مع تجاوز أسعار النفط عتبة الـ 90 دولاراً للبرميل، الأسابيع الماضية، كانت التقديرات تُشير لاحتمالات تحقيقها أرقام ثلاثية وصولاً إلى الـ 100 دولار قبل نهاية العام الجاري 2023، غير أنه على عكس تلك التوقعات، تكبدت أسواق النفط خلال الأسبوع الماضي أكبر خسارة لها منذ شهر مارس، تبعاً لعديد من العوامل المؤثرة.
على مدار الأسبوع المنصرم، سجل برنت انخفاضاً بنحو 11 بالمئة، وخام غرب تكساس الوسيط أكثر من 8 بالمئة، وسط مخاوف من أن تؤدي أسعار الفائدة المرتفعة إلى إبطاء النمو العالمي والإضرار بالطلب على الوقود، حتى مع تراجع الإمدادات من السعودية وروسيا اللتين أعلنتا مواصلة خفض الإنتاج حتى نهاية العام.
وتتباين تقديرات المحللين بين توقعات بملامسة الأرقام الثلاثية بعد تجاوز المضاربات التي شهدتها الأسواق أخيراً وأدت لتراجع السوق، وتوقعات بالاستقرار عند المستوى الحالي أو ربما مزيد من التراجعات في ضوء الضغوطات التي تعتري المشهد الاقتصادي العالمي، وتؤثر بدورها على نمو الطلب، وفي خطٍ متوازٍ مع المؤشرات التي تعكس استمرار تشديد السياسة النقدية في ظل الضغوط التضخمية الحالية.
وما بين رهانات المضاربين على الارتفاع والانخفاض، فإن السؤال الذي يفرض نفسه على الأسواق الآن هو: بعد الانخفاضات الكبيرة في أسعار النفط.. هل أصبح الوصول إلى مستوى 100 دولار هذا العام مستبعداً؟.
أسوأ أداء منذ مارس الماضي
يقول الباحث الاقتصادي المتخصص في شؤون النفط، عامر الشوبكي، في تصريحات خاصة لموقع اقتصاد سكاي نيوز عربية، إن الأسبوع الماضي كان الأسوأ بالنسبة لأسواق النفط منذ مارس الماضي، وبعد أن تراجعت الأسعار بنسبة 11 بالمئة، مشيراً إلى أن هذه خسارة كبيرة، كانت لها أسبابها، وعلى رأس تلك الأسباب المضاربة في الأسواق.
ويضيف: تأتي المضاربة بسبب المخاوف المرتبطة بالاقتصاد العالمي، مع استمرار أسعار الفائدة المرتفعة من جانب الفيدرالي الأميركي والبنوك المركزية الأخرى.. بالإضافة إلى ارتفاع سعر الدولار، فضلاً عن التقارير التي أشارت إلى أن روسيا قد تستأنف تصدير الديزل والبنزين.. كل هذه كانت أسباب أدت إلى المضاربات التي أدت لتراجع الأسعار.
وأعلنت روسيا أنها رفعت الحظر الذي فرضته على صادرات الديزل للإمدادات التي يتم تسليمها إلى الموانئ عبر خطوط الأنابيب. ولا يزال يتعين على الشركات بيع ما لا يقل عن 50 بالمئة من إنتاجها من الديزل إلى السوق المحلية.
لكنه يعتقد بأن الصورة قد تكون مختلفة في الأسابيع المقبلة؛ موضحاً أنه كان من ضمن الأسباب والمشاعر المحبطة في أسواق النفط انخفاض الطلب على البنزين، وكان هذا بسبب الفيضانات التي شهدتها نيويورك وأدت لشل حركة النقل وأثرت على الطلب، ما أدى إلى زيادة في المخزونات تقارب ستة ملايين برميل.
ويتابع: الآن هذا الأمر ليس طويل المدى، ذلك أن حركة النقل ستعود حتماً، وهناك شتاء مقبل بطلب إضافي على الوقود، سواء البنزين أو الديزل.
ويشدد الشوبكي على أن تخفيضات أوبك بلس هي العامل الحاسم في تحديد أسعار النفط، إذ ما زالت السوق ضيقة، وما زالت أوبك بلس بمجموعة دولها تحجب عن الأسواق 5 بالمئة من الإنتاج، بإجمالي حوالي 4.9 مليون برميل تقريباً، مقسمة على 1.3 مليون برميل كتخفيض طوعي من السعودية وروسيا، و2 مليون برميل متفق عليها من دول أوبك بلس، بالإضافة إلى 1.6 مليون تخفيضات طوعية من 8 أو 9 دول من أوبك بلس.
كذلك فإن معنويات الأسواق في الصين تتجه للتحسن مع تحسن بعض البيانات الاقتصادية في بكين، وبالنظر إلى أن الصين محرك رئيسي للطلب على النفط، وتشكل نصف نمو الطلب.. وبالتالي هذه الأمور مجتمعة مع نقص الإمدادات في الأسواق من جانب أوبك، من شأنها أن تؤدي إلى توازن الأسعار مرة أخرى في الأسابيع المقبلة، وعليه ولم تنته فرصة بلوغ الأسعار مستوى 100 دولار للبرميل في الأسابيع المقبلة، بحسب الشوبكي.
التقارير عن نشاط السفر الصيني القوي وفرت حدًا أدنى للأسعار في الوقت الحالي. وارتفعت رحلات السفر في منتصف الخريف وعطلة العيد الوطني في الصين بنسبة 71.3 بالمئة على أساس سنوي و4.1 بالمئة مقارنة بعام 2019 إلى 826 مليون رحلة، وفقًا لوكالة أنباء شينخوا.
ويرهن الشوبكي تقديراته المذكورة بقوله: هذا إذا لم تكن هنالك إمدادات إضافية من الولايات المتحدة أو دول أخرى.. لقد وصل إنتاج النفط في أميركا إلى ثاني أعلى مستوى تاريخي عند 13 مليون برميل يومياً.. علاوة على أن أنبوب النفط العراقي بين كركوك وميناء جيهان التركي ربما يستعيد الضخ في الأسبوع المقبل طبقاً لتقارير تركية.. هذه الأمور تحتاج إلى وقت من نهاية أكتوبر وبداية نوفمبر ليتضح مدى تأثير المعروض في الأسواق على الأسعار.
ويختتم الباحث الاقتصادي المتخصص في شؤون النفط، حديثه بالإشارة إلى أن مستوى الـ 100 دولار للبرميل ما يزال قريباً مع نمو الطلب العالمي على النفط.