في 2019 كان العالم على موعد مع مشروع مبدع ومختلف من عملاق شبكات التواصل الإجتماعي شركة فيسبوك , حيث أعلن مارك زوكربيرج مع حلف ضم 27 مؤسسة عالمية ومالية عن خطتهم لإطلاق مؤسسة (ليبرا) غير الربحية , و إنشاء عملة رقمية جديدة في 2020 تحمل إسمها مدعومة بتكنولوجيا البلوكشن , مستهدفين أكثر من مليار شخص في هذا العالم ليس لديهم حساب بنكي ليقدموا لهم حلول سهلة ومنخفضت التكلفة لتحويلاتهم المالية

 

على الرغم أن هذا المشروع تعرض لموجة هجوم شرسة عالمياً , امريكياً و أوروبياً إلا أن ما يهمنا في هذا المشهد هو النتيجة من إلقاء الحجر في المياه الراكدة , لذا أعتقد أن عالم العملات الرقمية وعشاقها والمؤمنين بها قد أصبحوا مدينين لفيسبوك بالشكر

لقد جعل هذا المشروع السلطات العامة في الكثير من الدول تخشى أن تخاطر بالتخلف عن الركب والمستقبل القادم بقوة وإستيقظت أخيراً لأهمية الموضوع , وربما إستمعت تلك السلطات لدعوات كريستين لاغارد المتعددة منذ 2018 لمواكبة رياح التغيير بإصدار عملاتها رقمية , خصوصا بعد توليها لرئاسة البنك المركزي الأوروبي في نوفمبر 2019 ,  بل ربما أكثر من ذلك , الإنتقال من زاوية الهجوم على فكرة العملات الرقمية إلى زاوية تبني الفكرة ونقاشها , بل أكثر من كل ذلك وأكثر , بالإنتقال مباشرة الى داخل أرض ملعب العملات الرقمية

 

حيث أعلن البنك المركزي الأوروبي الثلاثاء 21 يناير عن تشكيل مجموعة تضم عدد من البنوك المركزية , من أجل تبادل الخبرات وأنهم يقومون بتقييم الخيارات الاقتصادية ودراسة الحالات المحتملة لإصدار عملات رقمية خاصة لكل بنك مركزي في منطقته المحلية , على أن تتكون هذه الهيئة من بنوك إنجلترا واليابان والسويد وفرنسا وسويسرا والبنك المركزي الأوروبي بالإضافة إلى بنك التسويات الدولية , ويترأس هذه المجموعة المصرفي الفرنسي بينوا كوري الذي يرأس أيضًا مبادرة بنك التسويات الدولية الخاصة بالعملات الرقمية بالإضافة إلى نائب محافظ بنك إنجلترا جون كونليف

 

يغيب عن التكتل الجديد لاعب إقتصادي أساسي ولكنه يراقب بحذر , هو الاحتياطي الفيدرالي الذي نأى بنفسه حتى الآن عن مسألة إصدار عملة رقمية , حيث قال  وزير الخزانة ستيفن منوشين إنه ورئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول لا يرون حاجة للولايات المتحدة لإنشاء عملة رقمية في المستقبل القريب , ومع ذلك، قال باول إن الاحتياطي الفيدرالي يراقب أنشطة البنوك المركزية الأخرى لتحديد الفوائد المحتملة من إصدار العملات الرقمية

 

الملفت ايضاً غياب بنك الشعب الصيني عن تلك الهيئة ,  على الرغم من أنه يستعد ليصبح أول بنك مركزي رئيسي يصدر نسخة رقمية من عملته حيث تسعى الصين لتطوير ما يُعرف بـاليوان السيادي

 

اذا , نلخص المشهد بتكتل رقمي بلوكتشيني ( اذا صح التعبير ) , يحمل حلفاً يضم أوروبا واليابان في مواجهة التنين الصيني والمارد الأمريكي على أرض معركة تقنيات المستقبل بالعملات الرقمية , هذه النقلة الأستثنائية للمشهد الاقتصادي يجب الحديث عنها بعناية , فهي سلاح ذو حدين , فمن جانب ستعمق فكرة تبني العملات الرقمية وإنتشارها وإنتقالها من البيئة الغير تنظيمية الى بيئة مشرعنه ووقف الحملات المضادة وهذا إيجابي لأسواق الكريبتو

 

لكن على الحد الاخر , فإن دخول البنوك المركزية كلاعبين أساسيين قد يؤثربشكل مباشر على الفكرة الجوهرية باللامركزية للعملات الرقمية والخروج عن عصى طاعة النظام المالي , وفعليا كتأثير مباشر أعتقد سيكون بشقين :-

أولا : سلبياً اذا تم الدخول في منافسة مباشرة إقصائية , وهذا قد يؤثر على العديد من العملات الرقمية خصوصا التي لا تحمل مشاريع جادة وحقيقية ولا تمتلك شبكاتها الخاصة , بالاضافة ان هذه الشرعنة والقوانيين ستقضي على الكثير من المشاريع الوهمية والكرتونية , فبكل تأكيد ليس صحيا ولا منطقيا أن نرى اكثر من أربعة ألاف عملة رقمية اليوم ناهيك عن حمى ICOs  

 

ثانيا : إيجابياً اذا تم الدخول في شراكات تكاملية , من خلال إيجاد صيغة للإستفادة من الخبرات والتقنيات وإستثمار البيئة المعرفية الحالية للشبكات المنتشرة حول العالم ,  هنا أستذكر حديث براد جارلينجهاوس المدير التنفيذي لشركة الريبل في عدت مقابلات خلال 2019 , تحدث عن انتشار كبير للعملات الرقمية في 2020 وان دخولا مرتقبا للبنوك المركزية سيعطي مزيدا من الزخم للسوق ولن يكون منافسا , لان هذه البنوك المركزية سوف تستخدم بعض مشاريع العملات الرقمية الحالية في التسويات والشبكات والتكنلوجيه . وفي هذه الفكرة تحديدا لاننسى مثلاً , ان شبكة SWIFT  الحالية التي تعتمد عليها كل البنوك المركزية هي مزود من طرف ثالث خارجي , فألا يقرب هذا المثال فكرة الشراكات التكاملية عن المنافسات الإقصائية ؟

 

وربما أحد أهم النقاط في رأيي في هذا الصدد هو عامل الوقت , فأياً كانت خيارات البنوك المركزية وتوجهاتها وقراراتها المستقبلية فهذا الامر سيحتاج للكثير من الوقت قبل أن ترى تلك المشاريع النور , وربما عامل الوقت هو ماقد تحتاجة أسواق الكريبتو لبدأ عملية صعود جديدة مرتقبة

فنيا : في اعتقادي لم يأتي توقيت صدور هذا التحرك العالمي الهام عبثاً , فأسواق العملات الرقمية في مستويات قيعان سعرية بعيدةً عن قممها التاريخية , فقبل نهاية 2019 بدأنا نلمس تحركات ايجابية في السوق أشرت لها في العديد من المقالات السابقة

لاحظ التشارت الفني المرفق أعلاه يعكس مجمل القيمة السوقية لأسواق العملات الرقمية على الإطار الاسبوعي يوضح احجام تداول متنامية اكبر بكثير من أيام اسعار قمم 2017 , وربما اذا أضفنا على ذلك التوجه المؤسساتي نحو الإستثمار في هذه الصناعة المالية وما شهدته من تطور خلال العامين الاخرين قد يصبح المشهد أكثر وضوحا , بأن العملات الرقمية كفكرة وسوق وجدت لتبقى وتزدهر لكل من يستحق منها ويثبت وجوده بمشاريع على أرض صلبة

 

اخيرا , لنتذكر ان التيليكس والفاكس أنهى عمل البريد وهم أيضاً تقلص دورهم بعد إنتشار البريد الالكتروني , فعالم الاتصالات والتواصل تطور بشكل خرافي لكن بقي النظام البنكي منغلقا للداخل على نفسه , ربما بسبب المركزية ومصالح كارتيلات مافيا أصحاب المال , لكن في النهاية , الوقت قادر على أن يغير كل الشيء في الدنيا لنجد أنفسنا أمام نظام مالي جديد يسهل حياة البشر , مع احتفاظ البنوك المركزية على حدود ما من الرقابة بدل ان تخرج نهائيا من اللعبة

 

وإلى أن يتضح المشهد الإخراجي لبطل القصة ستبقى اسواق الكريبتو ترقص حافية القدمين على نار أخبار وتطورات الأحداث القادمة وأعتقد ستزداد السخونة مع الايام بعد الربع الاول من 2020

 

بقلم

اياد عارف

مستشار إقتصادي ومؤسس موقع نمازون