عدم اليقين هو أكبر خطر يواجه المستثمرين وهو ما انعكس على تحركات الأسهم في الأسابيع الأخيرة، مع ترقب غزو روسي محتمل على أوكرانيا ودق طبول الحرب الذي بدأ فعليا اليوم الخميس 24 فبراير عبر هجمات صاروخية روسية على منشأت عسكرية أوكرانية في جميع أنحاء البلاد مصحوبا بإنزال عسكري في مدينتي أوديسا و ماريوبول , فهل بدأت الحرب  ؟؟

 

لقد تصاعدت التوترات عقب إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاعتراف باستقلال منطقتين منفصلتين، دونيتسك ولوهانسك، في شرق أوكرانيا، ومن ثم دخول القوات العسكرية الروسية، مما أثار مخاوف المسؤولين وأيضًا المستثمرين من أن هذه الخطوة قد تطلق العنان لحرب كبيرة عالمية من جهة ، وتفاقم أزمة التضخم الحالية من ناحية أخرى، إذا ما فرض الغرب عقوبات شديدة على روسيا قد تعرقل إمدادات النفط والغاز إلى أوروبا.

هذا وعبر أيام الازمة الماضية شهدت أسواق الأسهم العالمية موجات بيعية إستباقية , الذي أتبعته الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات قوية على بنوك وكيانات وأفراد روسية، فيما قررت ألمانيا تعليق المصادقة على خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2 القادم من روسيا، الأمر الذي يقطع آمال تعزيز إمدادات الغاز في أوروبا، التي تعاني من شح المعروض وارتفاع قياسي للأسعار.

 

وجأت هذه التراجعات في وقت تعاني فيه السوق بالفعل من الضغوط التضخمية في الأسعار وإرتفاع بتكاليف الاقتراض، ما دفع المستثمرين للفرار من الأصول الخطرة والاتجاه نحو الأصول الآمنة خصوصا الذهب الذي كان الحصان الرابح حتى الأن من الأزمة , دفعته إلى كسر حاجز 1916 دولار للأوقية للمرة الأولى منذ يونيو 2021، وبالطبع لا يخفى على أحد أن هذه المخاوف الجيوسياسية أهم العوامل التي دعمت أسعار النفط للاقتراب من مستويات 100 دولار للبرميل لأول مرة منذ 2014؛ إذ سجل خام برنت مستوى 103 دولار للبرميل في جلسة الخميس (24 فبراير)

 

كما تراجعت الأسهم الأمريكية بشكل حاد في الجلسات الاخيرة إذ فقد مؤشر داو جونز الصناعي أكثر من 3700 نقطة ليسجل اليوم الخميس 32300 نقطة  , حيث هبطت أسهم كل القطاعات في البورصة الأمريكية حتى قطاع الطاقة، رغم قفزة أسعار النفط

 

هذه الخسائر كانت كفيلة أن تدفع ستاندرد آند بورز إلى الدخول في حركة تصحيحية، بعدما فقد أكثر من 15% من المستوى القياسي الذي سجله في 3 يناير الماضي عند 4800 نقطة تقريبًا، وهو الأمر الذي لم يحدث للمؤشر الأوسع نطاقًا منذ فبراير 2020، عندما كان السوق متأثرًا بالمخاوف بشأن تفشي جائحة كورونا.

*أداء مؤشر ستاندرد آند بورز منذ 2021*

حقيقةً، الخسائر القوية في وول ستريت، لم تكن وليدة الأيام القليلة الماضية، حيث كان التصعيد الروسي الأخير بمثابة تأكيد فقط على مخاوف المستثمرين بشأن تصاعد التوترات بين موسكو وكييف، وكانت تحركات السوق تُسعر بالفعل هذه المخاوف، والدليل على ذلك الاتجاه الهبوطي لمؤشرات الأسهم منذ بداية العام، رغم أنها بدأت 2022 عند مستويات قياسية.

 

ويضاف إلى ذلك القلق بشأن التضخم واتجاه الاحتياطي الفيدرالي إلى معدلات الفائدة هذا العام، ولم تكن الأرباح والإيرادات القوية التي أعلنتها الشركات الكبرى كافية، لتعزيز ثقة المستثمرين أمام هذه المخاطر، رغم أن نحو 80% من إجمالي الشركات التي أعلنت نتائج أعمالها حتى الآن تمكنت من تجاوز توقعات المحللين، وفق بيانات فاكتسيت.

 

والمثال الأبرز على ذلك، هي أسهم التكنولوجيا، فعلى الرغم من الأداء المالي القوي في الربع الأخير من 2021، جاءت التوترات الجيوسياسية لتعمق جراحها، التي تسببت فيها ارتفاع معدلات التضخم وعوائد السندات الأمريكية، مما أثار مخاوف بشأن الأرباح المستقبلية لهذه الأسهم، التي تعتمد على الاقتراض في الغالب لمواصلة النمو الهائل، وهو ما جعل مؤشر ناسداك الذي يغلب عليه الطابع التكنولوجي أكبر الخاسرين بين المؤشرات، بأكثر من 16% منذ بداية العام.

وفي أوروبا، ورغم أنها الأكثر تضررًا من تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية، كان وقع زيادة التوترات أقل حدة على الأسهم الأوروبية، إذ جاءت الخسائر طفيفة، لكن مؤشر ستوكس 600 الأوروبي تراجع بنحو 7% منذ بداية العام الجاري، كما تأثرت الأسهم الآسيوية بالتصعيد الروسي في أوكرانيا، حيث هبط مؤشر نيكي الياباني بأكثر من 8%، وتراجع مؤشر شنغهاي المركب الصيني بأكثر من 4%.

*مؤشر ستوكس 600 الأوروبي*

وبالطبع، تسببت المخاوف الجيوسياسية في محو مليارات الدولارات من قيمة الأسهم الأوكرانية والروسية، إذ تراجع المؤشر الرئيسي في روسيا إم أوه إي إكس (MOEX) بأكثر من 22% هذا العام، وتراجع الروبل الروسي أمام الدولار الأميركي إلى أٌقل مستوى منذ عام 2020.

 

ورغم استمرار حالة عدم اليقين بشأن تطورات الأزمة ، فإنه غالبا ما يكون الهبوط جراء الأحداث السياسية قصير الأجل، وتميل الأسهم بعده إلى الانتعاش في نهاية المطاف خصوصا مع توقع وصول التضخم الى ذروته قريبا ، يبدو أن المستثمرين وكأنهم يستغلون الأزمة للقيام بعمليات جني أرباح قاسية بعد سلسلة من الإرتفعات القياسية في 2021