تراهن أغلب الدوائر الغربية على أستحالة أحتفال إيران فى 2029 باليوبيل الذهبى لثورتها التى أتمت هذا العام ذكراها الاربعين ... مراهنة تنبع من نتائج مسيرة النظام هناك خاصة الاقتصادية منها التى تشهد تضارب فى أرقامها الحقيقية بين المؤشرات التجميلية الرسمية فى ظل أشتداد قبضة العقوبات المتتالية و بين البيانات الغربية التى تخلط واقع إيران الداخلى برغبات خارجية فى تغيير المشهد ككل  ...

ثنائية عجيبة تشهدها إيران فالنظام هناك أخترع نفسه و أخترع نظام مواز له فى قالب واحد و ما بين قوسيهما يعيش الشعب ، و هى ثنائيه من الطبيعى ان تخلق اضطرابات فى اى وقت و تحت اى مسمى ، مثلما حدث فى 2009 حيث الثورة الخضراء بأسبابها السياسية اعتراضا على نتائج انتخابات الرئاسة وقتها ... 

و مثلما حدث فى نهاية 2017 و الربع الاول من 2018 حيث الاحتجاجات الشعبية على الاوضاع الاقتصادية و الفساد الحكومى و تفشى البطالة و اختلال المعادلات الاجتماعية و الاقتصادية فى البلاد مع سيطرة الحرس الثورى الباسدران الذى يقدر بأكثر من 125 الف فرد على ما يزيد عن ثلث الاقتصاد الايرانى ، بالاضافه لسلسة معقدة من المنتفعين و التابعين له تهيمن على نحو ثلث اخر ...  و ربما طفو البخار الكثيف لتلك المعطيات و الاحداث يعود لتراكم مستمر منذ أربعة عقود تترجمه بعض  المؤشرات المتباينة كما يلى ...

اولا - العملة الوطنية 

-فى عام 1979 كان الدولار الامريكى يساوى نحو 70 ريال ايرانى 

-فى عام 2019 وصل الدولار الواحد الى اكثر من 120 الف ريال ايرانى بأنهيار كل سنة بلغ 4200 % و بنسبة أجمالية مخيفة خلال الاربعين عام الماضية بأكثر من 171 الف % 

ثانيا - معدل الأجور

-فى عام 1979 وصل الحد الادنى للأجور فى دولة ايران النفطية عند 243 $ شهريا 

-أما فى 2019 و بعد انهيار العملة الوطنية و ازدياد قوة الدولار وصل الحد الادنى للأجور نحو 105 $ شهريا 

ثالثا - معدلات التضخم و البطالة 

-فى عام 1979 بلغ معدل تضخم الاسعار نحو 10 % فقط و ظل يتأرجح طول عشر سنوات تاليه حول هذة النسبة طبقا للمؤشرات الرسمية 

-أما خلال عام 2018 قدر معدل التضخم السنوى بنحو 60 % و البطالة عند 12.1 % رسميا ، و لكن البيانات الخارجية تقول أن المعدل الفعلى للتضخم قفز الى نحو 230 % مع ارتفاع معدل البطالة الى اكثر من 22 % من القوة العاملة فى البلاد 

رابعا - معدل الفقر

المؤشرات الرسمية الايرانية تقول أن معدل الفقر انخفض فى البلاد خلال 40 عاما بنحو 85 % ، أما المؤشرات الداخلية الغير رسمية ترى العكس حيث 60 % من الشعب الايرانى البالغ عدده اكثر من 81 مليون نسمة يعيش تحت خط الفقر المقدر رسميا بنحو 303 $ شهريا نحو 36 مليون ريال ايرانى ، بينما الحد الادنى للأجور لا يزيد عن 105 $ شهريا نحو 12 مليون ريال ايرانى !

و يتعدد ضباب المؤشرات السلبية فى ظل انسحاب أمريكى منفرد من الاتفاق النووى مع ايران فى مايو 2018 و عودة قيود العقوبات الاقتصادية الامريكية خاصة على قطاعى البنوك و النفط ، و التى تستهدف بحلول النصف الثانى من 2019  تصفير الصادرات النفطية الايرانية البالغة حاليا 1.2 مليون برميل يوميا 

و كذلك تنشيط تحركات دولية داعمة للعقوبات الامريكية بأنسحاب الشركات العالمية من السوق الايرانى ، و تخيير الولايات المتحدة للأتحاد الاوروبى بالتعامل التجارى معها او مع ايران بسبب السعى الاوروبى الداعم للاتفاق النووى حتى الآن بتفعيل قناة مالية للتجارة مع ايران رغم العقوبات الامريكية ... 

هذا بجانب الشق السياسى الذى تلعب عليه الادارة الامريكية لحصار طهران بتسريب طلب جون بولتون مستشار الامن القومى خطط عسكرية من البنتاجون لضرب ايران فى سبتمبر 2018 ، وصولا لتكوين تحالف دولى ضد ايران على غرار التحالف الدولى ضد داعش و اقرب ترجمة لذلك عقد مؤتمر قمة الشرق الاوسط فى بولندا يومى 13 و 14 فبراير الجارى برعاية أمريكية و بحضور 79 دولة و 4 منظمات دولية ، بالتزامن مع ذكرى الثورة الاربعين و عقد القمة الثلاثية روسيا تركيا ايران لمناقشة الملف السورى

قمة بولندا التى تنتقدها ايران و تصفها بالسيرك الدولى ، تدعو الى مكافحة الارهاب و غسيل الاموال و تأمين امدادات الطاقة فى ظل ضبط سلوك ايران فى الشرق الاوسط خاصة مع استمرارها فى تطوير الصواريخ الباليستية و تدخلها الواضح فى العراق و سوريا و اليمن ، و كذلك عزمها المعلن  لأعادة تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 % فى اول خرق فعلى من جانبها للأتفاق النووى 

اخيرا ... فى خضم هذا المشهد المعقد تحاول طهران ظاهريا مراجعة توجهاتها الذاتية لتهدئة الداخل المضطرب بالحديث عن العدالة الاجتماعية و محاربة الفساد ، بالاضافة لتصدير شعارات الصمود و الممانعة فى ظل معاناة اقتصادية مستمرة ، و على جانب أخر لا تبدى ايران اى مرونة واقعية أو منطقية فى التعامل مع الخارج كان اخرها دعوة الرئيس حسن روحانى للادارة الامريكية بالتوبة عن افعالها ضد ايران التى ستسامحها فى المقابل ! ... متناسيا حقيقة ماثلة أمام الجميع مفاداها أن الاقتصاد الامريكى أكبر بنحو 44 ضعف من الاقتصاد الايرانى ، و أن العالم ينحاز فى نهاية المطاف لأستمرار و نمو مصالحة مع القوى الكبرى .