لماذا يرغب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في شراء غرينلاند، أكبر جزيرة في العالم تتمتع بحكم ذاتي، والتي تقع تحت مظلة مملكة الدنمارك؟

 

حين انتشر خبر استعداد الرئيس الأمريكي ترامب لشراء جزيرة غرينلاند صدر نفي فوري من كوبنهاغن وحكومة غرينلاند، وصرح المتحدث باسم رئيس وزراء غرينلاند، كيم كيلسن، في بيان عبر البريد الإلكتروني: «بالطبع، غرينلاند ليست للبيع».

 

واستقبل سياسيون دنماركيون رغبة ترامب في شراء جزيرة غرينلاند بسخرية، واعتبروها «سخيفة جدًا». 

 

وحسبما ذكرت صحيفة البيان، قام جيان فولبيسيلي بإعداد تقرير نشرته مجلة «وايرد» الأمريكية، سلط الضوء على بعض الجوانب الجادة في العرض الذي أثار ضجة واسعة حول العالم.

 

كان توقيت القصة غريبًا بما يكفي لإثارة الشكوك بأن ترامب ربما يتصيَّد فقط، فقد طفت على السطح قبيل زيارته الرسمية للدنمارك في أوائل سبتمبر، بيد أن اهتمام ترامب بتأسيس وجود أمريكي أقوى في غرينلاند هو على الأرجح اهتمام حقيقي بدرجة كبيرة، بحسب التقرير.

 

صحيحٌ أن ذوبان الصفائح الجليدية في غرينلاند وعبر القطب الشمالي يمثل مأساة عالمية، لكنه يمثل أيضًا فرصة بالنسبة لصناع السياسات في واشنطن.

 

يوضح جيان أن المنطقة القطبية الشمالية الخالية من الجليد ستفتح طرقًا تجارية جديدة، وستجعل الموارد الطبيعية متاحة (تشير تقديرات الحكومة الأمريكية إلى أن القطب الشمالي يضم 22% من الغاز الطبيعي والنفط الموجود في العالم) وستدشن حقبة جديدة من المنافسة بين القوى العظمى، حسبما أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية في استراتيجية القطب الشمالي لعام 2019.

 

وتسببت موجات الحر التي ضربت عدة دول أوروبية، هذا الصيف، في إثارة قلق العلماء بشأن غرينلاند، على اعتبار أن الهواء الدافئ يتسبب في انصهار الجليد بمعدلات توصف بـالخطيرة.

 

وأجرى علماء وكالة ناسا تحقيقات فوق غرينلاند لمعرفة ما يجري هناك، في حين سجل الباحثون تغييرات ملحوظة في بنية الجزيرة.

 

ومع الانصهار الذي يمكن أن يحصل، يتوقع أن تصبح الكميات الهائلة من المعادن وموارد الطاقة، المتواجدة في غرينلاند، سهلة الوصول.

 

وتشمل موارد الطاقة في غرينلاند خام الحديد والرصاص والزنك والماس والذهب والنحاس واليورانيوم والنفط.

 

ووفق فوربس فإن السبب الذي سيجعل الدنمارك ترفض عملية البيع، يعود إلى رغبة سلطات البلاد في استغلال هذه الموارد مستقبلا، على اعتبار أن الدولة ما تزال تدعم غرينلاند اقتصاديا.

 

ويضيف التقرير: ينقض الجميع، بداية من روسيا، مرورًا بالصين، ووصولا إلى كندا، ودول الشمال، على القطب الشمالي لامتصاص النفط، والمشاركة في استعراض القوة، والولايات المتحدة لا تريد أن تفوتها المشاركة في هذا الحفل، وموطئ قدمها الوحيد في القطب الشمالي – ألاسكا – قد لا يكون كافيًا.

 

وتقول إليزابيث براو، زميلة مساعدة في المعهد الملكي للخدمات المتحدة: «من المنطقي أن تكون منطقة غرينلاند محل اهتمام ترامب؛ لأنها تقع بين القطب الشمالي الروسي والساحل الشرقي للولايات المتحدة. إنها في الأساس على الجانب الآخر من الكرة الأرضية (بالنسبة لألاسكا)».

 

ولدى الولايات المتحدة بالفعل وجود عسكري في غرينلاند، يتمثل في قاعدة ثول الجوية، وهي منشأة تابعة للقوات الجوية بنيت في عام 1943. (بعد ذلك بوقت قصير، في عام 1946 حاولت أيضًا إدارة ترومان شراء غرينلاند من الدنمارك مقابل 100 مليون دولار، لكن الدنمارك رفضت).

 

ترامب يطارد الصين

 

من وجهة نظر لاسى هينينن، الأستاذة الفخرية في جامعة هلسنكي، ربما يتلخص الدافع وراء ولع ترامب بشراء الجزيرة في كلمة واحدة: الصين. فخلال السنوات القليلة الماضية كان الكيان الاقتصادي الصيني في الجزيرة مزدهرًا.

 

تضيف إليزابيث براو: «لقد استثمرت الشركات الصينية الكثير في العديد من شركات غرينلاند، خاصة في مجال التعدين؛ حتى أصبح للصين تواجد بارز جدًا الآن في الجزيرة».

 

في عام 2017 عرضت الدنمارك على شركة تعدين صينية شراء قاعدة بحرية مهجورة في غرينلاند، ويخشى أن تستخدمها بكين كنقطة انطلاق لتأسيس وجود عسكري، وربما يكون هذا العرض هو السبب في إثارة اهتمام الولايات المتحدة بغرينلاند.

 

«قد يكون شراء غرينلاند طريقة سهلة للتنافس مع الصين، ويجعل من الصعب للغاية على الشركات الصينية أن تنتعش وتنشط في غرينلاند»، بحسب إليزابيث براو.

 

كيف تسعى الولايات المتحدة إلى مواجهة خطة «طريق الحرير الجديد» الصينية؟

 

ويرى الكاتب أن إحدى الحقائق التي تجعل هذا السيناريو غير محتمل هي أن استخدام لفظ «شراء» محرج في هذا السياق.

 

بالتأكيد اشترت الولايات المتحدة لويزيانا من فرنسا مقابل 15 مليون دولار، وفي عام 1803 اشترت ألاسكا من روسيا مقابل 7.2 ملايين دولار، وفي عام 1867، اشترت جزر العذراء، ودفعت للدنمارك 25 مليون دولار من الذهب في عام 1916.

 

لكن إمكانية شراء البلدان، والشعوب التي تعيش فيها، مثل حقول البطاطس، تبدو اليوم فكرة شريرة ومتبلدة الشعور، بحسب الكاتب.

 

يقول مارك جاكوبسن، وهو زميل أقدم في معهد القطب الشمالي: «يبدو أن فكرة دونالد ترامب المزعومة لشراء غرينلاند تعود جذورها إلى رؤية عالمية عفا عليها الزمن، حين تبادل أسياد المستعمرات قطع الأرض، بيد أن مبدأ تقرير المصير يمنح لشعب غرينلاند الحق في تقرير ما إذا كانوا سيصبحون جزءًا من الولايات المتحدة، بدلًا عن أن تقرر الحكومة الدنماركية ما إذا كانت ستقبل شيك ترامب أو ترفضه».

 

وأضاف جاكوبسن: «مثل هذا الاقتراح يجب أن يوجه إلى نوك، عاصمة غرينلاند، وليس إلى كوبنهاجن».

 

منذ عام 2009 تتمتع الجزيرة بالحكم الذاتي، وهي تسير ببطء، ولكن بثبات على طريق الاستقلال منذ ذلك الحين، ويسمح القانون بتحقيق الاستقلال الكامل عبر إجراء استفتاء، وما يمنع مواطني غرينلاند البالغ عددهم 56 ألف عن الاستقلال هو أن ميزانية بلادهم تعتمد بشدة على المساعدات الدنماركية.

 

في كل عام ترسل كوبنهاجن إلى إقليم القطب الشمالي مساعدات تقدر بحوالي 591 مليون دولار، بينما تخصص الولايات المتحدة مبلغًا يبلغ متوسطه 12 مليار دولار على شكل منح لكل ولاية من ولاياتها كل عام بحسب دورية «ذي أتلانتك».

 

وتغطية احتياجات غرينلاند المالية لن يكون مهمة صعبة بالنسبة لواشنطن، وسيكون رهان ترامب الأفضل هو محاولة دفع غرينلاند أولًا إلى الاستقلال، ثم ضمها إلى الولايات المتحدة، من خلال الوعد بخطة دعم سخية.

 

بالطبع ربما لن يحدث هذا أبدًا، خصوصًا بعد العجرفة التي صاحبت إعلان خطط ترامب المزعومة بخصوص الجزيرة، لكن يجدر التساؤل كيف كان سيُستَقبَل مقترح الاستحواذ إذا صدر من شخص مثل باراك أوباما، أو بيرني ساندرز، مرشح الرئاسة الديمقراطي، الذي لطالما تغنى بمدح الديمقراطية الاجتماعية في دول الشمال. يبدو أن ملحمة شراء الولايات المتحدة لجزيرة غرينلاند لم تنتهِ، بحسب تعبير الكاتب.