دائما ما يثبت التاريخ أن الأزمات يمكن أن تعمل على تسريع تبني التقنيات الجديدة، نقلت الأزمة المالية لعام 2008 جزءاً ملحوظاً من عملاء المؤسسات المالية التقليدية إلى قطاع التكنولوجيا المالية وحثت البنوك على الاستثمار بكثافة في تقنياتها واستراتيجياتها الرقمية
وتعد أزمة فيروس كورونا الحالية أكبر فرصة حتى الآن لشركات التكنولوجيا المالية لكسر العادات وتلبية احتياجات المستهلكين أكثر من أي وقت مضى والاهتمام بأمورهم المالية عن بُعد بدلاً من القيام بزيارات شخصية إلى المتاجر الفعلية.
في البداية، لابد من فهم ما يعنيه مصطلع التكنولوجيا المالية، fintech أو التكنولوجيا المالية هو مصطلح كان لا يسمع عنه سوى قليلين منذ أكثر من عقد من الزمان نظراً لدرجة تخصصه الشديدة، والتي تخاطب المستثمرين المهتمين بهذه التكنولوجيا، لكن المصطلح الذي تُعرف به تكنولوجيا القطاع المالي التي اُستحدثت في القرن الـ21، فهو التعريف الذي أُطلق على التكنولوجيا المطبقة على المؤسسات المالية والاستهلاكية والتجارية القائمة.
ومع انتهاء العقد الأول من القرن الـ21 توسع استخدام مصطلح التكنولوجيا المالية ليشمل أي ابتكارات مالية جديدة في القطاع المالي، بما في ذلك من ابتكارات محو الأمية المالية والخدمات المصرفية للأفراد والاستثمار المالي وتحويل الأموال والقروض وجمع التبرعات وإدارة الأصول، كما يمكن تطبيقه على أي ابتكار فيما يتعلق بكيفية تعامل الأفراد مع الأعمال، مثل اختراع أموال جديدة كعملة البيتكوين، وتعد البنوك وعملاؤها الماليون والمستهلكون والمشروعات الصغيرة أبرز مستخدمي التكنولوجية المالية المستحدثة.
أثبتت جائحة كورونا أنها الدفعة اللازمة لشركات التكنولوجيا المالية لاكتساب قوة جذب مع المستهلكين الذين ترددوا في نقل مواردهم المالية عبر الإنترنت، ومن خلال إجراءات التباعد الاجتماعي التي تستمر لفترة طويلة وعمليات الإغلاق في جميع أنحاء العالم، يحصل العالم على دورة تدريبية مكثفة حول سبب ضرورة الاعتماد السريع للتكنولوجيا المالية
وفقًا لتحليل البيانات من آب آني، شهدت اليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة والصين أكبر زيادة في الوقت المنقضي على تطبيقات التكنولوجيا المالية خلال الأسبوع الأول من مارس 2020، مقارنةً بالأسبوع الأخير من عام 2019 بنسبة 55% و35% و20% و20%على التوالي
وشهدت الدول في جميع أنحاء العالم ارتفاعًا حادًا في تبني التكنولوجيا المالية، كان لدى أمريكا اللاتينية بالفعل معدل اعتماد مرتفع للتكنولوجيا المالية قبل ظهور فيروس كورونا، ومع ذلك، فقد أدى الانتشار السريع للوباء إلى زيادة تبنيها.
كما شهدت تطبيقات فينتش في أوروبا ارتفاعًا بنسبة 72% في الاستخدام في مارس، وتكافح دول جنوب شرق آسيا مثل إندونيسيا والفلبين مع الوباء، لكن شركات التكنولوجيا المالية التي تقدم خدمات مالية عن بُعد تستمر في الازدهار.
ومن الواضح أن تبني التكنولوجيا المالية ظاهرة عالمية، حيث نشرت ماستركارد بيانات في يوليو/تموز الماضي تفيد بأن 51 بالمائة من الأمريكيين يستخدمون الآن شكلاً من أشكال الدفع اللاتلامسي، بما في ذلك بطاقات الائتمان ومحافظ الهاتف المحمول مثل آبل باي.
وارتفع تمويل شركات التكنولوجيا المالية خلال الربع الثاني من عام 2020 إلى 10.2 مليار دولار، بزيادة 11% عن الربع الأول من العام نفسه و 1% مقارنة بنفس الفترة بالعام السابق كما يوضح الرسم البياني التالي.
ومع استمرار جائحة كوفيد-19 في خلق حالة من عدم اليقين، يتعرض العديد من شركات التكنولوجيا المالية لضغوط على عدد من الجبهات، ولكن، نظرًا لتحول الاقتصاد الأوسع من الاستجابة إلى التعافي، فقد يتم إنشاء فرص جديدة لشركات التكنولوجيا المالية، بعد أن أصبحت هذه الصناعة في وضع جيد بشكل خاص للازدهار في هذا الواقع الجديد
تمثل الأزمة الحالية تحديات لأصحاب الأعمال الذين شهدوا تضاؤل الإيرادات واضطروا إلى تسريح الموظفين، وقد يواجه قطاع التكنولوجيا المالية بعض هذه التحديات أيضًا، لا سيما على المدى القصير حيث قد يكون تمويل رأس المال الاستثماري أقل توفرًا ومن المرجح أن يكون المستهلكون أكثر تحفظًا فيما يتعلق بالإنفاق والاستثمار.
ومع ذلك، فقد ساعدت جائحة كورونا في تقديم الحالة الأكثر إقناعًا حتى الآن لسبب أهمية ابتكار التكنولوجيا المالية لوظيفة مجتمعنا، في مثل هذه الأوقات ، تتيح حلولا للشركات والمستهلكين للقيام بالعمل الأساسي المتمثل في التباعد المادي دون فقدان الوصول إلى الأنظمة المالية التي يعتمدون عليها , لذا من المتوقع تزايد الطلب من المؤسسات التقليدية التي تبحث عن شركاء في التكنولوجيا المالية لبناء أو تعزيز أنظمتها القديمة في الأشهر القادمة التي تستفيد من الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا العميقة لتنفيذ صفقات أكثر ذكاءً وتخفيف المخاطر بشكل أفضل
حتى قبل التنفيذ الواسع النطاق للعزل الذاتي والتباعد الاجتماعي لوقف انتشار هذا الوباء، كان المستهلكون الماليون الأصغر سنًا (خاصة جيل الألفية) متعطشين لحلول رقمية أكثر سهولة في الاستخدام ومقدمة للتكنولوجيا من مؤسساتهم المالية ومقدمي الخدمات.
وكثير من جيل الألفية الذين دخلوا مرحلة البلوغ في أعتاب الانهيار المالي لعام 2008 لا يثقون كثيرًا بالمؤسسات المالية التقليدية التي كان يُنظر إليها على أنها تشارك الكثير من اللوم في تعجيل الأزمة التي تلت ذلك، كما أن جيل الألفية مدفوع بالسبب، ويعبر عن اهتمامه باستثمار المنصات التي تتيح لهم رد الجميل، أو الاستثمار في الشركات التي تتوافق مع قواعدهم الأخلاقية , وربما كان هذا المنطلق احد اهم اسباب ظهور العملات الرقمية وانتشارها
والسؤال الرئيسي هو كيف يمكن لشركات التكنولوجيا المالية الاستفادة من أصولها ومهاراتها الفريدة لاغتنام الفرص الجديدة في المستقبل ، لذا قد يكون الوقت مناسبًا للتفكير بشكل كبير والتصرف بجرأة اكبر نحو التحول