حالة من الهلع والفزع، أصابت الأسواق العالمية بعد الإعلان عن ظهور متحور جديد من فيروس كورونا في جنوب أفريقيا بداية الأمر، قبل أن ينتقل إلى دول أخرى، وفي 24 ساعة فقط، تبدلت الأوضاع وانقلبت رأسًا على عقب، في استجابة قد تكون مبالغًا فيها من قبل الأسواق حول العالم، فماذا حدث وهل هى أزمة عابرة مثل غيرها من متغيّرات الفيروس؟

 

في الجمعة الماضية، أطلقت منظمة الصحة العالمية على المتغيّر الجديد اسم أوميكرون، مشيرًا إلى أنه متحور مثير للقلق، ويُشكل مخاطر مرتفعة للغاية، وذلك بعد اكتشافه في جنوب أفريقيا، قبل انتقاله لعدة دول مثل بلجيكا وبريطانيا وألمانيا، لتُسارع الدول في فرض قيود الإغلاق مرة أخرى، خاصة على القادمين من جنوب أفريقيا، هذا ملخص الأحداث، التي قادت أسواق الأسهم العالمية لخسائر حادة لم تشهدها هذا العام، وتعرض النفط لضربة قوية أيضًا، وفشل الدولار الأمريكي والذهب في الحفاظ على مكانتهما ضمن الملاذات الآمنة.

في الواقع، رد فعل الأسواق كان أكبر من الحدث بشكل كبير، فهى ليست كارثة كبرى كما حدث من قبل، لتسبب كل هذا الرعب، لكنه مجرد خبر عن انتشار محدود لمتغير جديد في دولة أفريقية، فضلًا عن أن الخسائر كانت أقل حينما اكتشف متحور دلتا وغيره في الأشهر الماضية، فعلى سبيل المثال، تراجعت أسعار النفط بنحو 10 دولارات في جلسة واحدة، في حين كان الهبوط أقل في أزمات كبيرة مثل العام الماضي حينما انهار تحالف أوبك+، أو في الأزمة المالية العالمية 2008.

 

فضلًا عن كل هذا، لم يتضح بعد مدى سرعة وسهولة انتشار متحور أوميكرون، وما إذا كان أكثر قابلية للانتقال مقارنة بالمتغيّرات الأخرى، بما في ذلك دلتا، كما أن شدة الأعراض التي يسببها غير معروفة حتى الآن، فلماذا كان تسلل الرعب سريعًا إلى الأسواق وتراجعت بشكل كبير؟؟ هذا ما سوف نرصده في التقرير

 

خسائر الأسهم

رغم أنها جلسة قصيرة، بسبب احتفالات عيد الشكر، إلا أنها كانت دامية في وول ستريت، ووسط المستويات القياسية للأسهم وتأهُب الاحتياطي الفيدرالي، لبدء تقليص التحفيز النقدي للاقتصاد الأمريكي مع إمكانية رفع معدلات الفائدة، لمواجهة تسارع التضخم، جاء أوميكرون ليضرب بهده الخطط والتوقعات عرض الحائط في ساعات قليلة.

وفي جلسة الجمعة، تهاوى مؤشر داو جونز بأكثر من 900 نقطة، أو ما يعادل 2.5%، مسجلًا أسوأ أداء يومي منذ أكتوبر 2020، كما تراجع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 والمؤشر التكنولوجي ناسداك بنحو 2.3% و2.2% على التوالي، بفعل انهيار أسهم شركات السفر والسياحة، بشكل خاص، مع مخاوف تشديد قيود الإغلاق، حيث تراجعت أسهم شركات أمريكان إيرلاينز ويونايتد إيرلاينز، قرب 10%، في حين حلّقت أسهم شركات الأدوية واللقاحات عاليًا بقيادة سهم موديرنا، الذي قفز 20%، في هذه الجلسة.

*أداء مؤشر داو جونز الأمريكي

وجاءت خسائر وول ستريت، بعدما تهاوت أيضًا الأسهم الآسيوية، إذ مؤشر نيكي الياباني بنحو 2.5%، وامتد الهبوط إلى أوروبا، التي تعاني بالفعل، قبل أوميكرون، من زيادة إصابات كورونا مع دخول فصل الشتاء، ليتهاوى مؤشر ستوكس 600 الأوروبي، بما يقارب 4%.

ومع عدم اليقين بشأن المتحور الجديد، أغلقت الأسهم الآسيوية أولى جلسات الأسبوع على انخفاض، لكن البورصات الأوروبية والأمريكية، استعادت بعض خسائرها في أولى تعاملات الأسبوع.

 

أسعار النفط

عانت أسعار النفط من خامس أكبر هبوط على مدار التاريخ، بعدما تراجع خامي برنت وغرب تكساس الأمريكي بنحو 11.7% (9 دولارات)، و13% (10 دولارات)، على التوالي، وبدأت خام برنت تعاملات الجمعة أعلى من 82 دولارًا، وبنهاية الجلسة، هبط أدنى من مستوى 73 دولارًا، مسجلًا أقل مستوى في أكثر من شهرين.

وفي حقيقة الأمر، كانت أسعار النفط على شفا حفرة من الانخفاض، قبل خبر المتحور الجديد، مع وجود العديد من العوامل الضاغطة على أرض الواقع، أهمها الخوف من تخمة المعروض، وترقب قرار منظمة أوبك، خاصة مع إعلان الولايات المتحدة وعدد ومن الدول الأخرى السحب من المخزون النفط الاستراتيجي، في وقت كانت فيه إصابات الوباء في أوروبا تتزايد بالفعل وهناك قلق بشأن تباطؤ الطلب على الخام، وأيضًا ارتفاع الدولار الأمريكي، الذي يجعل شراء النفط أكثر تكلفة بالنسبة لحائزي العملات الأخرى.

*أداء أسعار النفط في 2021

لم يؤثر خبر المتحور الجديد فقط على أسعار النفط، فقد أجبر أوبك على تأجيل اجتماعات اللجان الفنية، التي كانت مقررة يوم الإثنين، إلى أواخر هذا الأسبوع، من أجل تقييم أكثر لتداعيات أوميكرون، ولمعرفة ما إذا كان كبار المنتجين سيمضون قدمَا في زيادات إنتاج النفط المخطط لها البالغة 400 ألف برميل يوميًا.

ورغم خسائر جلسة الجمعة، ارتفعت أسعار النفط بنحو 7% في أولى تعاملات الأسبوع الجاري، لتستعيد بعض خسائرها، قبل أن تقلص مكاسبها عند التسوية، مع تقليل مسؤولين في أوبك+ منهم وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، ونائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك، من تداعيات أوميكرون، لكن يبقى موقف السوق غير واضح حتى الآن وينتظر اجتماع التحالف في وقت لاحق من هذا الأسبوع.

والدليل على ذلك، أن بنك مورجان ستانلي قلص توقعاته لسعر خام برنت للربع الأول 2022 إلى 82.50 دولار للبرميل من 95 دولارًا، مع مخاوف أن يضع أوميكرون ضغوطًا كبيرة على الطلب على الخام، في حين لا يزال بنك جي بي مورغان متفائلًا بالنسبة للخام، متوقعًا ارتفاعه إلى 125 دولارًا العام المقبل.

 

الذهب والدولار

في هذه الأوقات من الأزمات والهلع في الأسواق العالمية، غالبًا ما يكون الذهب أكبر الفائزين بصفته ملاذًا آمنًا، لكن على عكس المتوقع، أغلق المعدن الأصفر جلسة الجمعة الدامية بالنسبة للأسهم، على ارتفاع طفيف للغاية، بل أنه تراجعت في نهاية جلسة الإثنين، ليظل مستوى 1800 دولار عقبة رئيسة أمام المعدن في الحفاظ عليه خلال الأسابيع الأخيرة.

ورغم وجود بيئة لصعود أسعار الذهب، بصفته وسيلة تحوط ضد ارتفاع معدل التضخم عالميًا، إلا أن اتجاه الفيدرالي الأمريكي إلى تقليص وتيرة شراء الأصول، وميله البنك المركزي إلى تشديد السياسة النقدية، يزيد تكلفة الفرصة البديلة لأسعار المعدن الأصفر، كونه يرفع أسعار الفائدة وعوائد السندات الأمريكية.

في المقابل، فشل الدولار الأمريكي هو الأخر في إثبات أنه ملاذ آمن، بعدما تراجع من أعلى مستوى في 17 شهرًا، وسط الهلع من أوميكرون، في الوقت الذي استفادت فيه عملتي الفرنك السويسري والين الياباني من حالة عدم اليقين في الأسواق.

 

ماذا عن القادم؟

لا شك أن المستثمرين سيترقبون المزيد من الإفصاحات حول مدى تأثير هذا المتحور على الاقتصاد العالمي، وإمكانية أن يتم فرض قيود الإغلاق الشديدة من قبل الدول، وكذلك مدى فاعلية اللقاحات المتاحة حاليًا لمواجهة المتغيّر الجديد أوميكرون.

لكن أصبح واضحاً في إعتقادنا أن شهية المخاطرة في تراجع عن ما كانت عليه قبل اسبوع او شهر , ويظهر لنا ان المستثمرين في الأسواق يشعرون بالقلق ومتحفزين لجني الأرباح حتى لو كان قاسي وسريع , وهذه فنيا ما تكون بداية مرحلة جديدة او الاقتراب من مرحلة جديدة في تغيير اتجاه مسارات الأسواق مع ظهور دببة متحفزين وثيران خائفين وأقل شهية للمخاطرة !!