طرحت خطوة السعودية نقل 8% من إجمالي أسهم أرامكو إلى محافظ صندوق الاستثمارات العامة، العديد من التساؤلات بشأن أسبابها ونتائجها على الصندوق السيادي من جهة، وإيرادات الحكومة، وكيفية تعويضها هذه الإيرادات مستقبلاً، من جهة ثانية.
لم تفاجئ هذه الخطوة أحمد شمس الدين، رئيس قطاع البحوث في إي إف جي هيرميس (EFG Hermes)، وجاستن ألكسندر مدير شركة الخليج إيكونوميكس الاستشارية ومقرها في الولايات المتحدة، وتيم كالين الباحث الزائر في معهد دول الخليج العربية في واشنطن.
ورأوا في تصريحات لـالشرق أن خطوة السعودية تتماشى بشكل عام مع خطة رفع صافي قيمة أصول الصندوق إلى 3 تريليونات دولار بحلول 2030، بالإضافة إلى أنها جزء من خطة طويلة المدى وضعها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في إطار رؤية 2030 لتنويع الاقتصاد بعيداً عن النفط.
وقال شمس الدين إن التسييل التدريجي للأصول من أرامكو يعتبر ضرورة استراتيجية للمملكة مع تحولها بعيداً عن النفط، مشيراً إلى أن صندوق الاستثمارات العامة في وضع أفضل للمساعدة في تحقيق هذا التحول.
كالين الذي شغل سابقاً منصب المدير المساعد السابق في قسم الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، رأى أن هذه الخطوة تهدف أيضاً إلى منح الصندوق دخلاً إضافياً لتمويل برامجه الاستثمارية، في حين اعتبر شمس الدين أن هذه الأصول ذات القيم المرتفعة، تعطي دفعة قوية للصندوق في حال قراره اللجوء إلى أسواق الدين.
كشفت مصادر صحفية موثوقة خلال مارس أن الصندوق يدرس خططاً لتعزيز طروحات السندات أو الحصول على قروض بنكية من أجل توفير مصادر جديدة للسيولة النقدية، تساهم في تمويل مشروع تحول السعودية الاقتصادي، وذلك في ظل تراجع الاحتياطيات النقدية للصندوق إلى 15 مليار دولار اعتباراً من سبتمبر الماضي، وهو أدنى مستوى منذ عام 2020، عندما بدأ تسجيل البيانات.
مصير إيرادات الحكومة من أرامكو
ستفقد الحكومة السعودية إيرادات من خلال هذه العملية بطبيعة الحال، إذ انخفضت حصتها في شركة أرامكو إلى 82.1%.
وفقاً لحسابات الشرق، فإن خزنة صندوق الاستثمارات العامة ستستقبل نحو 19 مليار دولار من توزيعات أرامكو عن العام الحالي، تشمل التوزيعات عن كل حصة الصندوق البالغة نحو 16% في أكبر شركة إنتاج نفط في العالم.
شمس الدين اعتبر أن عملية نقل الأسهم من شأنها أن تخفض دخل الحكومة بنحو 9 مليارات دولار، معرباً عن اعتقاده بأن هذه الخطوة لن تغير قواعد اللعبة بأي شكل من الأشكال، نظراً إلى أن عجز الموازنة الحالي تحت السيطرة بشكل عام.
في يناير الماضي، قدرت السعودية عجز الموازنة خلال العام الجاري عند 79 مليار ريال، حيث ستنفق 1.251 تريليون ريال؛ وتتوقع جني ما يصل إلى 1.172 تريليون ريال من الإيرادات.
المفاضلة في الإنفاق
كالين اتفق على أن التأثير على العجز المالي لن يكون كبيراً، مضيفاً أنه في حال تبين أن العجز أعلى مما هو مقدر، فإن الحكومة قد تلجأ إلى الاقتراض، أو إبطاء وتيرة الإنفاق الرأسمالي، وبالتالي تقليل حجم الإنفاق الإجمالي والعجز.
لكن من المستبعد أن تلجأ السعودية إلى إبطاء وتيرة الإنفاق، نظراً إلى توقعات بزيادة أرباح أرامكو وبالتالي زيادة توزيعات أرباحها، وهو ما يعني حصول الحكومة وصندوق الاستثمارات على موارد إضافية، وفق كالين.
وفي حين رأى أن الحكومة قد تضع قيوداً على الإنفاق بعد عام 2025، إذا لم ترتفع عائدات النفط عن المستويات الحالية، قال الباحث كالين إنه في حال خفض الإنفاق فإن ذلك قد يؤثر على نمو القطاع غير النفطي الذي يعتبر نموه أساسياً بالنسبة لرؤية 2030، مرجحاً أن تلجأ المملكة إلى المفاضلة بين أنواع الإنفاق، لتختار خفض ما لا يحدث أثراً كبيراً على القطاع غير النفطي. وأشار في الوقت ذاته، إلى أن هناك بعض السياسات الأخرى التي قد تلجأ إليها المملكة لدعم القطاع حتى في حال خفض الإنفاق، مثل خفض أسعار الفائدة ما يسهل عملية الاستدانة على شركات القطاع، وبالتالي تحقيق مزيد من النمو.
كالين شدد على أنه من غير الضروري العمل على التعادل المالي، إذ يعد تحقيق عجز متواضع في الميزانية أمراً طبيعياً بالنظر إلى قوة الوضع المالي في المملكة، بما في ذلك مستوى الدين الذي لا يزال منخفضاً.
التوجه إلى الديون
في يناير الماضي، رفعت السعودية تقديراتها لحجم محفظة الدين العام بمقدار 12 مليار ريال (3.2 مليار دولار) مقارنة بالتقديرات المعلنة في بيان الميزانية العامة لعام 2024، لتصل هذه المحفظة إلى حوالي 1.115 تريليون ريال (297.3 مليار دولار) بحلول نهاية العام، كما توقعت المملكة أن تبلغ احتياجاتها التمويلية خلال العام الجاري، نحو 86 مليار ريال (23 مليار دولار).
يعتقد جاستن ألكسندر مدير شركة الخليج إيكونوميكس أن معدل الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي للمملكة يعتبر متواضعاً إلى حد ما مقارنة بديون الدول ذات التصنيف المماثل لها، والتي حظيت إصداراتها الأخيرة من السندات بطلب قوي. ويستبعد أن تكون هناك مشاكل على المدى القريب في تأمين تمويل الديون. ومع ذلك، فمع نمو مستويات الدين، قد يصبح ذلك أكثر صعوبة مستقبلاً، ويمكن أن تتراكم تكاليف الفائدة، خاصة بالنسبة للإصدارات بأسعار الفائدة الحالية.
أما على المدى الطويل، فهناك دائماً خيار تحويل صندوق الاستثمارات العامة الدخل مرة أخرى إلى الحكومة، كما فعل في عام 2020، وفق ألكسندر.
مكاسب الصندوق
صندوق الاستثمارات الذي بات يدير أصولاً بقيمة 925 مليار دولار بعد عملية التحويل، سجل خلال 2022 خسارة صافية قيمتها 14.7 مليار ريال، حسب قوائمه المالية الموحدة المقدمة لحملة السندات الخضراء.
رغم ذلك، أعلن الصندوق عن مخطط لزيادة معدل توظيفه لرأس المال إلى 70 مليار دولار سنوياً بعد عام 2025، ارتفاعاً من قيمة تتراوح بين 40 و50 مليار دولار حالياً.
ألكسندر اعتبر أن زيادة أهداف الصندوق الاستثمارية تتطلب زيادة في الإيرادات، وهو ما يمكن أن يحصل عليه من خلال زيادة نسبته في أرامكو.
ولكن الباحث كالين أعرب عن اعتقاده في أن الصندوق سيعود إلى الربحية خلال هذه السنة، نظراً لأن معظم الخسارة في عام 2022 كانت بسبب التغيرات في القيمة العادلة المقدرة لاستثماراته.
وأضاف أنه نظراً لقوة أسواق الأسهم العالمية في الجزء الأخير من عام 2023، فقد ترتفع تقديرات القيمة العادلة لبعض أصول الصندوق، وأن يسجل أرباحاً عندما يعلن نتائجه لعام 2023. وهو ما يعني زيادة في إيرادات الصندوق المخصصة للاستثمار في عملية التحول.
التحديات الأساسية
أما في ما يتعلق بالتحديات، اعتبر ألكسندر أن التحدي الحقيقي أمام الصندوق يتمثل في ضرورة إنفاق الإيرادات المحولة بطريقة تخلق تأثيراً اقتصادياً، وإيرادات غير نفطية للحكومة في نهاية المطاف، تعوّض النقص من تحويل أرباح أرامكو.
من جهته رأى شمس الدين رئيس قطاع البحوث في إي إف جي هيرميس أنه وبصرف النظر عن نقل الأصول من جيب إلى آخر، فإن التحدي الحقيقي يتمثل في أن المملكة ما تزال بحاجة إلى النفط لتنويع اقتصادها بعيداً عن النفط.