أكثر ما يميز الاسواق العالمية حاليا أنها تتحرك على رمال متحركة غائرة لا على أرض خصبة مستقرة ، و ربما تشكل مشاهد الاسابيع النهائية من عام 2018 ذروة جديدة لقضايا سلبية مفتوحة يتسلمها العام القادم بمنتهى الاضطراب ، و لنا أن نرصد أحدث التفاعلات كما يلى :-
اولا ... 30 نوفمبر 2018
تعقد فى الارجنتين قمة مجموعة العشرين على مستوى قادة الدول و التى يحضرها أكبر 20 أقتصاد يمثلون نحو 90 % من الناتج المحلى الاجمالى العالمى ، و نحو 80 % من التجارة العالمية و 66 % من سكان العالم ...
ينتظر من هذا التجمع المؤثر أن يخرج الرئيسان الامريكى و الصينى بأتفاق حقيقى يخفف من حدة ازمة الرسوم الجمركية بين البلدين ، إلا أن اغلب الشواهد تؤكد استعداد ترامب لفرض المزيد من الرسوم على السلع الصينية و رفض الصين التنازل الفعلى عن خطتها الطموحة صنع فى الصين 2025 و التى تبلغ قيمتها نحو 300 مليار $ تدعم كل الصناعات الوطنية الحديثة فى البلاد خاصة التكنولوجية منها .
خففت الصين عبر وسائل اعلامها فى الفترة الماضية الحديث المفصل عن برنامج صنع فى الصين 2025 و ابراز العناوين الايجابية الكبرى فقط لهذا التوجه الاقتصادى ، و ذلك لتلافى الصدام مع شركائها التجاريين فى اوروبا و الولايات المتحدة الذين يشعرون بمخاطر المنافسة و البقاء فى الاسواق العالمية حال اكملت الصين برنامجها الهائل الذى يغرق العالم بطوفان من الصادرات الصينية زهيدة السعر و متوسطة الجودة خاصة فى الاسواق الناشئة فى الدول كثيفة الاستهلاك و فى الاسواق المتقدمة خاصة بين الشرائح الضخمة لمستهلكى الطبقات الوسطى ...
التنازل عن برنامج صنع فى الصين 2025 مطلب اساسى لتخفيف حدة الحرب التجارية التى يقودها ترامب ، لكن يبدو ان الصين ماضية فى طريقها حتى لو فرضت على كل صادراتها الى اوروبا و امريكا رسوما مضاعفة قد لا تستطيع الرد عليها بالمثل ، و أنما عبر وسائل اخرى اكثر فاعلية مثل تقليص انشطة الشركات الاجنبية على اراضيها تدريجيا من خلال قوانين متدرجة تخدم توجه 2025 و كذلك الخفض المخيف لعملتها الوطنية اليوان امام الدولار الامريكى فوق مستوى 7 يوان للدولار الواحد ، و هو ما يخدم ايضا نمو تدفق صادراتها للعالم
ثانيا ... 6 ديسمبر 2018
أجتماع منظمة اوبك لمناقشة خفض مستويات إنتاج النفط لأستعادة توازن الاسعار التى فقدت ما يقرب من 31.8 % من أعلى قمة تحققت لخام برنت فى الثالث من اكتوبر الماضى عند 86.29 $ للبرميل ، و هو ما يمثل تقريبا نصف المسافة فى سيناريو الهبوط المتسارع للنفط الحاصل فى عام 2014 ، مما يعزز تكرار مشهد القاع العشرينى لأسعار النفط كما حدث فى مطلع عام 2016
معطيات جديدة بثوب قديم تناقشها اوبك لخفض الانتاج ابرزها اثر الجولة الثانية للعقوبات الامريكية على ايران بغية تصفير صادراتها النفطية بحلول النصف الثانى من 2019 و كذلك النمو القياسى للمخزونات الامريكية تزامنا مع منافسة حامية لرفع انتاج النفط بين كلا من المملكة العربية السعودية و روسيا
الانتاج السعودى سجل فى بداية عام 2018 نحو 9.95 مليون برميل و وصل فى نوفمبر الجارى الى حدود 11 مليون برميل يوميا ... و كذلك الانتاج الروسى الذى ارتفع من 11.17 مليون برميل بداية العام الجارى ليفوق 11.6 مليون برميل يوميا حاليا
تلك الرفعات الانتاجية بمستهدافاتها السياسية اكثر من الاقتصادية تعزز من الشك الكبير فى قدرة اتفاق اوبك و روسيا على الالتزام بتحقيق خفض انتاج النفط المطلوب و الذى يقدر بنحو 1.4 مليون برميل يوميا فى 2019 ، و هو ما يفتح الطريق للمزيد من الاسعار المتدنية للنفط التى تحمى ظهر ترامب داخليا بتوفير مليارات النفقات للمواطنين الامريكيين و تخلق حالة ايجابية للصين قد تدفعها للتجاوب المؤقت مع الطلبات الامريكية بشأن الازمة التجارية الراهنة .
ثالثا ... 11 ديسمبر 2018
تصويت البرلمان البريطانى على مسودة اتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبى ، حيث تتطلع رئيسة الوزراء تريزا ماى الى موافقة 320 عضو من اجمالى 639 عضو لتمرير الاتفاق الذى تبدأ اجراءاته الفعلية فى اخر مارس 2019 ...
إلا أن اجواء المعركة البرلمانية المنتظرة تشى بالكثير من الصعوبات التى تنسف الاتفاق و تعيد التشابك المعقد لخيوط بريكست مجددا ، فيوما بعد يوم تزداد معارضة الاتفاق داخل البرلمان و خارجة من حلفاء ماى ... احدثهم وزير الدفاع البريطانى السابق مايكل فالون المقرب من ماى الذى رجح امس ضرورة وجود اتفاق جديد للخروج ، و زاد عليه الرئيس الامريكى دونالد ترامب بأن الاتفاق الحالى لا يخدم ابدا المصلحة الامريكية ...
التوجه الداخلى البريطانى يسعى بالأساس لأقصاء تريزا ماى عن المشهد السياسى كردة فعل على ادائها المرتبك فى ملف بريكست و لتحقيق مكاسب افضل فى مواجهة الاتحاد الاوروبى الذى طالما انتقده ترامب و يسعى لتوسيع حربه التجارية القادمة على رقعته التى تتزعمها المانيا ميركل
اخيرا ... تنظر الاسواق العالمية بعيون القلق البالغ إلى امتداد نتائج تلك التواريخ الثلاثة و ما تسفر عنها من أثار سلبية محتملة تقودها الى قاع يتسع الجميع بعد قفزات تاريخية تحققت فى عام 2018 رغم ارتفاع درجة حرارة المخاطر الحالية ...