تعرضت أكبر سوق للسندات في العالم لضربة قوية من جديد، ليصل العائد على سندات الخزانة الأميركية لأجل عامين لفترة وجيزة إلى 5% بعدما أشار جيروم باول إلى أن صانعي السياسات النقدية ليسوا في عجلة لخفض أسعار الفائدة.

قال رئيس الاحتياطي الفيدرالي إن البنك المركزي الأميركي قد يستغرق وقتاً أطول للحصول على الثقة اللازمة لخفض أسعار الفائدة في ظل عدم إحراز تقدم مؤخراً في مكافحة التضخم. وقال باول إنه من المناسب منح السياسة التقييدية لبنك الاحتياطي الفيدرالي مزيداً من الوقت حتى تنجح.

ارتفعت عوائد سندات الخزانة إلى أعلى مستوياتها في 2024، على الرغم من أن السندات قلصت بعض الخسائر مع ظهور مشترين عند القيعان. وسجل الدولار أقوى صعود في خمسة أيام منذ أكتوبر 2022. وتراجعت مؤشرات الأسهم.

يرى جيفري روتش من إل بي إل فايننشال (LPL Financial) أن تعليقات باول تشير إلى أن الاحتياطي الفيدرالي من المرجح أن يبقي أسعار الفائدة عند نفس مستوياتها لفترة أطول مما كان مخططاً له في الأصل.

 

قال أندرو برينر من نات أليانس سيكيوريتيز (NatAlliance Securities): إذا كنت تبحث عن القليل من التيسير النقدي، أو التصريحات المائلة للتيسير من قبل باول، لا تقلق، فهو لم يقل أي شيء من هذا القبيل.

انخفض مؤشر إس آند بي 500 (S&P 500) إلى حوالي مستوى 5050 نقطة. هبط سعر سهم بنك أوف أميركا في ظل تجاوز الرسوم على القروض المتعثرة التقديرات، في حين ارتفع سعر سهم مورغان ستانلي في ظل إيرادات التداول القوية. قادت شركة يونايتد هيلث غروب (UnitedHealth Group) صعود مؤشر داو جونز الصناعي بعد نتائج الأعمال.

تحول في رسالة باول

تمثل تصريحات باول تحولا في رسالته بعد تجاوز مؤشر رئيسي للتضخم توقعات المحللين للشهر الثالث على التوالي. كما أنها تُظهر أن المسؤولين لا يرون ضرورة ملحة لخفض أسعار الفائدة، وتشير إلى أن أي خفض للفائدة في 2024 قد يأتي في وقت متأخر نسبياً من العام، إذا حدث ذلك على الإطلاق.

قال نيل دوتا من رينيسانس ماكرو ريسرش (Renaissance Macro Research): توقعات التضخم لم تتدهور بالقدر الذي تعتقده سوق السندات.. وإذا كانت ثلاثة أشهر من بيانات التضخم الضعيفة قد دفعتها إلى التراجع، فما الذي قد تفعله ثلاثة أشهر من التضخم الأفضل؟ كل ما يفعله باول هو متابعة السوق، مع أخذ بيانات التضخم السيئة لمدة ثلاثة أشهر وافتراضها في المستقبل.

 

يرى جيمي كوكس، من هاريس فاينانشال غروب (Harris Financial Group)، أن الاحتياطي الفيدرالي لديه الحرية للإبقاء على أسعار الفائدة لفترة أطول في حين تظل سوق العمل قوية، ولا يتأثر الاستهلاك، ولا تظهر العواقب النموذجية لرفع أسعار الفائدة بسرعة في الاقتصاد.

وأضاف كوكس: تحتاج الأسواق إلى التركيز على حقيقة أن أسعار الفائدة مقيدة بما فيه الكفاية، بدلاً من التركيز على عدد التخفيضات التي سيتم تنفيذها.

قوة الدولار تكبل العالم

يرى محمد العريان أن صناع السياسات النقدية في جميع أنحاء العالم يكافحون لمواجهة ارتفاع الدولار وأسعار الفائدة المرتفعة في الولايات المتحدة.

قال العريان، وهو رئيس كلية كوينز في كامبريدج وكاتب عمود في بلومبرغ، لتلفزيون بلومبرغ يوم الثلاثاء: السلطات في جميع أنحاء العالم مكبّلة بعض الشيء بشأن سبل التعامل مع ارتفاع الدولار بشكل عام. كيف تتعامل مع الزيادة العامة في أسعار الفائدة بالولايات المتحدة؟.

 

قال نائب رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي فيليب جيفرسون يوم الثلاثاء إنه رغم إحراز تقدم كبير في خفض التضخم، فإن مهمة الاحتياطي الفيدرالي المتمثلة في استعادة معدل التضخم بشكل مستدام إلى 2% لم تنته بعد. وأكدت نظيرته في سان فرانسيسكو ماري دالي في وقت متأخر من يوم الاثنين أنه لا توجد حاجة ملحة لتعديل أسعار الفائدة، مشيرة إلى النمو الاقتصادي القوي وسوق العمل القوية واستمرار التضخم المرتفع.

تقلص رهانات خفض الفائدة

بعد توقعهم في مطلع العام خفض الفائدة 6 مرات في 2024، أو 1.5 نقطة مئوية من التيسير النقدي، أصبح المتداولون الآن متشككين في أنه سيتم خفض الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية. كما خفض معظم اقتصاديو وول ستريت توقعاتهم أيضاً، ووضعوا سيناريو قاسياً للعوائد الأميركية بما في ذلك تكرار محتمل لتجاوز العوائد 5% كما فعلوا في أكتوبر الماضي.

وسط كل هذا القلق، ارتفع مؤشر موف (MOVE) القائم على الخيارات، والمراقب على نطاق واسع، لقياس التقلبات المتوقعة في سندات الخزانة، إلى أعلى مستوياته منذ يناير.

 

وعلى صعيد آخر، تعارض ستيت ستريت غلوبال أدفايزورس (State Street Global Advisors) توقعات الاحتياطي الفيدرالي بخفض سعر الفائدة في وقت أقربه شهر يونيو على الرغم من سلسلة البيانات الاقتصادية التي فاقت التوقعات والتي دفعت معظم المتداولين إلى تأجيل توقعاتهم إلى وقت لاحق من العام.

لا تزال شركة إدارة الأصول مقتنعةً بأن البنك المركزي سيبدأ التيسير النقدي قبل فترة طويلة من الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر لتجنب التأثير على النتيجة، وفقاً لكبيرة مسؤولي الاستثمار لوري هاينيل. وقالت إن ظروف التضخم لا تزال تدعم هذه الخطوة نظراً لتأخر ظهور آثار السياسة النقدية، فضلاً عن تراجع جودة البيانات الأخيرة.

مخاطر بالسوق

أصبح التعرض للأسهم الآن مرتفعاً للغاية لدرجة أن أي ضعف من المرجح أن يؤدي إلى تراجع أكبر بمجرد أن يبدأ المستثمرون في تقليص مراكزهم الشرائية، وفقاً لكبار الاستراتيجيين في وول ستريت.

بلغت قيمة المراكز الشرائية على مؤشر إس آند بي 500 حوالي 52 مليار دولار، 88% منها خاسرة، وهو الوضع الذي يرى كريس مونتاغو، الخبير الاستراتيجي في سيتي غروب، أنه يمثل خطراً على السوق.

أظهر استطلاع أجراه بنك أوف أميركا أن المستثمرين رفعوا مخصصاتهم للأسهم إلى صافي زيادة المراكز بنسبة 34%، وهي الأكبر منذ يناير 2022، وفق استبيان أجري في الفترة من 5 إلى 11 أبريل بين 224 مشاركاً بأصول تحت الإدارة قيمتها 638 مليار دولار.

 

وأظهرت مذكرة منفصلة أن عملاء بنك أوف أميركا سجلوا صافي بيع على الأسهم الأميركية للأسبوع الثالث على التوالي.

قال الاستراتيجيون الكميون بقيادة جيل كاري هول في مذكرة يوم الثلاثاء إن العملاء سحبوا صافي 800 مليون دولار من الأسهم الأميركية في فترة الخمسة أيام حتى 12 أبريل مع تراجع مؤشر إس آند بي 500 خلال الأسبوع.

قال جيمس ديميرت من مين ستريت ريسيرش (Main Street Research): التصحيح في سوق الأسهم يتكشف الآن بسبب التوترات في الشرق الأوسط، وارتفاع عائدات السندات والمخاوف بشأن تأخر خفض سعر فائدة التمويل لدى الاحتياطي الفيدرالي.. كان من المفترض أن تتراجع أسعار الأسهم منذ بعض الوقت.

سيولة ضخمة

على صعيد آخر، يرى روبرت كابيتو، من بلاك روك، أن سوق الأسهم على وشك الاستفادة من قيام المستثمرين بتوظيف السيولة النقدية الضخمة.

وقال كابيتو، رئيس أكبر مدير للأصول في العالم، في ندوة آسيا والمحيط الهادئ المالية والابتكار في ملبورن يوم الثلاثاء، إن هناك ما يقرب من 9 تريليونات دولار موجودة في الصناديق المالية، ونفس المبلغ في البدائل النقدية بالبنوك.

وقال ديميرت من مين ستريت ريسرش: ارتفاع عوائد السندات علامة على أن الاقتصاد العالمي صامد وأرباح الشركات قوية.. في حين أن قوة الاقتصاد والشركات قد تؤدي إلى تخفيضات للفائدة أقل من المتوقع أو حتى عدم خفض الفائدة في المستقبل المنظور، فإن هذا ليس شيئاً من شأنه أن يدمر هذه السوق الصاعدة الجديدة.

في المرحلة المبكرة من دورة الأعمال الجديدة، فإن الأرباح - وليس الاحتياطي الفيدرالي- هي التي تحرك الأسهم. لقد كانت الأرباح أفضل بكثير من المتوقع، ونتوقع نتيجة مماثلة مع الدخول في موسم الأرباح من جديد.