- ليست هناك أية مكاسب تُذكَر مقابل تحمُّل كل هذا الألم المستمر منذ أكثر من أربعين عاما ..

 

- وراء مقتل سليمانى إستراتيجية أكبر تتحقق تباعا ، و فى جميع الاحوال يجب ردع الاعداء بقوة للدفاع عن الحرية .

الصراخ الاول من المظاهرات الطلابية التى خرجت من جامعة طهران فى 11 يناير الجارى ضد نظام المرشد ، و التصريح الثانى لمايك بومبيو وزير الخارجية الامريكى تعقيبا على الاحداث فى ندوة أمام طلاب جامعة ستانفورد بولاية كاليفورنيا !

 

بين قوسى المشهدين يبدو النظام الايرانى محاصرا بشدة لم تسبق من قبل ، و ليس أدل على ذلك من تفاقم الاوضاع الاقتصادية التى لخصها توالى انكماش الناتج المحلى الاجمالى لإيران بنحو 4.8 % فى عام 2018 و تلاه انكماش مضاعف بنحو 9.5 % فى عام 2019 ، الأمر الذى رفع صراخ الداخل و زاد من ردع الخارج ، و لكن كيف يواجهة النظام فى طهران كل ذلك ؟!!!

أولا ... منذ ما يسمى بحراك الثورة الخضراء فى 2009 عقب تزوير الانتخابات الرئاسية لم تشهد ايران احتجاجات شعبية قوية مؤثرة إلا فى نهاية 2017 و أول 2018 تزامنا مع تلويح الادارة الامريكية بالانسحاب من الاتفاق النووى و إعادة فرض العقوبات عليها ، و هو ما تم بالفعل منذ مايو 2018 و فتح ابواب تراجع الاقتصاد الايرانى على مصراعيه ، لترتفع عصبية نظام طهران فى مواجهة اقصى و اقسى ضغوط ادارة ترامب فى التعامل معه ، و التى بلغت ذروة أثارها داخليا فى القمع الدموى للاحتجاجات الشعبية نوفمبر 2019 ردا على رفع اسعار مواد الطاقة بنحو 50% ، وصولا لمظاهرات يناير 2020 المستمرة بعد احداث مقتل قاسم سليماني و اسقاط الطائرة الأوكرانية .

 

إذن صارت العلاقة الطردية واضحة جدا بين مفعول عودة العقوبات الامريكية القاضية بخنق الاقتصاد الايرانى ، و بين عودة الاحتجاجات للشارع التى ارتفعت وتيرتها فى اخر سنتين كما لم يحدث فى السنوات الثمان السابقة لها رغم قسوة تعامل النظام معها .

ثانيا ... يصر الرئيس الامريكي دونالد ترامب منذ الانسحاب المنفرد من الاتفاق النووى على أن الكمية المناسبة لصادرات النفط الايرانى تساوى صفر ، و هو ما تحقق بالفعل فى ديسمبر 2019 حسب تقديرات معهد اكسفورد اكونوميكس ، و ذلك بعد خطوات ممنهجة لتحجيم و حصار صادرات نفط ايران التى هوت من 1.2 مليون برميل يوميا فى 2018 الى أقل من 350 الف برميل فقط بنهاية الربع الثالث من 2019 ، تخللها انقضاء الاعفاء الامريكى لحظر استيراد النفط الايرانى لثمان دول و تتبع و توقيف ناقلات النفط الايرانية حول العالم ، و هو ما ينتج عنه حرمان نظام طهران من عوائد مليارية تشل حركته عن التوسع فى دول النفوذ التى للمفارقة المقصودة تشهد كلها حاليا اضطرابات حادة من العراق و سوريا مرورا بلبنان وصولا لليمن .

إذن بات النظام الايرانى منزوعا الآن من قوة النفط الى حين ... تلك القوة التى تمكنه عوائدها من اطفاء حرائق الداخل و تمدد اذرعه بالخارج و تمنحه ايضا موقف تفاوضى جيد فى حماية الاتفاق النووى مع حلفائه الأوروبيين ، و هو ما يتبدد حاليا بتفعيل فرنسا و المانيا الية فض النزاعات ضد طهران و كذلك تأييد بريطانيا لاستبدال الاتفاق الحالى باتفاق نووى جديد يرضى عنه ترامب .


ثالثا ... يستمر النظام الايرانى المسيطر على كافة القطاعات الانتاجية و الخدمية بالبلاد فى مجاراة الانهيار الراهن بنظرية الاقتصاد المقاوم عن طريق ضخ استثمارات كبيرة فى الصناعات المحلية الاستراتيجية و تمويل الانفاق الحكومى بطباعة المزيد من العملة المحلية التى يختصر مشهد تراجعها المروع سعر صرف الريال الايرانى ، ففى عام 1979 كان الدولار الامريكى يساوى أقل من 70 ريال ، أما فى عام 2019 وصل الدولار الواحد لأكثر من 120 الف ريال ، و هو ما خلف أزمة تضخم حادة تصل حاليا لأكثر من 40% و نحو 25 % بطالة حسب البيانات الرسمية للبنك المركزى الايرانى .

 

إذن يبدو النظام الحالى امام مفترق حقيقى صعب و متعدد الاتجاهات ، أما أن يتراجع تدريجيا أمام الرغبات الغربية و يدور على موائد المفاوضات بغية تخفيف العقوبات و التقاط الانفاس سياسيا و اقتصاديا ، و أما ان يخوض مواجهات عسكرية متقطعة لتحفيز الشعب و الاقتصاد الذى لن يتحمل مخاطر تلك المغامرات الجنونية مجددا ، و أما أن يأكل النظام نفسه بنفسه ملقيا بكل هذا الانهيار الاقتصادى على شماعات العقوبات الخارجية مستعرضا نظريا تماسكه أمام صراخ الداخل و ردع الخارج الى حين .