في الوقت الذي تشير فيه آفاق النمو الاقتصادي إلى تسجيل انتعاش قوي خلال هذا العام، فإن المؤشرات الأساسية ما تزال متباينة في ظل ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا في كافة أنحاء العالم خلال شهر أبريل الماضي، بصدارة الهند، مما يتناقض مع التفاؤل المتزايد واستمرار إجراءات إعادة فتح الأنشطة الاقتصادية في الولايات المتحدة وأوروبا بفضل تراجع حالات الاصابة بالفيروس وتسارع وتيرة برامج اللقاحات.

 

وفي الولايات المتحدة على وجه الخصوص، تحول اهتمام السوق نحو التضخم، الذي ارتفع في أبريل نتيجة للنمو القوي والضغوط الناتجة عن إعادة فتح أنشطة الأعمال، مما أدى إلى طرح تساؤلات حول مدى استمرار الاحتياطي الفيدرالي في تطبيق سياساته التيسيرية الحالية.

 

من جهة أخرى، وبحسب تقرير بنك الكويت الوطني، فقد أدت تلك المخاطر إلى إضعاف أسواق الأسهم في بداية شهر مايو ودفعت عائدات السندات المرجعية نحو الارتفاع. وفي غضون ذلك، شهد سعر مزيج خام برنت مكاسب قوية في أبريل نتيجة للضغوط التي فرضها الانتعاش الاقتصادي قبل أن تتراجع الأسعار مجدداً على خلفية إمكانية تخفيف العقوبات المفروضة على إيران، مما سيساهم في زيادة الإمدادات.

 

 

نمو قوي للاقتصاد الأمريكي مع تصاعد الضغوط التضخمية

 

تسير آمال حدوث انتعاش اقتصادي سريع في الولايات المتحدة على المسار الصحيح، وذلك بدعم من ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول من عام 2021 بنسبة 6.4% على أساس سنوي وبما يتماشى إلى حد كبير مع التوقعات.

 

إذ سجل الاستهلاك الخاص أداءً قوياً (+ 6.3%) في ظل إعادة فتح أنشطة الأعمال وتدابير التحفيز الاقتصادي والطلب المكبوت وكذلك زيادة الثقة بفضل طرح اللقاحات. كما سجل الاستثمار الخاص أداءً قوياً (+ 10.1%) مما يعكس ازدهار سوق العقار.

 

وأصبح مستوى الناتج المحلي الإجمالي الآن أقل من مستويات ما قبل الجائحة بنسبة 1% فقط، مما يعني أنه نظراً للقراءة الجيدة لأحدث المؤشرات قد يصل معدل النمو بسهولة إلى تلك المستويات في الربع الثاني (على الرغم من أن الناتج المحلي الإجمالي ما يزال أقل من المسار المتوقع قبل انتشار الجائحة).

 

وعلى الرغم من ذلك، ما يزال تعافي سوق العمل يسير بوتيرة بطيئة إلى حد ما، إذ تم إضافة 266 ألف وظيفة (0.2%) في أبريل وسط شكوك بأن مزايا البطالة المؤقتة قد تثبط عودة بعض الأفراد إلى العمل - وهي المزاعم التي رفضتها وزيرة الخزانة جانيت يلين.

 

ومن المقرر أن تتسارع وتيرة نمو الوظائف في الأشهر المقبلة طالما استمر الانتعاش على المسار الصحيح، إلا أن ذلك الوضع قد يستمر حتى عام 2022 أو لفترة أبعد من ذلك قبل استعادة نحو 8 ملايين وظيفة فقدت بسبب الجائحة.

 

وسوف يتم مراقبة الطاقة الانتاجية الفائضة على صعيدي الإنتاج وسوق العمل عن كثب بسبب تداعياتهما على التضخم، والذي تتزايد المخاوف بشأنه في الوقت الحالي. إذ ارتفع تضخم مؤشر أسعار المستهلكين إلى أعلى مستوياته المسجلة منذ أكثر من 12 عاماً بوصوله إلى 4.2% على أساس سنوي في أبريل مقابل 2.6% في مارس، فيما يعد أعلى بكثير من التوقعات.

 

ويعزى النمو الكبير في التضخم جزئياً إلى انخفاضه في فترة المقارنة - لا سيما قطاع الطاقة - مما يعكس انخفاض الأسعار قبل عام مع بدء تداعيات الجائحة. إلا انه على الرغم من ذلك، فإن معدلات النمو الشهرية ما زالت ترتفع بشدة، ووصل معدل التضخم الأساسي، الذي يستثني أسعار المواد الغذائية والطاقة، إلى أعلى مستوياته المسجلة منذ عام 1996 بوصوله إلى 3.0%.

 

ويواصل الاحتياطي الفيدرالي وصف تلك الضغوط بأنها مؤقتة، مما يعكس كل من التأثيرات الأساسية وعدم الاتساق المؤقت ما بين الطلب والعرض الذي سيتلاشى مع مواصلة فتح انشطة الاقتصاد.

 

إلا أن التزامن ما بين تسارع وتيرة النمو الاقتصادي وتطبيق سياسات التحفيز المالي والنقدي الجريئة، والمشاكل المحتملة التي قد يتعرض لها سوق العمل، وكذلك سياسة الانتظار والترقب التي أكد الاحتياطي الفيدرالي التزامه بها وتحمله لمستوى التضخم فوق 2% لفترة من الوقت، كل تلك العوامل تدفع باتجاه زيادة مخاطر ضغوط الأسعار التي قد تصبح أكثر رسوخاً بصفة دائمة. وبدأت تلك المخاوف تلقي بظلالها على الدولار الأمريكي، الذي تراجع بنسبة 4% تقريباً منذ أواخر مارس على أساس السعر المرجح للتبادل التجاري.

 

 

منطقة اليورو تشهد ركوداً مزدوجاً في الربع الأول

 

انخفض الناتج المحلي الإجمالي في منطقة اليورو في الربع الأول من عام 2021 بنسبة 0.6% مقارنة بالربع السابق في ظل مواجهة دول الاتحاد الأوروبي لموجة جديدة من تفشي الفيروس.

 

وساهم ذلك في ترسيخ الركود المزدوج على مستوى المنطقة، بعد تسجيل تراجع بنسبة 0.7% في الربع الرابع من عام 2020. وتشير المؤشرات إلى عودة الاقتصاد إلى تسجيل نمواً في الوقت الحالي، وإن كان بوتيرة بطيئة إلى حد ما، وقد ساهم في تعزيز ذلك أيضاً طرح برامج اللقاحات التي بدأت تكتسب زخماً في الآونة الأخيرة.

 

وارتفعت قراءة مؤشر مديري المشتريات المركب إلى 53.8 في أبريل، بفضل انتعاش القطاع الصناعي، إلا أن قطاع الخدمات بدأ يحرز تقدماً بسيطاً ويتجه مجدداً نحو النمو على الرغم من توقعات باستفادته من تخفيف قيود الاغلاق.

 

وكما هو الحال في الولايات المتحدة، بدأت الشركات الشكوى من زيادة التكاليف وارتفع مؤشر أسعار المستهلكين إلى 1.6% على أساس سنوي في أبريل بعد أن كان في المنطقة السلبية بنهاية العام الماضي.

 

إلا أنه نظراً لمناخ النمو الأقل انتعاشاً مقارنة بالولايات المتحدة، وبقاء معدل التضخم دون المستوى المستهدف البالغ 2% تقريباً (التضخم الأساسي عند مستوى أقل بنسبة 0.7%)، هذا بالإضافة إلى قوة أداء اليورو والمخاوف المستمرة بالفعل تجاه السلالات المتحورة من الفيروس، فمن غير المرجح أن يبدأ البنك المركزي الأوروبي مناقشة خطط تخفيف سياساته التيسيرية لعدة أشهر.

 

ومن جهة أخرى، انخفض الناتج المحلي الإجمالي في المملكة المتحدة بنسبة أكثر قليلاً مما كان متوقعاً بلغت 1.5% على أساس ربع سنوي في الربع الأول من عام 2021 في ظل إعادة فرض إجراءات الإغلاق الصارمة في بداية العام. ومع رفع معظم تلك الإجراءات وانتعاش أنشطة الأعمال في الفترة الحالية، فمن المتوقع أن يتعافى النمو بقوة في الربع الثاني بنحو قد يصل إلى 5%.

 

 

النفط يرتفع بفضل معنويات التفاؤل تجاه الانتعاش الاقتصادي

 

ارتفعت أسعار العقود الآجلة لمزيج خام برنت بنسبة 5.8% في أبريل لتغلق عند مستوى 67.3 دولاراً للبرميل بدعم من ظهور بعض المؤشرات الدالة على تحسن وتيرة التعافي الاقتصادي في الولايات المتحدة وأوروبا والصين وعلى الرغم من ارتفاع حالات الإصابة بالفيروس في البرازيل، وتفاقم الوضع في الهند. واستمر الزخم الإيجابي في شهر مايو، إذ تجاوز سعر مزيج خام برنت 70 دولاراً في 17 مايو.

 

وفي الولايات المتحدة وأوروبا، تشير بيانات حركة المرور على الطرق البرية والجوية إلى زيادة تنقل المستهلكين بعد تخفيف القيود وتسريع وتيرة برامج اللقاحات.

 

وفي ذات الوقت، ارتفعت معدلات تكرير النفط الخام في الصين في الربع الأول من 2021 بنسبة 17.8% على أساس سنوي إلى 14.2 مليون برميل يومياً، بعد ارتفاع الواردات بقوة على أساس ربع سنوي.

 

واستفاد النفط أيضاً من ارتفاع أسعار السلع على نطاق واسع، بعد ارتفاع الطلب بعد الجائحة على المعادن والمواد الغذائية في ظل قيود جانب العرض.

 

وأشارت توقعات منظمة الأوبك ووكالة الطاقة الدولية في تقاريرهما الشهرية عن اسواق النفط، حدوث عجزاً شديداً في الإمدادات في النصف الثاني من عام 2021 في ظل تجاوز الطلب للعرض بأكثر من مليون برميل يومياً في الربع الثالث من عام 2021 والذي قد يصل إلى 2 مليون برميل يومياً في الربع الرابع من عام 2021.

 

ويأتي ذلك على الرغم من عودة الأوبك وحلفائها لإنتاج أكثر من 2 مليون برميل يومياً من الإمدادات الإضافية بنهاية يوليو وعلى الرغم من ضعف الطلب على النفط نتيجة لتفشي الجائحة في الهند. واستشهاداً بالمخاوف الخاصة بالهند، إلى جانب ضعف استهلاك النفط بمستويات أقل مما كان متوقعاً في الاقتصادات المتقدمة في الربع الأول من عام 2021، خفضت وكالة الطاقة الدولية توقعات نمو الطلب الإجمالي على النفط لعام 2021 هامشياً إلى 5.4 مليون برميل يومياً.

 

وقد تشهد الأسعار بعض الدعم وتصل إلى مستويات أعلى في النصف الثاني من عام 2021 وذلك على الرغم من أن امكانية عودة الانتاج الإيراني إلى السوق وإضفاء نزعة سلبية على تلك الإجراءات قد يساهم في تعزيز الأسعار على خلفية انباء تفيد بتقدم محادثات الاتفاق النووي لخطة العمل الشاملة المشتركة المعاد تشكيلها.