تمر أسواق الأسهم العالمية بمرحلة مليئة بالضغوط والتحديات، وتحتاج للمزيد من العوامل الإيجابية الداعمة لانتشالها من مخاوف ارتفاع أسعار الفائدة والركود الاقتصادي، فهل تستطيع أرباح البنوك، القيام بهذا الدور أم تزيد الوضع سوءًا، خاصة وأنها تقص شريط موسم الأرباح وتعطي العلامات الأولى للصورة الاقتصادية بالنسبة للقطاعات الأخرى.
وعلى الرغم من أن أسعار الفائدة المرتفعة قد أضرت سوق الأسهم الأمريكية في العام الفائت ، إلا أنها كانت نعمة بالنسبة إلى البنوك الأمريكية، التي حققت أرباحًا قوية خلال الربع الرابع من العام الماضي، بفضل زيادة صافي الدخل من الفوائد، حتى مع تخصيص البنوك مليارات الدولارات، تحسبًا لحالات التخلّف عن سداد القروض في ظل البيئة الاقتصادية الصعبة.
وشن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي حربًا على التضخم الذي بلغ أعلى مستوياته في عدة عقود، ورفع أسعار الفائدة 7 مرات خلال 2022، ليس هذا فحسب، بل تضمنت عمليات الزيادة 4 مرات متتالية بمقدار 75 نفطة أساس، لتتراوح بين 4.25% و4.50%.
ودفعت تحركات الفيدرالي الأسهم الأمريكية لتسجيل أسوأ أداء سنوي في 14 عامًا خلال العام الماضي، بقيادة أسهم التكنولوجيا الأكثر حساسية لارتفاع معدلات الفائدة والتضخم، لكن اتجاه المركزي الأمريكي لتقليص وتيرة رفع الفائدة، قد يخفف الضغوط على وول ستريت في 2023.
تحركات سوق الأسهم الأمريكية
أنهت الأسهم الأمريكية الأسبوع الماضي على ارتفاع، مع التفاؤل بشأن انطلاق موسم الأرباح، خاصة بعدما أعطت نتائج أعمال البنوك إشارات إيجابية بأن مخاوف الركود الاقتصادي لم تؤثر كثيرًا في الأداء المالي.
وحققت المؤشرات الثلاثة داو جونز وستاندرد آند بورز وناسداك مكاسب أسبوعية بنحو 2% و2.7% و4.8% على التوالي، لتواصل البداية الجيدة للعام الجديد؛ خاصة مع تراجع مخاوف التضخم، بعدما أظهرت بيانات رسمية أن تباطؤ مؤشر أسعار المستهلكين السنوي في الولايات المتحدة إلى 6.5% خلال الشهر الماضي، مقابل 7.1% في نوفمبر السابق له.
*تحركات مؤشر داو جونز خلال 12 شهرًا
وأظهرت أرباح البنوك أن المستهلك الأمريكي لا يزال صامدًا أمام التحديات الاقتصادية الصعبة، وهو ما تجلى في نمو القروض وزيادة الإنفاق الاستهلاكي من بطاقات الائتمان والخصم المباشر، على الرغم من التضخم وارتفاع أسعار الفائدة، لكن البنوك الأمريكية أيضًا حذرت من الركود المحتمل ما زال في الأفق.
وعلى سبيل المثال، أوضح بنك أوف أمريكا أن أرصدة ودائع المستهلكين تظهر سيولة قوية، حيث أنفق عملاء البنك من المستهلكين إجمالي 4.2 تريليون دولار في العام الماضي، بزيادة قدرها 10% على أساس سنوي.
كما أشار بنك جيه بي مورجان إلى أن إجمالي إنفاق بطاقات الائتمان والخصم للمستهلكين والشركات الصغيرة قد ارتفع نسبة 9% على أساس سنوي خلال الربع الرابع من 2022، هو ما أكده بنك ويلز فارجو أيضًا بأن الإنفاق الاستهلاكي وجودة الائتمان أقوى من مستويات ما قبل وباء كورونا.
هذا عن الأثر الاقتصادي الذي أوضحته أرباح البنوك، أما من حيث أداء الأسهم، فقد حققت ارتفاعًا قويًا مع إعلان الأداء المالي للبنوك الأمريكية الكبرى، بعدما تعرض القطاع لضربة قوية في العام الماضي جراء مخاوف الركود الاقتصادي، في حين كان سهم جولدمان ساكس الخاسر الوحيد.
ولمزيد من التوضيح، نستعرض في السطور التالية بصورة تفصيلية الأداء المالي للبنوك الأمريكية الكبرى وانعكاس ذلك على تحرك الأسهم.
جيه بي مورجان وسيتي جروب
رغم الضغوط الاقتصادية، حقق جيه بي مورجان، أكبر بنك أمريكي من حيث الأصول، أرباحًا وإيرادات بأكثر من توقعات المحللين خلال الربع الأخير من 2022، رغم أن البنك خصص في الربع نفسه 2.3 مليار دولار لخسائر الائتمان أو حالات التخلف عن سداد القروض.
وحقق البنك الأمريكي أرباحًا تتجاوز 11 مليار دولار (3.57 دولارًا للسهم) خلال الربع الرابع من 2022، بزيادة 6% مقارنة مع الربع نفسه من عام 2021، حينما سجل 10.39 مليار دولار (3.33 دولارًا للسهم).
كما ارتفعت إيرادات جيه بي مورجان بنسبة 17% على أساس سنوي، لتصل إلى 35.57 مليار دولار، مدفوعة بارتفاع صافي دخل الفوائد بنحو 48% إلى 20.3 مليار دولار، وهو ما يعبر عن الفارق بين الفائدة التي يدفعها البنك على الودائع وما يحصل عليه من القروض وغيرها من الأصول.
وتفاعل سهم جيه بي مورجان بشكل إيجابي مع نتائج الأعمال، حيث ارتفع بنسبة 2.5% في جلسة الجمعة الماضية (13 يناير) ليصل إلى 143.01 دولارًا للسهم وهو أعلى مستوى منذ أواخر فبراير عام 2022، ليرفع مكاسبه لأكثر من 6.5% منذ بداية 2023.
*أداء سهم جيه بي مورجان خلال 12 شهرًا
كما ارتفع سهم بنك سيتي جروب بنحو 1.7%، ليسجل 49.92 دولارًا، ليرفع مكاسبها لأكثر من 10% منذ بداية 2023، على الرغم من تراجع الأرباح بأكثر من 21% خلال الربع الأخير من 2022، لتصل إلى 2.5 مليار دولار.
لكن التراجع جاء مع تخصيص البنك الأمريكي 640 مليون دولار تحسبًا لخسائر القروض الائتمانية، مع تباطؤ النمو الاقتصادي.
بنك أوف أمريكا وويلز فارجو
كان صافي دخل الفوائد بفضل معدلات الفائدة المرتفعة ونمو القروض عاملًا أساسيًا في زيادة أرباح وإيرادات بنك أوف أمريكا في الربع الرابع من العام الجاري، حيث ارتفع بنسبة 29% على أساس سنوي، ليصل إلى 14.7 مليار دولار.
*صافي دخل الفوائد في بنك أوف أمريكا
ونتيجة لذلك، ارتفع صافي الأرباح المحققة إلى 7.1 مليار دولار أو 0.85 دولارًا للسهم في الأشهر الثلاثة المنتهية في ديسمبر 2022، لكن الزيادة جاءت 2% فقط على أساس سنوي، مع تراجع عائدات الاستثمار المصرفي بأكثر من 50%، لتصل إلى 1.1 مليار دولار.
كما شهدت الإيرادات زيادة قدرها 11% خلال الربع الأخير من 2022، لتصل إلى 24.5 مليار دولار، رغم أن البنك وضع مخصصات بقيمة 1.1 مليار دولار لخسائر الائتمان.
وارتفع سهم بنك أوف أمريكا بنسبة 2.2% خلال جلسة الجمعة الماضية، التي شهدت إعلان الأرباح الفصلية، ليصل إلى 35.23 دولارًا، لترتفع مكاسبه لأكثر من 6% منذ بداية العام.
وفي الجلسة نفسها، ارتفع سهم بنك ويلز فارجو بنحو 3.2%، ليصل إلى 44.22 دولارًا وهو أعلى مستوى في حوالي شهر ونصف، رغم تراجع صافي الدخل بنسبة إلى 2.86 مليار دولار، وهبوط الإيرادات بنحو 5.7% إلى 19.66 مليار دولار.
لكن لم يتأثر السهم سلبًا بنتائج الأعمال المخيبة للآمال، لأنها جاءت نتيجة لقرار البنك بالتخارج من سوق الرهن العقاري في الولايات المتحدة، وهو ما جعله يتحمل 2.8 مليار دولار من الخسائر التشغيلية بعد الضرائب المرتبطة بالتكاليف القانونية والتنظيمية.
مورجان ستانلي وجولدمان ساكس
تراجع صافي الأرباح لدى بنك مورجان ستانلي إلى 2.11 مليار دولار (1.26 دولارًا للسهم) خلال الربع الأخير من 2022، مقارنة مع 3.59 مليار دولار (2.01 دولارًا للسهم) في الربع نفسه من العام السابق له، كما هبطت الإيرادات الفصلية إلى 12.75 مليار دولار، مقابل 14.52 مليار دولار قبل عام واحد.
ورغم ذلك، فإن نتائج الأعمال الفصلية تجاوزت توقعات المحللين، ما دعم ارتفاع سهم مورجان ستانلي بنسبة 6%، ليصعد إلى أعلى مستوى في 11 شهرًا عند 97.08 دولارًا للسهم.
وعلى النقيض من ذلك، كان بنك جولدمان ساكس هو الأسوأ أداءً بين البنوك الكبرى، حيث تراجعت الأرباح بنحو 66%، لتصل إلى 1.33 مليار دولار (3.32 دولارًا للسهم) خلال الربع الأخير من العام الماضي. كما انخفضت إيرادات جولدمان ساكس إلى 10.6 مليار دولار خلال الربع الرابع من 2022، مقابل 12.6 مليار دولار في الفترة نفسها من العام السابق.
بشكل عام يمكن اعتبار ان البنوك الامريكية حققت اداء افضل من المتوقع في 2022 مدعومة بقرارات الفيدرالي بخصوص الفائدة , لكن تبقى مخاوف الركود الاقتصادي مخيمة على مشهد قطاع الأعمال عموما مما يضع البنوك امام تحديات مؤثرة في 2023 ستضح معالمها في نتائج الربع الاول القادم
اياد عارف
مؤسس موقع نمازون الإقتصادي