يبدو أن الاقتصاد العالمي يتعافى بقوة من ذروة تأثير فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) في عام 2020 . ويتوقع صندوق النقد الدولي تعافي نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 6% في عام 2021 .
وقد كان التعافي العالمي مدفوعا حتى الآن بواسطة الولايات المتحدة والصين مع تباطؤ النمو في أوروبا. ومع ذلك، فإن الأساليب المتبعة لإدارة الوباء وتقديم الدعم عبر السياسات تتفاوت بشكل كبير عبر مختلف البلدان.
وعلى الرغم من أن آسيا كانت تتصدر العالم من حيث فعالية إدارة الوباء في العام الماضي، إلا أن الصورة انقلبت رأسا على عقب بفعل الزيادة الحادة في حالات (كوفيد-19) الناجمة عن السلالات المقلقة الجديدة الأكثر انتشاراً.
وتطرق تقرير صادر عن وحدة الأبحاث الاقتصادية في بنك قطر الوطني عن الأسباب الكامنة وراء هذا التحول من خلال الأخذ في الاعتبار: الزيادة في حالات (كوفيد-19) الجديدة والقطاعات الرئيسية الدافعة للنمو (السياحة والتصنيف) والتقدم في حملات التطعيم.
في العام الماضي، تمكنت الدول الآسيوية من إبقاء عدد حالات (كوفيد-19) الجديدة عند مستوى منخفض للغاية، مع التركيز على تتبع المخالطين وفرض عمليات الإغلاق المحلية بسرعة. وقد سمح لها ذلك بتجنب فرض عمليات إغلاق وطنية صارمة كتلك التي كان من اللازم فرضها في أوروبا والولايات المتحدة.
ولسوء الحظ، تشهد آسيا الآن أكبر الزيادات في حالات (كوفيد-19) الجديدة على مستوى العالم. فقد تم اكتشاف سلالة جديدة من الفيروس مُعدية أكثر لأول مرة في الهند، وهي السبب الرئيسي وراء التفشي الجديد للوباء في آسيا. وقد أدى ذلك إلى تأثير متعاقب مع وصول السلالة الجديدة إلى ماليزيا ثم إلى تايلاند، مما تسبب في زيادة كبيرة في عدد الإصابات.
وبعد مرور 99 يومًا دون أي حالة تفشي مجتمعي احدة في عام 2020، زادت الحالات الجديدة في تايلاند مؤخرًا إلى أكثر من 9000 حالة يوميًا. وشهدت حتى سنغافورة وتايوان ارتفاعًا في عدد الحالات بعد وصول الحالات إلى الصفر تقريبًا في بداية العام. وقد كان كلا البلدين من بين البلدان الأولى التي حظرت دخول الأجانب وفرضت إجراءات حجر صحي صارمة. ومع ذلك، فإن التراخي في تعقب المخالطين ومراقبة الأشخاص في الحجر الصحي سمح بدخول سلالات جديدة إلى المجتمع.
في المقابل، تحسن الوضع في الفلبين وإندونيسيا بسبب فترات الإغلاق الطويلة في العاصمة والمناطق النائية.
تشتمل تفاصيل إجراءات الإغلاق على عمليات مفاضلة حيث تحجم السلطات عن فرض عمليات إغلاق كاملة، مفضلة إبقاء القطاعات الرئيسية مفتوحة. لكن، قد ثبت أن عمليات الإغلاق الشاملة أكثر فعالية في الحد من العدوى. لذلك، هناك مخاطر تتمثل في أن النهج الجزئي لعمليات الإغلاق سيكون أقل فعالية وسيتعين استمرار العمل به لفترة أطول.
سيظل قطاع الخدمات (بما في ذلك السياحة والترفيه والضيافة والاستجمام) يعاني أكثر من غيره من القيود الجديدة. وسيؤدي استمرار فرض الحظر على وفود السياح إلى تأخير تعافي قطاعي الضيافة والسياحة. بالإضافة إلى ذلك، فإن إعادة فرض قيود التباعد الاجتماعي، بما في ذلك إغلاق المدارس والمقاهي والمطاعم، سيؤدي إلى الحد من الإنفاق المحلي على الخدمات.
في المقابل، فإن قطاع التصنيع محصن ضد معظم القيود، حيث من المتوقع أن تظل المصانع مفتوحة. وتستفيد الاقتصادات الموجهة للتصدير حاليا من الطلب العالمي القوي. وبشكل أكثر تحديداً، يستمر الطلب القوي على الإلكترونيات في دعم النشاط الاقتصادي ومن المرجح أن يستمر لبضعة أشهر أخرى مع استمرار تراكم الطلبات.
ومع ذلك، توقع التقرير أن ينخفض الطلب على السلع الاستهلاكية (مثل الأدوات الإلكترونية والأدوات المنزلية الأخرى) في أوروبا والولايات المتحدة مع إزالة القيود المفروضة على النشاط الاقتصادي. لذلك، من المرجح أن تجد البلدان التي استفادت من الطلب الخارجي القوي على السلع الاستهلاكية أن محرك النمو هذا يتلاشى مع نهاية العام.
وأدت الزيادة الكبيرة في حالات الإصابة بـ(كوفيد-19) والقيود الجديدة إلى إضعاف الآفاق عبر الاقتصادات الآسيوية، لكن نجاح عملية التطعيم سيكون بمثابة تغيير لقواعد اللعبة. لسوء الحظ، ظل التقدم في هذا المجال بطيئا حتى الآن. فقد قامت الصين وهونغ كونغ وسنغافورة فقط بتطعيم أكثر من 10 % من سكانها، في حين لم تتمكن بعض الدول بعد من تلقيح أكثر من 1% من السكان.
وتقدم اللقاحات الفعالة وسيلة للخروج من الأزمة. يثير النشر البطيء للقاحات الشكوك بشأن السرعة التي يمكن أن تقوم بها آسيا بتلقيح نسبة كافية من سكانها لتجنب زيادة أخرى في حالات الإصابة وفرض مزيد من القيود في وقت لاحق من هذا العام.
كانت البلدان الأكثر اعتماداً على السياحة هي الأكثر تضرراً من الناحية الاقتصادية من السلالات الجديدة لوباء (كوفيد-19). بالإضافة إلى ذلك، من المرجح أن تتلاشى القوة الحالية للطلب الخارجي على السلع الاستهلاكية التي كانت تعزز الصادرات مع عودة توازن الاستهلاك تجاه الخدمات المحلية في الولايات المتحدة وأوروبا.
لذلك، ستعتمد الآفاق الاقتصادية في آسيا بشكل حاسم على وتيرة التطعيم خلال الأشهر المتبقية من عام 2021 وعلى الأرجح أيضاً في عام 2022.