تجاهلت الأسواق المالية إلى حد كبير الاضطرابات السياسية في الولايات المتحدة والتي انتهت ببدء مجلس النواب إجراءات عزل الرئيس ترامب للمرة الثانية، واتجهت الانظار بشكل أكبر نحو إمكانية طرح حزمة تحفيز مالي كبيرة الحجم في وقت مبكر من ولاية الرئيس المنتخب جو بايدن.

 

بحسب تقرير بنك الكويت الوطني، فقد ساهم أيضاً طرح اللقاحات المضادة لفيروس كوفيد-19 في تعزيز معنويات السوق (وإن اقتصر ذلك إلى حد كبير حتى الآن على الدول المتقدمة مع اختلاف الوضع حسب الدولة)، مما قد يحد من الضغوط الاقتصادية خلال الأشهر المقبلة.

 

كما واصلت الأسهم العالمية تحقيق مكاسب مع ارتفاع مؤشر ستاندرد آند بورز الأمريكي بنسبة 4% خلال فترة الشهر ونصف الشهر المنتهي في منتصف يناير، كما ارتفعت عائدات السندات الأمريكية القياسية.

 

فيما استفادت أسعار مزيج خام برنت أيضاً من الخفض الشديد للإمدادات السعودية وتوقعات أن يساهم تحسن معدلات النمو في تعزيز الطلب على النفط، إذ وصل سعره إلى أعلى مستوياته المسجلة في 11 شهراً عند 56 دولاراً للبرميل ليمحو كافة الخسائر التي تكبدها خلال فترة الجائحة.

 

 

بايدن يستهدف التحفيز المالي المبكر

 

قبل تنصيب جو بايدن كرئيس للولايات المتحدة في 20 يناير 2021، ومع فوز الديمقراطيين في سباق مجلس الشيوخ بجورجيا، مما منحهم السيطرة الكاملة على مجلسي النواب والشيوخ بالكونجرس الأمريكي، يتحول الانتباه إلى سرعة إقرار وحجم حزمة التحفيز المالي اللازمة لدعم الاقتصاد الذي يعاني من تداعيات تفشي الفيروس.

 

وكان الرئيس ترامب قد وقع على حزمة تحفيز مالي بقيمة 0.9 تريليون دولار (4% من الناتج المحلي الإجمالي) في أواخر ديسمبر الماضي، والتي تضمنت إرسال شيكات مباشرة بقيمة 600 دولار للأمريكيين وتمديد إعانات البطالة حتى مارس المقبل وتوجيه 325 مليار دولار لدعم الشركات الصغيرة.

 

إلا أنه من المقرر أن يتبع ذلك حزمة مالية بقيمة 1.9 تريليون دولار بمجرد تنصيب بايدن، بما في ذلك ارسال شيكات إضافية بقيمة 1400 دولار للمواطنين، وتمديد إضافي لمزايا البطالة، ومساعدة حكومات الولايات والحكومات المحلية، وزيادة الحد الأدنى للأجور إلى 15 دولاراً في الساعة.

 

وأبرز تقرير سوق العمل الصادر في ديسمبر مجدداً أداءه الضعيف ومدى الحاجة الملحة لاتخاذ إجراءات فورية لمعالجة الأوضاع، إذ انخفضت الوظائف غير الزراعية للمرة الأولى منذ أبريل وظل معدل البطالة مستقراً عند مستوى 6.7%، بانخفاض كبير عن مستويات ذروة الأزمة والتي بلغت حينها 14.8%، إلا أن تلك المستويات ما زالت أعلى من نسبة 3.5% المسجلة قبل الجائحة.

 

وتتمثل المخاوف في أن تدهور سوق العمل سيضر بالإنفاق، مما يتسبب بدوره في انتكاس اقتصادي، خاصة إذا تأخر إقرار حزم التحفيز أو كانت غير كافية.

 

وعلى الرغم من ذلك، هناك ما يدعو للتفاؤل الحذر، إذ تركزت معظم خسائر الوظائف في ديسمبر في قطاع الترفيه والضيافة وهو الأكثر عرضة للتأثر بالجائحة. ومع بدء توزيع اللقاحات بشكل موسع في منتصف ديسمبر قد نشهد انخفاض عدد حالات الإصابة بالفيروس (هذا إلى جانب مساهمة عودة الطقس الأكثر دفئاً) مما قد يمهد الطريق لإعادة التوظيف في القطاع خلال الأشهر المقبلة ويحد بدوره من المخاطر التي يتعرض لها الطلب.

 

 

ويشير الأداء المميز للأسهم الأمريكية (+4% في 1.5 شهر الممتدة حتى منتصف يناير) وارتفاع عائدات سندات الخزانة الأمريكية (ارتفاع عائدات السندات لأجل 10 سنوات بمقدار 26 نقطة أساس إلى 1.10%) إلى تهيئة الأسواق بالفعل لمناخ اقتصادي أفضل.

 

ويبدو أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي مستعد في الوقت الحالي للإبقاء على سياساته النقدية دون تغيير بعد أن قام في العام الماضي بخفض أسعار الفائدة إلى حوالي الصفر تقريباً والتزم ببرنامج شراء السندات بقيمة تقارب 120 مليار دولار شهرياً. وتزايدت مطالبات مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي بطرح المزيد من الحوافز المالية، وإذا تم ذلك بالفعل خلال الأشهر المقبلة فقد تقل الحاجة لإقرار المزيد من تدابير التيسير النقدي.

 

وفي واقع الأمر، يرى بعض المحللين أن الاحتياطي الفيدرالي قد يبدأ في التراجع عن سياساته التحفيزية في وقت لاحق من العام الحالي على أقرب تقدير، إذ أدى طرح اللقاحات والسياسات التيسيرية وعودة الإنفاق مرة أخرى مع تلاشي آثار الفيروس إلى حدوث تعافي اقتصادي قوي مع إمكانية ارتفاع معدل التضخم، ووفقاً لقراءة مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي، الذي بقي في ديسمبر عند مستوى 1.6%، على أساس سنوي.

 

واعترض مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي مؤخراً على تلك التلميحات، وصرح الرئيس جاي باول أنه لن يتم رفع سعر الفائدة في أي وقت قريب، ولن يحدث ذلك حتى ظهور إشارات واضحة على ارتفاع معدلات التضخم.

 

وتشير البادرة الجديدة التي تتمثل في استعدادهم لتحمل مستويات تضخم تفوق نسبة 2% لفترة من الوقت إلى اعطائهم مجالاً أوسع للمناورة بصفة عامة.

 

وأضاف باول ... سيحتاج العامة لرؤيتنا نسمح للتضخم بالتحرك أعلى من 2% لفترة من الوقت قبل أن يتم اعتبار الإطار الجديد ذا مصداقية.