا حيث أعرب كبار صانعي السياسة في البنك المركزي عن مخاوفهم من أن سوق العمل متخلفًا عن بقية الاقتصاد.
وفي بوادر بداية أزمة البطالة، تم تضييق الفجوة في معدل البطالة بين أوروبا والولايات المتحدة منذ ذروة الوباء، حيث انخفض معدل البطالة في الولايات المتحدة إلى 8.4% خلال الشهر الماضي، في حين ارتفع معدل البطالة في منطقة اليورو إلى بشكل طفيف إلى 7.9% بالمائة في يوليو الماضي (أحدث البيانات المتاحة).
*أداء معدل البطالة في منطقة اليورو بحسب يوروستيت*
كما أن داخل الولايات المتحدة، يتوقع العديد من العمال العاطلين عن العمل حاليًا العودة إلى صاحب العمل السابق، وتشير الأبحاث الحديثة إلى أن العمال يتوقعون بشدة إعادة التوظيف.
هذا يشير إلى أنه على الرغم من أن البطالة الرسمية الأمريكية ارتفعت أكثر من الاتحاد الأوروبي، إلا أنها قد تنخفض أيضًا بسرعة أكبر، مع مرور المرحلة الحادة من الأزمة وهو ما بدأ في يظهر على أرض الواقع.
في حين أن خطط دعم العمل الجزئي هي أداة فعالة لتخفيف البطالة للأغراض الدورية، فإن الأداة ستكون أقل فعالية في القطاعات التي تمر بتغيير هيكلي، مما يشكل خطرًا على البطالة في مرحلة التعافي.
علاوة على ذلك، تعد خطط العمل الجزئي الأوروبية باهظة الثمن وتخطط العديد من الدول للحد من الدعم على مدار العام، مما يجعل من الصعب نجاحها على المدى الطويل.
ويوضح محللون في بنك أي إن جي الاستثماري: في ظاهر الأمر، تبدو البطالة في منطقة اليورو تقريبًا وكأنها قصة سندريلا، مع وجود بالكاد زيادة في معدل البطالة، فإنها تمثل حاليًا مكانة جيدة لسوق العمل العالمي، على الأقل مقارنة بالعديد من الاقتصادات المتقدمة الأخرى، لكن عندما تدق الساعة منتصف الليل، وتنتهي مخططات العمل الجزئي، فمن غير المرجح أن تستمر الحكاية الخيالية.
وتوقع المحللون موجة ثانية من فقدان الوظائف في أوروبا بحلول نهاية العام وتستمر في عام 2021 على الرغم من أن ذروة البطالة يجب أن تظل دون المستويات المرتفعة التي شوهدت في أعقاب الأزمة المالية، مشيرين إلى أنه بدون إجراءات دعم العمالة الأوروبية من المفترض أن يصل معدل البطالة إلى 11%.
وفي المملكة المتحدة أحد الدول التي وافقت على دفع 80% من رواتب الموظفين لتجنب تسريحهم، ذكر مسح صادر عن معهد تشارترد للأفراد والتنمية وشركة التوظيف أديكو تخطط واحدة من كل ثلاث شركات بريطانية لإجراء تخفيضات في الوظائف هذا العام.
وأضاف المسح أنه في الوقت الذي تزداد فيه ثقة التوظيف مؤقتًا، قد لا يكون هذا كافيًا لتعويض الزيادة في تسريح العمال وعدد الخريجين الجدد وخريجي المدارس الذين يدخلون سوق العمل خلال الأشهر القليلة المقبلة، مشيراً : نتيجة لذلك، يبدو أن هذا سيكون خريفًا حزينًا للوظائف.
عامل آخر يساهم في معدل البطالة المنخفض بشكل مصطنع، وهو انخفاض الأشخاص الذين يبحثون عن عمل، لأن الذين لم يبحثوا بنشاط عن وظائف لا يعتبرون رسميًا عاطلين عن العمل، هذا هو الحال بشكل خاص في إيطاليا وإسبانيا، حيث ترافقت الزيادة في عدد العاطلين عن العمل مع انخفاض غير عادي في السكان النشطين الذي يبحثون عن عمل، وإذا تم إضافة هؤلاء في إيطاليا وإسبانيا والبرتغال إلى عدد العاطلين عن العمل من شأنه أن يرفع معدل البطالة في منطقة اليورو بنحو 1.5%.
لكن شهدت بلدان منطقة اليورو الأخرى تأثيرًا معاكسًا، وعلى هذا النحو، فإن الانخفاض العام في عدد السكان النشطين في منطقة اليورو كان له تأثير ضئيل على معدل البطالة، ومع ذلك ، فإنه يُضاف إلى مخاطر البطالة التي تتجه نحو الأعلى في الأشهر القادمة على الرغم من أن التأثير من المرجح أن يتلاشى مع إعادة فتح الاقتصادات، لذلك لا يزال هناك الكثير من مخاطر الهبوط على آفاق سوق العمل.
كل هذا يعني أن نهاية هذا العام قد تمثل بداية موجة ثانية من التطورات السلبية في سوق العمل الأوروبي التي قد تؤدي إلى إبطاء انتعاش اقتصاد منطقة اليورو وتكون سبب آخر لبقاء البنك المركزي الأوروبي في لعبة التيسير الكمي لدعم التعافي.