بعد الهجمات الإرهابية الأخيرة على منشأت شركة أرامكو السعودية في منطقة البقيق , والتي اسفرت عن خفض الانتاج بمقدار 5 ملايين برميل يوميا نتيجة للأضرار وذلك بحسب التصريحات الرسمية التي نقلتها وكالة CNN , تسأل الكثيرون هل نحن على اعتاب حرب الخليج الرابعة وما تأثيرات هذه القلاقل الجيوسياسية على اسعار النفط
يفترض العديد من المتابعين لأسعار النفط ان حدوث حرب في الخليج العربي سوف يؤثر على أسعار النفط مما سيجعل الاسعار ترتفع , وبدأنا نسمع بعض المصادر تتحدث عن رقم 100 دولار للبرميل , في الحقيقة قد تبدو المفارقة غريبة بعض الشيء ولكنه من واقع كل حروب الخليج الثلاثة وجدنا ان اسعار النفط في أجواء الحروب تنخفض , فالتاريخ يقول كلمته ويذكرنا بواقع الأرقام كما يلي :-
حرب الخليج الاولى : سبتمبر 1980 – اغسطس 1988 الحرب العراقية الايرانية خلفت مليون قتيل وخسائر بلغت 400 مليار دولار , شهدت اغلاقات متكررة لمضيق هرمز فيما عرف بحرب الناقلات والالغام البحرية خصوصا في الفترة بين 1982 – 1986 , على الرغم من حالة التوتر الكبيرة وجدنا انخفاض للنفط من مستويات 33 دولار الى 10 دولار خلال تلك الفترة , وفعليا لم تتحسن اسعار النفط الا بعد إعلان وقف الحرب في اغسطس 1988 حيث إرتفعت الاسعار من 12 دولار الى 40 دولار في بداية اغسطس 1990
حرب الخليج الثانية : اغسطس 1990 – فبراير 1991 , احداث مفاجئة وزلزال يضرب المنطقة لا يمكن لمن عاشها ان ينساها من ألم احتلال العراق للكويت , ثم عملية درع الصحراء لتحرير الكويت , وخلال هذه الفترة أحداث هائلة من معركة الخفجي داخل الاراضي السعودية الى حرب صورايح السكود على كل دول الخليج واسرائيل والكيماوي المزدوج والتي انتهت باشعال وتفجير 727 بئر نفطي من اصل 1080 بئر كويتي , وأيضا وجدنا انخفاض لاسعار النفط من مستوى 40 الدولار للبرميل حتى 18 دولار , وبقية الاسعار في تذبذب مائل للإنخفاض حتى نهاية 1998 حيث وصلت الى 10 دولار
حرب الخليج الثالثة : مارس 2003 – ابريل 2003 , إنتهت بإحتلال القوات الامريكية للعراق وسقوط نظام صدام حسين تحت مبررات أكذوبة ملف أسلحة الدمار الشامل وحرب الصحاف وأم الحواسم , ايضا رأينا إنخفاض لاسعار النفط من مستوى 40 دولار للبرميل حتى 25 دولار
اذا , من واقع التاريخ نجد ان هناك علاقة عكسية بين توترات الحروب الخليجية وأسعار النفط وليس كما يشاع أو يروج لها بعض المضاربين في الأسواق لإستغلال الأجواء لأهداف معروفة
على الجانب الاخر يجب أن ندرك أن اسعار النفط يتحكم فيها مجموعة من العوامل الاقتصادية والمؤثرات السياسية , اهمها تراجع الطلب على النفط بسبب تباطؤ الاقتصاد العالمي مع ازدياد كميات المعروض , مما دعى أوبك في اخر توقعاتها الاربعاء الماضي 11 سبتمبر الى تقليص معدلات النمو للاقتصاد في 2020 من 3.2% الى 3.1% وتتوقع تراجع اسعار النفط بتراجع الطلب بمقدار 1.2 مليون برميل يوميا
بالإضافة الى كل هذا المشهد المعقد يتدخل الرئيس الأمريكي ترامب في حروبه التجارية مع الصين واوروبا وملف البريكسيت والمفاوضات التجارية في أحداث فيها الكثير من ديناميكية التي توثر بشكل مباشر على اسعار النفط اكبر بكثير من مجرد استهداف منشأت نفطية سيتم إصلاحها سريعا لتعود للعمل , ناهيك عن التدخل المباشر والصريح للرئيس الترامب اكثر من مرة أنه يريد نفط رخيص لعدت اسباب ابرزها إرتفاع الاستهلاك الامريكي من النفط الى ما يتجاوز 20 مليون برميل يوميا يكلف خزين الدولة 10 مليون دولار لكل دولار فوق مستوى 65 دولار يوميا
اما من ناحية المشهد الفني
فمنذ ان شكل النفط قمته التاريخية في يونيو 2008 عند مستوى 147 دولار وحتى الان يسير ضمن إتجاه مسار هابط , وكان ادنى سعر تم تسجيله عند مستوى 26 دولار في فبراير 2016 , ثم شهدنا عودة للسعر لقمة 76 دولار في 3 اكتوبر 2018 ضمن صعود موجي ثلاثي يؤكد فنيا ان عصر صعود اسعار النفط لم يبدأ بعد , مالبثت الاسعار بعدها ان قامت بتصحيح قاسي وسريع عاد الى 42 دولار في 26 ديسمبر 2018 , كانت بفعل تصريحات الرئيس الامريكي والمخاوف من التباطؤ الاقتصادي على أصداء الحروب التجارية
مع اغلاقات مساء الجمعة 13 مارس أغلق سعر برميل النفط الامريكي عند سعر 54.70 دولار , تشير المؤشرات الفنية الى وجود إنفراجات سلبية على الاطار الاسبوعي واليومي , تدعم توقعنا بمواصلة المزيد من التراجعات خلال الفترة المقبلة لتحقيقي قاع دون مستوى 40 الدولار
وبتالي ننظر أن اي إرتفاعات سعرية قد تحدث بسبب استغلال المضاربين لاخبار هجوم البقيق سيبقى أثرها محدود وسوف تمثل مستويات 61 – 64 دولار للبرميل مقاومة لا يسهل تجاوزها , كما أن اي عودة بالإغلاق دون مستوى 52 دولار سوف يؤكد على إستمرار الضغوط والتراجعات السعرية نحو الأهداف المرصودة