بايدن وأوبك وحرب تكسير العظام في سوق النفط , وهل يؤثر السحب من الاحتياطي الإستراتيجي على أسعار النفط؟ , ولماذا لم تهبط أسعار النفط بعد قرارات الادارة الامريكية ؟؟ وماذا يقول التحليل الفني في مسار النفط وماذا يتوقع ؟؟ أسئلة سنجاوب عليها بشكل مفصل في التقرير التالي , متابعة متتعة بالمعرفة 

 

يبدو أن الإدارة الأمريكية سئمت من دعواتها المتكررة إلى منظمة أوبك لزيادة إمدادات النفط، وقررت التحرك بالسحب من الاحتياطي النفطي الإستراتيجي، في سبيل مواجهة ارتفاع أسعار البنزين، ليس هذا فحسب، بل أقنع الرئيس الأمريكي جو بايدن كبار مستهلكي الخام، باتخاذ نفس الخطوة، لزيادة الضغط على أوبك، فيما يبدو أنها حرب تكسير العظام في سوق النفط العالمية، التي تفاعلت إيجابيًا مع الإفراج عن المخزون الإستراتيجي !!

في الأشهر القليلة الماضية، رأينا بايدن تارة ومسؤولين من إدارته تارة أخرى، يناشدون تحالف أوبك+ -منظمة أوبك المُصدرة للنفط والحلفاء من خارجها- مرارًا وتكرارًا، من أجل زيادة المعروض من الخام، بعد أن وصلت أسعار النفط إلى أعلى مستوياتها في 7 سنوات، وتزايدت التكهنات بأن برنت سيجاوز مستويات 100 دولار للبرميل، في وقت بلغ التضخم أشده حول العالم، وتعاني الدول خاصة أوروبا بارتفاع قياسي في أسعار الغاز والكهرباء، جراء نقص الإمدادات.

ورغم كل ذلك، لم يرضخ تحالف أوبك+ بحجة أن سوق النفط ليست بحاجة إلى زيادة الإنتاج أكثر مما هو مقرر له بموجب الاتفاق الحالي، والذي يقضي بزيادة تدريجية قدرها 400 ألف برميل يوميًا كل شهر، مع توقعات المنظمة بوجود فائض في المعروض خلال الربع الأول من عام 2022.

 

الاحتياطي الإستراتيجي

في خطوة كانت متوقعة على نطاق واسع، أعلنت الولايات المتحدة يوم الثلاثاء 23 نوفمبر ,  الإفراج عن 50 مليون برميل من الاحتياطي النفطي الإستراتيجي في الشهر المقبل، وبررت الإدارة الأمريكية هذا القرار برغبتها في خفض أسعار البنزين للمستهلكين الأمريكيين والتغلب على نقص الإمدادات، بعد أن فشل المعروض النفطي في تلبية الطلب المتزايد مع تعافي الاقتصاد من صدمة وباء كورونا 

يتضمن قرار السحب نحو 32 مليون برميل من خلال التبادل مع شركات النفط والغاز، بحيث تقدم هذه الشركات عطاءات للحصول على النفط، ثم تمنحها الحكومة العقود، على أن تُعيد كميات النفط المستلمة مرة أخرى إلى الاحتياطي الإستراتيجي في الأعوام الثلاثة المقبلة، بالإضافة إلى كمية إضافية تعتمد على مدّة الاحتفاظ بالنفط من قبل الشركات، وكأنه قرض بفائدة.

فيما من المقرر أن تبيع وزارة الطاقة الأمريكية الجزء المتبقي أي 18 مليون برميل، في موعد أقصاه 17 ديسمبر المقبل، بموجب تفويض من قبل الكونغرس الأمريكي، وفقًا لقانون الموازنة، ويأتي ذلك مع حقيقة أن الولايات المتحدة تمتلك مخزون إستراتيجي من النفط الخام يتجاوز 600 مليون برميل، وفقًا لأحدث البيانات الصادرة عن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، فضلًا عن كونها أكبر منتج ومستهلك للنفط في العالم.

*أماكن تواجد المخزون النفطي الإستراتيجي في الولايات المتحدة*

ورغم أن قرار الولايات المتحدة أكثر قوة من حيث كمية النفط المعلن عنها، إلا أن العديد من الدول الأخرى من المستهلكين الرئيسين، تدرس أو قررت بالفعل السحب من المخزون الإستراتيجي، بالتزامن وبالتنسيق مع الإدارة الأمريكية من أجل أن يكون الضغط مضاعفًا على أوبك.

حيث أعلنت الهند، الإفراج عن 5 ملايين برميل من الاحتياطي الإستراتيجي، في خطوة تحدث للمرة الأولى على الإطلاق في نيودلهي، بعدما تضررت كثيرًا من ارتفاع الأسعار في الأشهر الأخيرة، واتهمت أوبك في التسبب في ذلك، حيث تُعد الهند ثالث أكبر مستهلك للنفط في العالم، بما يقرب من 5 ملايين برميل يوميًا، وهذا يعني أن الكمية التي ستفرج عنها الهند من الاحتياطي هو استهلاك يوم واحد فقط.

إلى جانب الهند، سمحت المملكة المتحدة إلى الشركات بالإفراج بشكل طوعي عن 1.5 مليون برميل من الاحتياطي الإستراتيجي المملوك للقطاع الخاص، كما أعلنت كوريا الجنوبية واليابان استعدادهما للانضمام إلى قرار الولايات المتحدة، إلى جانب الصين، التي كانت أول من اتخذت هذه الخطوة بالفعل عندما طرح في سبتمبر الماضي أول مزاد علني لنحو 7.38 مليون برميل من احتياطيات النفط الخام الحكومية لمجموعة مختارة من المصافي المحلية، من أجل تحقيق الاستقرار في أسعار الطاقة.

موقف أوبك+

بعد قرارات السحب من مخزون النفط الإستراتيجي لعدد من الدول المستهلكين، برزت تقارير تشير إلى أن منظمة أوبك والحلفاء من خارجها، يدرسون إعادة تقييم سياسة الإنتاج الحالية المتعلقة، لكن من غير المتوقع أن تتخذ أوبك أيّ إجراء إضافي على الأقل في اجتماعها القادم المقرر أوائل الشهر المقبل.

وترى أوبك أن سوق النفط تتجه إلى التوازن، بداية من العام المقبل، ولا حاجة إلى أيّ تغيير في خططتها، إذ تتوقع المنظمة إلى جانب المؤسسات الكبرى مثل وكالة الطاقة الدولية وإدارة معلومات الطاقة الأمريكية وجود فائض في المعروض النفطي عام 2022، بل وبدأت الإمدادات العالمية في الزيادة في أواخر هذا العام، إذ ارتفعت 1.74 مليون برميل يوميًا في الشهر الماضي، على أساس شهري، لتصل إلى 97.56 مليون برميل يوميًا في المتوسط، وفقًا لتقرير أوبك الشهري.

ويأتي ذلك مع عدم اليقين المستمر بشأن الطلب، حيث يخشى كبار المنتجين من إمكانية إعادة قيود التنقل في الأشهر المقبلة خاصة في أوروبا، التي تشهد حاليًا زيادة في إصابات الوباء، ورغم ذلك تشير تقديرات منظمة أوبك إلى نمو الطلب العالمي على النفط العام المقبل بأكثر من 4 ملايين برميل يوميًا، ليكون من المتوقع أن يسجّل الإجمالي 100.7 مليون برميل يوميًا، متجاوزًا مستويات ما قبل الجائحة، وهو ما يتوافق بشكل كبير مع توقعات وكالة الطاقة الدولية.

توقعات أسعار النفط

بعد شهر تقريبًا من الخسائر، دفعت أسعار النفط أدنى من مستوى 80 دولارًا للبرميل، رأينا أسعار النفط تتألق وترتفع بأكثر من 3%، في جلسة الثلاثاء، بعد إعلان الولايات المتحدة السحن من المخزون الإستراتيجي، على عكس المألوف في سوق الخام، التي تتراجع زيادة الإمدادات، لكن ما أسباب ذلك؟

*أداء خام برنت منذ بداية العام الجاري*

في الحقيقة، فإن سوق النفط قد سعرت بالفعل قرارات السحب من المخزون الإستراتيجي في الأسابيع الأخيرة، كونها كانت متوقعة، وهو ما أدى إلى هبوط قوي للأسعار مؤخرًا، كما أن كمية النفط التي ستفرج عنها الولايات المتحدة -50 مليون برميل- جاءت أقل من المتوقع بالنسبة للبعض، فضلًا عن أن أغلبها كما ذكرنا سابقًا، عن طريق التبادل، وسوف تُعيدها الشركات مرة أخرى، فضلًا عن كمية إضافية.

وهذا يعني أن السحب من الاحتياطي الإستراتيجي سيكون له تأثيرًا ضئيلًا على أسعار النفط، ففي النهاية هو احتياطي ولا يجب استخدامه في التأثير على الأسعار، مع الوضع في الاعتبار أن الكمية المعلنة لا تساوي سوى إنتاج يومين فقط من قبل منظمة أوبك، التي تجاوز إنتاجها الشهر الماضي 27 ألف برميل يوميًا، في الوقت الذي اعترف فيه بايدن نفسه بأن الإفراج عن المخزون الإستراتيجي لن يخفض أسعار البنزين بين عشية وضحاها، وهذا ما يجعل الإدارة الأمريكية تؤكد أنها لن تتوقف عن الضغط على أوبك، لزيادة الإمدادات.

*إنتاج دول أوبك أكتوبر الماضي*

ولا تزال البنوك الاستثمارية الكبرى تبدي نظرة إيجابية لأسعار النفط، إذ يتوقع جولدمان ساكس حفاظ خام برنت على مستويات 85 دولارًا للبرميل في الربع الرابع هذا العام، بل يرى بنك أوف أمريكا أن الأسعار بإمكانها تجاوز 100 دولار للبرميل في شتاء 2022، خاصة مع نقص إمدادات الغاز الطبيعي، الأمر الذي يشجع التحوّل إلى النفط في توليد الكهرباء وما إلى ذلك.

 

التحليل الفني

يخبرنا التشارت المرفق اعلاه بما يدور خلف الكواليس في معركة الأسعار بأن قمة 25 اكتوبر قرب 85 دولار للبرميل الامريكي في اعتقادي لن تكون الأخيرة للنفط وأننا سنتجه فعلا نحو أجواء التسعينات وربما نرى صد لحاجز المائة دولار العنيد قبل منتصف 2022 , وهذا يعني ان سياسات الإدارة الأمريكية على المدى القصير لن تجدي نفعاً بالضغط على الأسعار !! , ولكن يخبرنا التشارت الفني ايضا أن عملية الصعود المرتقبة هذه لن تستمر طويلا !! , حيث أعتقد فنيا أننا في نهاية الموجة الخامسة الصاعدة وبتالي نترقب صعوداً اخيراً ثم عودة الأسعار للتصحيح وبدأ مسار هابط يمتد على مدار العامين المقبلين وأعتقد ان مستوى 50 دولار سيكون مستهدفا للأستقرار حوله.

 

في النهاية، الأسعار ستترقب بحذر رد فعل أوبك على إجراءات السحب من المخزون الإستراتيجي في الإجتماع المقبل للمنظمة , ويبقى الأهم في نظرنا هو الرسائل الجدية التي وجهتها الادارة الامريكية وحلفائها بضرورة خفض أسعار النفط بالقريب العاجل وانهم مستعدون لإتخاذ اجراءات أخرى اذا لزم الأمر ذلك !!!

 

بقلم اياد عارف 

مؤسس موقع نمازون الإقتصادي