واصلت أسواق الأسهم العالمية رحلة صعودها في الربع الأول من عام 2021، لتبلغ العديد من المؤشرات الرئيسية أعلى مستوياتها على الإطلاق وذلك بدعم من حزم التحفيز الضخمة، والسياسات التيسيرية التي تبنتها البنوك المركزية، بالإضافة إلى التطورات الإيجابية على صعيد برامج اللقاحات، وتحسن بيانات الاقتصاد الكلي.
وفي ذات الوقت، تفوقت أسواق دول مجلس التعاون الخليجي في أدائها على نظرائها العالميين وذلك بدعم من عدد من العوامل الإضافية بما في ذلك ارتفاع أسعار النفط وتخفيف القيود المرتبطة بالجائحة في بعض الدول وذلك على الرغم من إعادة فرض القيود في دول أخرى.
واستمر هذا الاتجاه الإيجابي حتى شهر أبريل، إذ سجل مؤشر ستاندرد أند بورز 500 أقوى مكاسب شهرية (5.2%) منذ نوفمبر 2020 وجاء ذلك على الرغم من تزايد حدة التقلبات وضعف أدائه نهاية الشهر فيما يعزى إلى حد كبير إلى المخاوف المتعلقة بتزايد معدلات التضخم في ظل تحسن مستويات الانتعاش الاقتصادي وإمكانية تشديد السياسات، هذا إلى جانب حالة عدم اليقين المرتبط بالجائحة.
ومستقبلياً، يتمثل الخطر الأكبر الذي يواجه استمرار ارتفاع أسعار الأسهم والانتعاش الاقتصادي في حالة عدم اليقين المرتبطة بالجائحة، خاصة في ظل عودة ظهور الفيروس في بعض دول أوروبا وآسيا.
إضافة لذلك، فإن مخاوف استمرار السياسات المالية والنقدية التيسيرية قد تؤدي إلى تزايد الضغوط التضخمية بمستويات أعلى من المتوقع، (وبالتالي إمكانية رفع أسعار الفائدة) مما يمثل مخاطر إضافية على أسواق الأسهم.
أوروبا تقود مكاسب الأسواق العالمية
كان أداء الأسواق العالمية إيجابياً بصفة عامة في الربع الأول من عام 2021، إذ ارتفع مؤشر مورجان ستانلي العالمي بنسبة 5.5% على أساس ربع سنوي، بدعم من الأسهم الأوروبية (سجل مؤشر يورو ستوكس 50 نمواً بنسبة 10.3% على أساس ربع سنوي)، في حين ارتفع كل من مؤشري داو جونز الصناعي وستاندرد أند بورز 500 بنسبة 8% و6% على التوالي.
ومن المتوقع أن تستفيد الأسواق الأوروبية، التي تعرضت في وقت سابق لموجة ثانية من تفشي الجائحة وإعادة فرض القيود، من الانتعاش الاقتصادي المتوقع، خاصة وأن تقييمات الأسهم الأوربية لا تزال جذابة بالمقارنة مع التقييمات العالية للأسهم الأمريكية.
كما قد يعزى أيضاً الأداء الأقل قوه للأسواق الأمريكية مقارنة بالأسواق الأوروبية إلى الارتفاع الحاد لعائدات السندات الأمريكية، مما أدى إلى تقليص علاوة المخاطر الأمريكية وإثارة بعض المخاوف في صفوف المستثمرين.
كما تأثر أداء الأسهم الأمريكية أيضاً بالمخاوف التضخمية الناجمة عن الانتعاش الاقتصادي والقلق تجاه إمكانية قيام الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة في وقت أقرب مما كان متوقعاً، وذلك على الرغم من تراجع حدة تلك المخاوف لاحقاً بعد أن اعاد الاحتياطي الفيدرالي تأكيد موقفه التيسيري.
كما تجدر الإشارة إلى تحول المستثمرين نحو القطاعات التي من المقرر أن تستفيد أكثر من الانتعاش الاقتصادي، أي الأسهم التي تتميز بآفاق نمو أفضل على المدى القصير وتقييمات أقل.
ويمكن رؤية انعكاس هذا التحول في نزعة المستثمرين من خلال تفوق أداء مؤشر Russel 2000 مقارنة بالمؤشرات الأمريكية الأخرى (+14% على أساس ربع سنوي)، إذ يعتبر أبرز المؤشرات الأمريكية الرئيسية لقياس أداء الأسهم الصغيرة.
ومن الممكن أن تحقق أسواق الأسهم أداءً جيداً نسبياً في عام 2021 في ظل انحسار مخاطر الفيروس، واستمرار السياسات التيسيرية وتحسن الانتعاش الاقتصادي. إلا أنه على الرغم من ذلك، ما تزال هناك بعض المخاطر التي تتمحور بصفة عامة حول ضبابية الأوضاع المتعلقة بالفيروس مما قد يؤثر على التوقعات الاقتصادية.
وبالنسبة للولايات المتحدة على وجه الخصوص، تشير التقديرات إلى أن المخاطر الرئيسية تتمثل في الارتفاع النسبي لتقييمات الأسهم الأمريكية، وتزايد توقعات ارتفاع معدلات التضخم، وإمكانية انهاء سياسات التيسير النقدي في وقت أقرب مما كان من متوقعاً.
تفوق أداء الأسواق الإقليمية على خلفية ارتفاع أسعار النفط
تفوقت أسواق دول مجلس التعاون الخليجي على نظيراتها العالمية، إذ ارتفع مؤشر مورجان ستانلي الخليجي بنسبة 12.6% على أساس ربع سنوي بدعم من ارتفاع أسعار النفط، وطرح برامج اللقاحات وتحسن توقعات المالية العامة.
وجاءت أبوظبي والسعودية في مركز الصدارة، بنمو بلغت نسبته 17% و 14% على التوالي، خاصة بفضل تحسن ثقة مستثمري السوق السعودية بعد الإعلان عن مجموعة من الخطط الاستثمارية الكبرى كجزء من حملة ضخمة لتنويع النشاط الاقتصادي.
أما في بورصة الكويت، فقد ارتفع المؤشر العام بنسبة 4.1% على أساس ربع سنوي، مما ساهم في وصول القيمة السوقية إلى أعلى مستوياتها المسجلة في 15 شهراً (34 مليار دينار كويتي). وساهمت الأسهم المدرجة ضمن السوق الأول (+ 4.5 %) في تعزيز أداء المؤشر العام إلى حد كبير، بقيادة أسهم قطاعات التكنولوجيا والعقار والخدمات المالية.
وبلغ متوسط قيمة التداولات اليومية في بورصة الكويت نحو 39 مليون دينار، مما يعكس الاقبال المستمر على الأسهم المحلية والمستوى الجيد لأنشطة السوق، وذلك على الرغم من تباطؤ صافي التدفقات الأجنبية الوافدة إلى حوالي 6 ملايين دينار بالربع الأول من عام 2021 فيما يعزى إلى حد كبير إلى توقف التدفقات المرتبطة بترقية السوق في عام 2020.
وتشير التوقعات المستقبلية أن تراجع المخاوف المتعلقة بالفيروس في ظل طرح برامج اللقاحات وتحسن التوقعات الاقتصادية الإيجابية قد تساهم في دعم معنويات السوق الإقليمية. إلا أن تلك الأسواق ستظل تتأثر بأسعار النفط ووتيرة الإصلاحات الهيكلية والعوامل الجيوسياسية والتطورات المرتبطة بالجائحة.
نظرة مستقبلية إيجابية مشوبة بعدم اليقين في عام 2021
إن انخفاض معدلات الفائدة لمستويات قياسية، ومواصلة البنوك المركزية اتباع السياسات التيسيرية، وتزايد الإشارات الدالة على التعافي الاقتصادي ستساهم في تقديم الدعم اللازم للأسواق خلال عام 2021.
وسينعكس هذا الاتجاه الصعودي في الأسهم العالمية التي تواصل تسجيل أعلى مستوياتها على الإطلاق، مع ضعف الطلب على أصول الملاذ الآمن مثل الذهب والدولار الأمريكي.
إلا أن آفاق نمو الأسواق على المديين القصير والمتوسط قد تتعرض بدرجة ملحوظة إلى بعض المخاطر الناجمة عن الحالة الضبابية تجاه الجائحة واتجاهات التضخم والسياسات المتبعة (تخفيف برامج التحفيز تدريجياً، وارتفاع أسعار الفائدة)، وهي عوامل أدت إلى زيادة تقلبات السوق كما شهدنا في الآونة الأخيرة.
إضافة لذلك، فإن اقتراح إدارة الرئيس بايدن فرض زيادة ضريبة على أرباح رأس المال في الولايات المتحدة، قد تثقل كاهل الأسواق الأمريكية إذا تمت الموافقة عليها بشكلها الحالي.
كما قد نشهد بعض الرياح المعاكسة نتيجة لعودة ارتفاع عائدات السندات الأمريكية، وإن كان من الممكن إبقاء الزيادات المحتملة تحت السيطرة من خلال عمليات الشراء المستمرة التي يقوم بها الاحتياطي الفيدرالي، واستمرار إصدارات سندات الخزانة والتدفقات الأجنبية الوافدة نظراً لانخفاض العائدات في أماكن أخرى من الأسواق المتقدمة.