قفزت أسعار الذهب إلى مستوى قياسي جديد، مدعومة بتوقعات متزايدة بأن الاحتياطي الفيدرالي الأميركي سيخفض أسعار الفائدة هذا الشهر، إلى جانب تصاعد المخاوف بشأن مستقبل البنك المركزي واستقلاليته.

وارتفع سعر الذهب الفوري في التعاملات المبكرة بآسيا الثلاثاء بنسبة 0.9% ليصل إلى 3508.73 دولاراً للأونصة، متجاوزاً الذروة السابقة التي سُجلت في أبريل. وبذلك يكون المعدن النفيس قد صعد بأكثر من 30% منذ بداية العام، ليصبح من بين أفضل السلع أداءً.

الذهب يُنظر إليه تقليدياً كملاذ آمن في أوقات الاضطرابات السياسية والاقتصادية، ويستفيد عادة من بيئة أسعار الفائدة المنخفضة. وتلقى دعماً إضافياً هذا العام مع بحث المستثمرين عن أصول آمنة تحميهم من تقلبات السوق، وسط تداعيات الحرب التجارية العالمية التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترمب.

تصاعد هجوم ترمب على الاحتياطي الفيدرالي زاد قلق المستثمرين بشأن استقلالية البنك المركزي، ما يهدد بتقويض الثقة في السياسة النقدية الأميركية.

جاءت القفزة الأخيرة مدفوعة بتوقعات أن يفتح رئيس الفيدرالي جيروم باول الباب أمام خفض الفائدة في اجتماعه المقبل، بينما يُنتظر أن يدعم تقرير الوظائف الأميركي يوم الجمعة هذه التوجهات، مع بروز إشارات إضافية على ضعف سوق العمل. هذه التوقعات عززت جاذبية الذهب وغيره من المعادن الثمينة التي لا تحقق عوائد لحامليها.

قالت جوني تيفيس، استراتيجي الأسواق في UBS Group AG: زيادة المستثمرين لحيازاتهم من الذهب، خصوصاً مع اقتراب خفض الفائدة الأميركية، تدفع الأسعار إلى مستويات أعلى. رؤيتنا الأساسية أن الذهب سيواصل تسجيل قمم جديدة خلال الفصول المقبلة. بيئة أسعار الفائدة المنخفضة، وضعف البيانات الاقتصادية، واستمرار حالة الضبابية الكلية وارتفاع المخاطر الجيوسياسية تعزز جميعها من دور الذهب كأداة لتنويع المحافظ الاستثمارية.

 الطلب على هذه الأصول التقليدية الآمنة

شهد الذهب وشقيقه الأرخص الفضة ارتفاعاً بأكثر من الضعف خلال الأعوام الثلاثة الماضية، مدعومَين بتزايد المخاطر الجيوسياسية والاقتصادية والتجارية عالمياً، ما عزز الطلب على هذه الأصول التقليدية الآمنة.

وأصبح التصعيد في هجمات الرئيس الأميركي دونالد ترمب على الاحتياطي الفيدرالي هذا العام أحدث أسباب قلق المستثمرين، إذ أثارت المخاوف بشأن استقلالية البنك المركزي مخاطر تراجع الثقة في الاقتصاد الأميركي.

تترقب الأسواق حكماً قضائياً سيحدد ما إذا كان لدى ترمب مبررات قانونية لإقالة عضو مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي ليزا كوك من منصبها. وفي تطور منفصل، قضت محكمة استئناف فيدرالية أواخر الجمعة بأن الرسوم الجمركية الشاملة التي فرضها ترمب على معظم الشركاء التجاريين للولايات المتحدة قد تم فرضها بشكل غير قانوني بموجب قانون الطوارئ، ما يزيد حالة عدم اليقين أمام المستوردين الأميركيين ويؤخر العوائد الاقتصادية التي وعدت بها الإدارة.

وكان الذهب قد صعد إلى مستوى قياسي في أبريل الماضي بعد أن كشف ترمب عن خطة أولية لفرض رسوم جمركية واسعة على معظم الشركاء التجاريين، قبل أن تتراجع الأسعار وتتحرك ضمن نطاق ضيق لعدة أشهر، مع فتور الطلب على الملاذات الآمنة إثر تراجع الرئيس عن بعض مقترحاته الأكثر تشدداً.

 

هل يحافظ الذهب على مستوى أعلى من 3500 دولار؟

قال كريستوفر وونغ، استراتيجي العملات في بنك أوفرسي-تشاينيز (OCBC): المستويات فوق 3500 دولار تعد منطقة غير مسبوقة، لذا ستراقب السوق سلوك حركة الأسعار. المرة السابقة التي لامس فيها الذهب هذا المستوى كانت أثناء التداولات اللحظية، وبالتالي فإن الإغلاق اليومي فوقه قد يمنح زخماً إضافياً. لا تزال هناك مخاطر من عودة التوترات الجيوسياسية وحالة عدم اليقين في السياسات، وهو ما قد يشكل دعماً إضافياً للذهب.

وفي المقابل، واصل معدن الفضة أداءه القوي متفوقاً على شقيقه الأصفر، إذ ارتفع بأكثر من 40% منذ بداية العام، وتجاوزت أسعاره حاجز 40 دولاراً للأونصة يوم الاثنين للمرة الأولى منذ عام 2011. ويحظى المعدن الأبيض أيضاً بقيمة عالية لاستخداماته الصناعية في تقنيات الطاقة النظيفة مثل الألواح الشمسية.

ووفقاً لبيانات معهد الفضة (Silver Institute)، يتجه السوق لتسجيل عجز في الإمدادات للعام الخامس على التوالي. كما أن ضعف الدولار عزز القوة الشرائية في الدول المستهلكة الكبرى مثل الصين والهند.

 

استثمارات الصناديق تعزز أداء المعدنين

واصل المستثمرون ضخ أموالهم في الصناديق المتداولة المدعومة بالفضة، مع ارتفاع الحيازات للشهر السابع على التوالي في أغسطس، ما أدى إلى استنزاف المخزونات المتاحة في لندن وفرض حالة من الشح المستمر في السوق. وارتفعت معدلات الإيجار — التي تعكس تكلفة اقتراض المعدن لفترات قصيرة — إلى نحو 2%، وهي مستويات مرتفعة مقارنة بمستواها الطبيعي القريب من الصفر.

وحظيت المعادن النفيسة بدعم إضافي بعد أن أدرجت واشنطن الفضة الأسبوع الماضي على قائمتها للمعادن الحيوية، التي تضم بالفعل البلاديوم، وهو ما أثار مخاوف من احتمال تعرضها لرسوم جمركية أميركية.

في أسواق التداول الفوري، ارتفع الذهب بنسبة 0.6% ليصل إلى 3497.25 دولاراً للأونصة بحلول الساعة 10:43 صباحاً في سنغافورة، فيما استقر مؤشر بلومبرغ للدولار الفوري دون تغيير يُذكر. أما الفضة فبقيت شبه مستقرة عند 40.71 دولاراً للأونصة، بينما صعد البلاتين وتراجع البلاديوم.