في عام 1999، عاد ستيف جوبز إلى قيادة أبل، وكانت إنتل هي الشركة المهيمنة في مجال أشباه الموصلات، وفي ذلك الوقت ظهرت شركة ناشئة لصناعة الرقائق الإلكترونية تُدعى إنفيديا لأول مرة في سوق ناسداك للأسهم.
لم تستغرق شركة إنفيديا أكثر من ثلاث سنوات للانضمام إلى مؤشر S&P 500، حيث حلت محل شركة إنرون العملاقة لتجارة النفط التي سقطت بعد فضيحة مدوية.
لكن حتى في ذلك الوقت، لم يكن أحد يتوقع أن تصبح أسهم إنفيديا هي الأفضل أداءً خلال الـ 25 عاما الماضية، حيث حققت صعودا إجماليا قدره 591000 بالمئة منذ طرحها الأول للاكتتاب العام، بما في ذلك أرباح الأسهم المُعاد استثمارها، بحسب تقرير على وكالة bloomberg.
إنها نسبة يصعب استيعابها، وهي شهادة إلى حد ما على الهوس المالي الذي يحيط بالذكاء الاصطناعي وكيف أصبح المستثمرون يرون أن شركة إنفيديا - التي تصنع الرقائق الإلكترونية المتطورة التي تُشغل هذه التكنولوجيا - هي الفائز الأكبر بلا منازع في هذا الطفرة التكنولوجية، بحسب التقرير.
أمس الثلاثاء، توجت إنفيديا مسيرتها الصاروخية، بتجاوزها شركة مايكروسوفت لتصبح الشركة الأعلى قيمة في العالم، حيث بلغت القيمة السوقية للشركة 3.34 تريليون دولار عند إغلاق وول ستريت. وهذا العام وحده أضافت الشركة أكثر من 2 تريليون دولار إلى قيمتها.
لم يكن صعود الشركة مضمونًا بأي حال من الأحوال، ولا يُعرف على وجه اليقين قدرتها على البقاء في صدارة مؤشر ستاندرد آند بورز 500.
فقد اضطر المستثمرون القدامى في إنفيديا إلى تحمل ثلاثة انهيارات سنوية بنسبة 50 بالمئة أو أكثر في قيمة الأسهم. من ناحية أخرى فإن الحفاظ على الزخم الحالي يتطلب استمرار العملاء في إنفاق مليارات الدولارات كل ربع سنة على معدات الذكاء الاصطناعي، التي لا تزال عوائد الاستثمار فيها صغيرة نسبيًا حتى الآن.
ومع ذلك، فإن ما مهد الطريق في نهاية المطاف لوصول إنفيديا إلى القمة هو الرهان الكبير الذي قامت به الشركة على رقائق الرسومات، ورؤية الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي جينسن هوانغ بأن الصناعة ستتحول إلى ما يسميه الحوسبة المتسارعة، وهو مجال تتمتع فيه رقائق إنفيديا بميزة تنافسية كبيرة.
يصرح بريان مولبيري، مدير المحافظ الاستثمارية لدى زاكس للاستثمار، قائلًا: يجب أن تمنح فريق الإدارة قدرًا هائلاً من التقدير. لقد استغلوا كل موجة ابتكار في مجال الأجهزة على النحو الأمثل.
خلال الفترة الواقعة بين طرح أسهم الشركة للاكتتاب العام و دخولها إلى مؤشر ستاندرد آند بورز 500، حقق السهم ارتفاعًا بأكثر من 1600 بالمئة، مما منح الشركة قيمة سوقية تقدر بحوالي 8 مليارات دولار. جاء هذا الارتفاع في الوقت الذي انهارت فيه أسهم العديد من شركات التكنولوجيا الأخرى في أعقاب انفجار فقاعة الإنترنت الذي بلغ ذروته في مارس 2000.
مفتاح نجاح إنفيديا المبكر
يعد أحد المفاتيح الرئيسية للنجاح الباهر لإنفيديا يعود لإدراج تقنيتها في أجهزة ألعاب الفيديو مثل إكس بوكس من مايكروسوفت، وبلايستيشن من سوني، حيث أصبحت وحدات معالجة الرسومات GeForce من إنفيديا، أو GPUs، أجهزة يتمناها اللاعبون لأنها كانت تقدم باستمرار تجارب أكثر واقعية.
يقول ريس ويليامز، كبير الاستراتيجيين في وايفي كابيتال مانجمنت، والذي كان من المشترين في الاكتتاب العام الأولي: كان جينسن هوانغ دائمًا متحدثًا رائعًا، يروي قصصا جيدة، ومن الواضح أن وحدات معالجة الرسومات أصبحت أكثر أهمية. كل جيل لاحق من الأجهزة قدم أداء أفضل بكثير، وصورة أكثر واقعية بكثير، ثم ظهرت ألعاب الكمبيوتر الشخصي إلى حيز الوجود.
سنوات من التحديات لإنفيديا
لم تكن السنوات الست التالية مع إنفيديا في أحسن الأحوال.. فقد انهار السهم في عام 2008 بسبب الأزمة المالية التي أدت إلى ضعف الطلب، وبدأ منافسها القديم ادفانسد مايكرو الذي كان يعاني منذ فترة طويلة في استعادة نشاطه.
وفي الوقت نفسه، توترت العلاقة بين إنفيديا وإنتل التي كانت تسمح للشركتين باستخدام قدرات بعضهما البعض، مما أجبر إنفيديا على الخروج من إحدى أكبر أسواقها. واستقرت الشركتان في عام 2011، حيث وافقت إنتل على دفع 1.5 مليار دولار لشركة إنفيديا.
دخلت شركة إنفيديا سوقًا جديدة ومربحة في عام 2012 من خلال إطلاق رقائق رسومات للخوادم الموجودة داخل مراكز البيانات. صُممت هذه الرقائق لتسريع عمليات الحوسبة المعقدة مثل استكشاف النفط والغاز وتنبؤ بالطقس. وعلى الرغم من أن هذه الرقائق لم تحقق نجاحًا فوريًا، إلا أنها منحت إنفيديا موطئ قدم في مجال له آفاق واعدة.
ولكن استغرق الأمر ما يقرب من تسع سنوات حتى تتجاوز أسهم إنفيديا أعلى مستوى لها الذي حققته في عام 2007. وهذا يوضح أن النجاح في سوق التكنولوجيا يتطلب أحيانًا صبرًا ورؤية بعيدة المدى، فقد استغرق الأمر وقتًا حتى يدرك العملاء القيمة الكاملة لتقنية إنفيديا الجديدة.
عاودت أسهم إنفيديا الارتفاع مرة أخرى في عام 2015. خلال تلك الفترة، أصبحت رقائق الشركة أساسًا للتقنيات الناشئة، بدءًا من واجهات الرسومات المتقدمة إلى المركبات ذاتية القيادة إلى موجة جديدة من منتجات الذكاء الاصطناعي.
خلال هذه الفترة، لفتت شانا سيسيل، الرئيسة التنفيذية لشركة Banrion Capital Management، الانتباه حقًا إلى الشركة لأول مرة. ووصفت مؤتمرًا عُقد عام 2017 حيث بدت شركة إنفيديا وكأنها فائزة بمسابقة جمال أكثر من كونها مجرد فرصة استثمار.
تقول سيسيل: كل متحدث تقريبًا أكد أن إنفيديا هي الشركة الأكثر أهمية. وعند تلك النقطة، أصبحت الشركة حقًا على شاشة الرادار الخاصة بي.
حتى بعد تراجع الطلب من معدني العملات المشفرة، استمرت مبيعات مراكز البيانات في النمو. وقد عزز وباء كوفيد-19 هذا العمل، حيث احتاجت الشركات إلى شراء حوسبة إضافية قوية لدعم العمل عن بعد.
كما ارتفعت عائدات مراكز البيانات الخاصة بشركة إنفيديا بمقدار ثمانية أضعاف من السنة المالية 2017 إلى السنة المالية 2021.
تراجعت أسهم إنفيديا في عام 2022 جنبًا إلى جنب مع باقي قطاع التكنولوجيا الذي تضرر من ارتفاع أسعار الفائدة وتراجع الطلب بعد الطفرة التي شهدها عصر كوفيد.
فرصة الذكاء الاصطناعي
حقق إطلاق OpenAI لبرنامج ChatGPT في أواخر عام 2022 نجاحًا فوريًا، لكن استغرق الأمر بعض الوقت حتى يدرك المستثمرون كيف يمكن أن تستفيد شركة إنفيديا من ذلك.
في نهاية المطاف، ومع انفجار الاهتمام ببرنامج ChatGPT وغيره من منتجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، مما أدى إلى زيادة جنونية في طلبات شراء رقائق إنفيديا.
قفزة هائلة
- عندما أبلغت شركة إنفيديا عن أرباح الربع الأول من عام 2023، صدم حجم القفزة في أعمالها الجميع تقريبًا في وول ستريت.
- قدمت إنفيديا توقعات لمبيعات ربع سنوية تزيد عن 50 بالمئة عن متوسط التوقعات.
- تجاوزت مبيعات مراكز البيانات الخاصة بشركة إنفيديا إيرادات الألعاب لأول مرة في السنة المالية 2023.
- يتوقع المحللون أن تتجاوز مبيعات مراكز البيانات الخاصة بشركة إنفيديا حاجز الـ 100 مليار دولار في السنة المالية الحالية.
من جانبه، صرح ويليامز، كبير الاستراتيجيين في وايفي كابيتال مانجمنت، قائلًا: لديهم مكانة قوية للغاية في الصناعة. من الواضح أنهم لن يستطيعوا السيطرة على نسبة 95 بالمئة من حصة السوق إلى الأبد، ولكن سيكون من المستحيل تقريبًا على أي جهة أن تحل مكانهم.