الحقيقة أننا مهدنا لهم الطريق لينقضوا بفائض السيولة النقدية على الاصول الاوروبية ... هكذا أقر الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بخطأ أوروبا الاستراتيجي فى مواجهة الصين قبل يومين على لقائه المرتقب مع رئيسها شى جين بينج الذى أفتتح زيارته لأوروبا بأنتصار قوى حيث ضم ايطاليا لمبادرة الحزام و الطريق الصينية لتعد الدولة رقم 14 فى الاتحاد الأوروبي التى تقع فى يد المشروع الصينى العنكبوتى الهائل الذى يلقى مقاومة غربية عنيفة من حرب تجارية امريكية ضده و تحالفات اوروبية يابانية تسعى لموازته و قلق كبير من حرس اوروبا القديم الذى ينفرط عقده مع نتائج المشروعات و الاتفاقيات الموقعة اخيرا بين الصين و ايطاليا بأكثر من 8 مليار $
تعلم أوروبا جيدا أن الزيارة الصينية ليست سحابة دبلوماسية عابرة من نوعية بحث العلاقات الثنائية و العمل و التعاون المشترك ، و الخلاصة الى مصافحات و ابتسامات تؤطرها الصور التذكارية ... بل هى زيارة جادة للغاية و ذكية زمانا و مكانا ، فالتنين لن يتحرك إلا لينجز و قد حدث ، فالمعطيات لا تزال تمطر الجميع بأزمات مزمنة الى حد ما من قيود تجارية متبادلة و تعثر ممل لملف بريكست و تجدد الخلافات بشأن ملفى إيران و كوريا الشمالية ، و كل تفصيلة مما سبق تحتفى ببصمات ثلاثة أطراف أساسية امريكا و الصين و اوروبا و هو ما يؤكد جدية الزيارة الصينية التى تزامنت مع قمة الاتحاد الاوروبى و فشل ترامب للمرة الثانية فى عقد لقاء قمة مع نظيرة الصينى الذى لم يذهب الى واشنطن او بقى فى بكين لأستقبال ترامب ، بل ذهب الى روما الراكدة اقتصاديا و صاحبة أكبر ثانى مديونية فى منطقة اليورو
على شرف مشهد حضور الصين فى ايطاليا جرت مياة كثيرة ، فقبل لقاء جين بينج ، رئيس الحكومة الايطالية كان الاخير فى بروكسل لحضور قمة الاتحاد الأوروبي التى وضعت على جدول أعمالها ملف استراتيجية مواجهة النفوذ الصينى كأهم ثانى ملف بعد بريكست ... و هناك عبر قادة اوروبا عن غضبهم من وقوع ايطاليا فى الفخ الصينى و دار سجال حاد افتتحته المستشارة الالمانية انجيلا ميركل موجهة حديثها لجيوزيبى كونتى رئيس وزراء ايطاليا قائلة ... الاتحاد الاوروبى كتلة قوية و لاعب دولى مؤثر ، فلماذا تعقدون اتفاقيات ثنائية مع الصين دون التنسيق معنا ، هل تريدون ان يكون الاتحاد فى المركز الثالث بعد امريكا و الصين ؟! ... هذا غير مقبول من دولة مثل ايطاليا مؤسسة للاتحاد ... الصين لن تعاملنا فى اسواقها بالمثل
حينها استلم ماكرون دفة الهجوم من ميركل و لكن كان اكثر واقعية حيث قال الصين تلعب على انقسامنا و نهجنا المبعثر و نحن اخطأنا فى حق المشروع الاوروبى منذ الازمة المالية العالمية فى 2008 التى لم تتعافى منها ايطاليا حتى الآن ، بل لم نحمى بالشكل الكافى القطاعات الإستراتيجية فى دولنا من الاختراق الصينى و لم نوفر للشركات الاوروبية فرصا مناسبة للمنافسة
أما جان كلو يونكر رئيس المفوضية الأوروبية فقد اشار الى عدم تكافؤ الفرص التجارية بين الاتحاد الاوروبى و الصين و عدم قدرة ايطاليا حاليا على سداد القروض الصينية الضحمة فى مجال البنى التحتية ، بالاضافة الى وضع المفوضية لخظة العشر نقاط التى تدعم الاتحاد الاوروبى فى مواجهة الطموح التجارى للصين فى اوروبا و التى من أبرزها الزام الشركات الاجنبية العاملة فى الاسواق الاوروبية بنقل متكافىء للتكنولوجيا و اعتماد ادوات دفاعية للتجارة مع الخارج و انشاء جهاز لمراقبة الاستثمارات الاجنبية التى تهدد الامن الأوروبي
هنا جاء دور جيوزيبى كونتى رئيس وزراء ايطاليا الشعبوى ليذكر الجميع بعلاقاتهم الخاصة مع الصين المستثمر الاول فى سندات الخزانة الامريكية ، و كذلك بأن المانيا هى الشريك التجارى الاول للصين ... و أن استثمارات الصين نفسها فى بريطانيا تقترب من حدود المائة مليار $ ... كما أن الاتفاقية بين بلاده ايطاليا و الصين نالت موافقة المفوضية الأوروبية قبل توقيعها ... بالاضافة لحاجة روما لاستثمارات بكين الهائلة فى هذا الظرف الاقتصادى الحرج
المثير هنا أن كل هذا جرى و الرئيس الصينى يستمتع قبل التوقيع على الاتفاق بحفاوة الاستقبال فى ايطاليا التى شهدت ايضا فى نفس الوقت محاضرة لستيف بانون مستشار ترامب السابق للشئون الإستراتيجية فى روما بعنوان خطر الصين على أوروبا !!! ... بالاضافة لانشغال الاعلام الغربى بتفنيد المكاسب الكبيرة التى تعود على الصين من اتفاقيتها مع إيطاليا التى لن تجنى سوى القليل منها و تجلب الكثير من المشاكل للاتحاد الأوروبي
اخيرا ... و بعد إنتصار الصين فى ايطاليا بضمها للحزام و الطريق ، ينطلق الرئيس الصيني شى جين بينج يوم الثلاثاء 26 مارس الجارى الى فرنسا حيث لقاء المنتقدين ماكرون و ميركل و يونكر للتحضير للقمة الاوروبية الصينية فى بروكسل 9 ابريل القادم ... ليفتح هذا المشهد الكبير شهية تساؤلات واسعة عن مدى احتمالات المزيد من الانقسام فى الاتحاد الاوروبى بسبب الصين ؟ ... و عن امكانية نشوب حرب تجارية اوروبية صينية إذا ما تعقدت الامور اكثر و لم يتحقق الوصول المتبادل للاسواق و الاستفادة المتوازنة بين الجانبين ؟! ... و عن موقف ترامب من الصين الذى لم يحسم حربه التجارية معها بعد ، و عن الموقف الامريكى ايضا من حليفته اوروبا التى قد تشهد وارداتها المزيد من الرسوم الامريكية مستقبلا ؟! ...
يبدو أن الجميع حاليا ينمو فى الظل الصين و ليس العكس