يُحذر البعض من الاستثمار في البيتكوين بسبب المخاطر الشديدة الناجمة عن الطبيعة المتقلبة واللامركزية، ورغم ذلك تشهد العملات المشفرة قفزات قياسية، وبالمثل أيضاً يعتبر الاستثمار في شركات ليس لها خطة عمل أو نشاط محدد أمراً محفوفاً بالمخاطر، لكن رغم ذلك شهدت الفترة الأخيرة تدافعاً من قبل المستثمرين على شركات الاستحواذ لأغراض خاصة أو كما تُعرف بـشركات الشيكات الفارغة ( a blank-check firm ) ، وسط تحذيرات بأنها فقاعة مصيرها الانفجار.

 

ما هي شركات الاستحواذ لأغراض خاصة؟

تُعرف شركات الاستحواذ لأغراض خاصة أو (SPAC) بأنها مؤسسات يتم إنشاءها من قبل مستثمرين مؤسسين أو رؤساء تنفيذيين بارزين تعمل على جمع الأموال من المستثمرين من خلال الاكتتاب العام بهدف الاندماج أو الاستحواذ على شركة خاصة وتحويلها إلى أخرى عامة، ولا يوجد لدى هذه الشركات عمليات تجارية، فهي لا تنتج أي منتجات ولا تبيع أي شيء

 

وفي الواقع لا تملك مثل هذه المؤسسات أي أصول سوى الأموال التي يتم جمعها في الاكتتاب العام الأولي الخاص بها، لذلك يطلق عليها شركات الشيكات الفارغة، فهى بمثابة كتابة المستثمر لـشيك على بياض لأنه يعطي مؤسس هذه الشركة أموالاً بدون شروط، كما أنه لا يعلم كيف سيتم استثمار أمواله.

 

وبمجرد أن تجمع شركات الشيكات الفارغة رأس المال من خلال الاكتتاب العام بسعر 10 دولارات للسهم في الغالب، تذهب هذه الأموال إلى حساب ائتماني بفائدة حتى يجد مؤسسو (SPAC) شركة خاصة تتطلع إلى للاكتتاب العام من خلال عملية استحواذ، وعادةً ما يكون أمامهم عامين، وبخلاف ذلك، يتم تصفية هذه الشركات، ويستعيد المستثمرون أموالهم بفائدة.

 

لكن بمجرد اكتمال عملية الاستحواذ، التي تتم بتصويت مساهمي (SPAC) للموافقة على الصفقة، قد يشهد السعر ارتفاعاً كبيراً وهو ما يدفع عدداً من المستثمرين للمساهمة في هذه الشركات، ووفقاً لبيانات موقع سباك انسادير spacinsider، يبلغ متوسط العائد على الاستثمار للشركات التي لم تعلن عن صفقة استحواذ 6.5% بينما يبلغ هذا العائد 47.2% للشركات التي أعلنت عن صفقة استحواذ.

 

لماذا اشتهرت فجأة؟

شركات الاستحواذ لأغراض خاصة ليست أداة استثمارية جديدة بل ترجع نشأتها لحوالي 3 عقود، لكنها أصبحت مؤخرًا أكثر انتشارًا خاصة في الولايات المتحدة بسبب التقلبات الشديدة في الأسواق والناجمة عن الوباء العالمي، مما أثر سلباً على العائدات المتاحة للمستثمرين، هذا الواقع جعل شركات الشيكات الفارغة خيارا آمناً نسبياً، خاصة وأنه يمكن للمستثمر استرجاع قيمة استثماره، وكذلك قدرة المستثمرين المؤسسيين الذين لديهم سجلات حافلة بالنجاح على إقناع الناس بسهولة أكبر بالاستثمار في المجهول.

 

واختارت العديد من الشركات تأجيل الاكتتابات العامة خوفًا من أن تؤدي تقلبات الأسواق خلال فترة الوباء إلى إفساد الظهور العام لأسهمها، لكن آخرين اختاروا الطريق البديل للاكتتاب العام من خلال الاندماج مع شركات الاستحواذ لأغراض خاصة، مثل شركات نيكولا و فيرجن جلاتيك ودرافت كينجز، وهذا يسهل عملية الطرح العام في غضون بضعة أشهر فقط، ويبعدها عن عملية مرهقة بسبب التدقيق والمراجعة الشديدة لتسجيل الاكتتاب العام بالطريقة الطبيعية مع هيئة الأوراق المالية والبورصات، والتي قد تستغرق ما يصل إلى شهور طويلة

 

يعتقد محللون في وول ستريت أن 2020 كان عامًا محمومًا لشركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة، لكن ما حدث في أقل من 3 أشهر على بداية العام الجديد يؤكد أننا أمام طفرة هائلة لهذه الشركات في 2021 وفقاعة قد تمثل خطرا محتملا على الاسواق ، حيث جمعت شركات الشيكات الفارغة 79.4 مليار دولار منذ بداية 2021، متجاوزة إجمالي ما تم جمعه على مدار العام الماضي عند 79.3 مليار دولار، كما تم تأسيس 264 شركة استحواذ ذات أغراض خاصة منذ بداية العام الجاري، ليتجاوز المستوى القياسي المسجل في 2020 عند 256 شركة، والذي كان أضعاف الأعوام السابقة، بحسب بيانات ريفينتف.

فقاعة محتملة؟

رغم مزايا شركات الاستحواذ لأغراض خاصة في تسريع وتسهيل عمليات الاكتتاب العام، والعائد المرتفع وبعض الأمان نتيجة إمكانية استرداد الأموال مرة أخرى، فإنها تواجه مخاطر شديدة، أولاً، أنها لا تمتلك خطة عمل واضحة، فالمستثمر يعتمد فقط على ثقته في سمعة مؤسسي هذه الشركات، ثانياً، أن (SPAC) في الغالب مُجبرة على إيجاد استحواذ عملي في غضون عامين، وإلا أنها سوف ترد الأموال للمستثمرين، وبالتالي قد تضطر إلى عمليات استحواذ غير جيدة.

 

وهنا يظهر خطر أن ما يأتي بسهولة يذهب بسهولة، فعلى سبيل المثال، ارتفعت أسهم شركة الاستحواذ لأغراض خاصة تشرشل كابيتال بأكثر من 500% في الشهر الماضي، تحسباً للاندماج مع شركة السيارات الكهربائية الناشئة لوسد موتورز، لكنها تراجعت عند إعلان الصفقة حيث أصبح المستثمرون أكثر تشككاً في احتمالات صنع سيارة في وقت قصير.

 

كما أن شركة نيكولا للسيارات الكهربائية والتي اندمجت مع إحدى شركات الشيكات الفارغة تعرضت لتحقيقات من جانب المنظمين الأمريكيين بسبب اتهامات بالاحتيال بعد ثلاثة أشهر من طرحها للاكتتاب العام في يونيو الماضي، مما أدى إلى استقالة مؤسسها ومجموعة من الدعاوى القضائية من قبل المساهمين، وساهم ذلك في انخفاض سعر سهم نيكولا إلى حوالي 15 دولاراً حالياً من ذروته البالغة 93 دولاراً في يونيو المنصرم.

(أداء سهم نيكولا خلال عام واحد)

 

وفي حمى هذا السباق , أعلنت مؤخرا  منصة إيتورو خططها لتحول الى مساهمة عامة من خلال دمج أعمالها مع إحدى شركات الشيكات الفارغة وهى فانتيك FinTech Acquisition والتي ترأسها بيتسي كوهين في صفقة بقيمة 10.4 مليار دولار، مدعومة من قبل سوفت بنك، وإذا نظرنا إلى قيمة الصفقة مقارنة مع إجمالي الإيرادات السنوية التي حققتها إيتورو في العام الماضي والتي بلغت 605 ملايين دولار، سنرى حجم التضخيم في قيمة الصفقة رغم كل ما تتمتع به الشركة من سمعة عالمية , علاوة على تضاعف متوقع عند بدأ تداول السهم في البورصة  مثلما يحدث مع الشركات التي تلجأ للطرح العام عبر SPAC؟!!

 

ومع الهوس الذي طفا على السطح مؤخراً بهذه الكيانات الجديدة، تشير البيانات إلى أن متوسط معدل العائد السنوي لاكتتابات شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة بلغ منذ بداية عام 2020 وحتى أكتوبر الماضي وصل إلى 35%، وهو ما يتجاوز عائد ستاندرد آند بورز الذي بلغ 9% فقط خلال نفس الفترة.

 

أخيراً , مع تسارع هذا الاتجاه في العام الجاري في ظل استمرار حجم السيولة الضخمة في الأسواق بما تنفقه الحكومات لمواجهة الوباء والجنون المالي الذي يجتاح عالمنا اليوم ، يرى البعض أن شركات الشيكات الفارغة بمثابة فقاعة تنتظر الانفجار، خاصة وأنه مع الطفرة الهائلة لهذه الشركات ، فإنها قد لا تجد شركات خاصة كثيرة تستحوذ عليها مستقبلاً، وبالتالي تضطر إلى إرجاع الأموال للمستثمرين وتحمل تكلفة فشل المشاريع أو عدم جدواه المالية , الأمر الذي الذي قد يطيح بسمعة هذه الشركات