كل يوم نسمع عن ابتكارات واختراعات جديدة، مع زيادة الاعتماد على الأدوات الرقمية التي تؤثر في مناحي الحياة وقطاعاتها المختلفة، وانعكس ذلك على القطاع المالي من خلال تسهيل التداول وإدارة الاستثمارات وتبادل رؤوس الأموال، واليوم تبرز العملات الرقمية المشفرة على الساحة المالية العالمية وتحولت إلى واقع مثير للجدل بسبب التقلبات التي تشهدها.

 

وتعتمد العملات الرقمية المشفرة تقنية تعرف باسم سلسلة الكتل - بلوك تشين، والتي تعمل وفق مبدأ الند للند (Peer to Peer)، حيث يتم تسجيل المعاملات المشفرة والتأكد من صحتها دون الحاجة إلى تدخل البنوك المركزية، وتتم حماية كل من العملات الرقمية المشفرة وتقنية البلوك تشين بواسطة خوارزميات التشفير القوية.

 

وجذبت هذه العملات المستثمرين والمضاربين الذين يأملون في العثور على مفهوم نقدي جديد، ورغم أن البيتكوين فقدت جزء كبير من قيمتها العام الماضي، لا يزال هناك اهتمام بين المستثمرين في مجالي التشفير والتقنية التي تقف وراءه , انطلق سوق العملات الرقمية المشفرة منذ عقد من الزمن ويقارب حجمه اليوم 120 مليار دولار، ويعيب عليه البعض افتقاره للتنظيم واتسامه باللامركزية التي تسمح باستخدام هذه العملات بشكل غير قانوني، ما يفتح الباب دوماً أمام تساؤلات حول مستقبل هذه الأصول وتقنية بلوك تشين التي تدعمها، إلا أن المشهد الاستثماري يؤكد أنها صناعة تسير نحو التطور.

 

أداه لمواجهة الحصار الاقتصادي

في الوقت الذي ينظر فيه إلى العملات الرقمية على أنها وسيلة للتهرب الضريبي أو غسل الأموال، وما إلى ذلك من العمليات غير المشروعة عبر الإنترنت، إلا أن دول تعاني من حصار اقتصادي مثل فنزويلا مثلاً تمكنت من تجاوز أزمتها عبر إصدار عملية رقمية تُدعى البترو، وربطت سعرها بسعر برميل النفط المحلي، وهو ما يعكس التغيرات التي يشهدها النظام المالي العالمي.

 

ومن جهة أخرى، بعد أن كان للوساطة دوراً كبيراً عبر التاريخ في التعاملات المالية وتقييد حريتها، تتيح تقنيات البلوكشين وتطبيقاتها للأفراد اليوم إمكانية صناعة قوة مالية مستقلة تسمح بتنفيذ التعاملات بشكل آمن وسريع.

كما تتجه بعض البلدان مثل السويد والنرويج للتخلي عن النقد كلياً والاعتماد على الدفع الإلكتروني، وتنفق شركات بطاقات الائتمان الأموال بذكاء على حملات التسويق والحوافز لجذب الناس نحو التعامل بالأساليب الرقمية.

 

سوق ستتجه نحو التنظيم

ومن المرجح أن تشهد الأعوام المقبلة إنشاء منصات لامركزية لتداول الكريبتو، وصدور التشريعات والقوانين الناظمة للسوق والاستثمار في التطبيقات اللامركزية ورموز التشفير، ومع تفعيل الرقابة التنظيمية سيظهر دور الاستثمار المؤسسي لتعزيز الثقة بالسوق الجديد. كما أن تطور الأجهزة الالكترونية وتقنيات الذكاء الاصطناعي سيشجع على القبول أكثر بالتعامل مع السوق الرقمي، والمهم أن سعر العملة الرقمية تحدده المضاربات وقوى الشراء من مختلف المستثمرين حول العالم من افراد ومؤسسات , وهذا الاقبال الكبير ربما كان الحافز الاساسي لوصول البيتكوين العام الماضي لقمة 20 الف دولار في طفرة سعرية ادهشت العالم ولفتت الانظار , المستوى الذي يتوقع الكثيرين العودة له في ظل سوق وتقنية متنامية 

 

تحركات عربية لدخول السوق الجديد

على المستوى العربي، هناك تحركات لتبني التغيرات القادمة وتطويع القوانين والتشريعات بما يلائم السوق الجديد، وأبرزها هو إطلاق السعودية والإمارات أول عملة رقمية عربية تُدعى عابر، وتستخدم بدايةً كعملة خدمية للتعامل بين البنوك والمؤسسات المحلية، وكوسيلة للدفع عبر الحدود بين البلدين والاستفادة من مزايا التعاملات المالية الإلكترونية منخفضة التكلفة.

ختاماً

باتت الكثير من الفنادق ومتاجر التجزئة تقبل العملات الرقمية المشفرة، ومن المرجح أن تنشر بشكل أوسع مع ازدياد ثقة الجمهور أو العملاء لتصبح وسيلة الدفع الموجودة في كل زمان ومكان، وعلى صعيد آخر قد يكون التحول الرقمي والتكنولوجي حلاً لمشاكل مثل الفقر والتعليم في الوطن العربي، ما يساعد على تنفيذ خطط التنمية، وإعادة هيكلة الاقتصاد والتشجيع على الابتكار.

 

وفي السياق ذاته، أعد نمازون تقرير حول مستقبل عملة البيتكوين وتحليل التوقعات التي تدور حول انعدام قيمتها، وذلك بعنوان:

حقائق البيتكوين ومثلث الأوهام