تباين أداء الأسواق المالية العالمية حتى أواخر شهر يوليو الماضي نظراً لتباطؤ زخم الأداء القوي للبيانات الاقتصادية وارتفاع مخاوف التضخم وتوقع تطبيق سياسات نقدية أكثر تشدداً، بالإضافة إلى قيام الصين بتشديد الضوابط التنظيمية لقطاع التكنولوجيا، هذا بجانب استمرار حالة عدم اليقين بشأن الفيروس، بما في ذلك اتساع نطاق تفشي سلالة دلتا المتحورة شديدة العدوى.

 

فعلى سبيل المثال، بحسب تقرير بنك الكويت الوطني تلقى موقع (نمازون) نسخته اليوم، تراجعت عائدات سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات إلى أدنى مستوياتها المسجلة في خمسة أشهر (1.23%) إلا ان غالبية أسواق الأوراق المالية خارج الصين (-6%) سجلت نمواً.

 

وفي غضون ذلك، تضمن أحدث اصدار لمستجدات آفاق نمو الاقتصاد العالمي الصادر عن صندوق النقد الدولي في يوليو تأكيد الصندوق على أن الضغوط الوبائية لم تتراجع بأي حال من الأحوال.

 

وأبقى صندوق النقد على توقعات النمو العالمي لعام 2021 دون تغيير عن التوقعات الصادرة في أبريل عند مستوى 6%، إلا أنه قام برفع توقعات الاقتصادات المتقدمة (5.6 %) وخفض توقعات الأسواق الناشئة (6.3%) فيما يعكس جزئياً تباين سياسات الدعم وتوزيع اللقاحات مما قد يؤدي إلى استمرار الجائحة في العديد من الدول الفقيرة لبعض الوقت.

 

من جهة أخرى، بقي أسعار مزيج خام برنت أعلى من 70 دولاراً للبرميل في أواخر الشهر الماضي بالرغم من الضغوط البيعية المؤقتة في منتصف يوليو، إذ أخذت الأسواق في اعتبارها استمرار تعافي الطلب العالمي بالإضافة إلى توصل الأوبك وحلفائها إلى اتفاق لتقليص تخفيضات الإنتاج الحادة التي تم تطبيقها سابقاً وذلك على نحو تدريجي بنهاية العام المقبل.

 

 

استمرار قوة بيانات الاقتصاد الأمريكي، والتضخم يصل إلى أعلى مستوى في 30 عاماً

 

ما تزال البيانات الاقتصادية الأمريكية قوية بصفة عامة، إلا انه بعض الدلائل تشير إلى تباطؤ زخم الانتعاش في ظل نقص الإمدادات وارتفاع الأسعار وعودة تزايد حالات الإصابة بسلالة دلتا المتحورة مما أدى إلى تشديد بعض الإجراءات الوقائية.

 

وقد نما الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثاني من العام بوتيرة سنوية قوية، إلا أنها جاءت أبطأ من المتوقع، وبنسبة 6.5% مقابل 6.3% في الربع الأول وذلك نظراً للطلب المكبوت، هذا إلى جانب إعادة فتح أنشطة الاقتصاد وتحسن ثقة المستهلك مما ساهم في تعزيز الإنفاق الاستهلاكي.

 

إلا أن مؤشر مديري المشتريات تراجع إلى 59.7 في يوليو - ليصل إلى أدنى مستوياته المسجلة في 4 أشهر، بالرغم من اتساقه مع تحقيق معدلات نمو قوية.

 

كما أن تباطؤ وتيرة تعافي سوق العمل ما زالت من أبرز مصادر القلق: إذ بلغت طلبات الحصول على اعانات البطالة الجديدة أعلى مستوياتها في 9 أسابيع بحلول منتصف يوليو، لكن ما يزال من الصعب تفسير الوضع الأساسي بسبب سياسات الدعم الحكومية المؤقتة والتحولات المحتملة على المدى القصير من تغيير في أنماط الطلب.

 

وأبقى مجلس الاحتياطي الفيدرالي سياسته النقدية دون تغيير في أواخر يوليو كما كان متوقعاً وذلك على الرغم من اقراره بأن الانتعاش الاقتصادي بدأ يحرز تقدماً وأنه قد يتم خفض عمليات شراء السندات بقيمة 120 مليار دولار شهرياً خلال الأشهر المقبلة.

 

وواصل رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جاي باول التقليل من أهمية مخاوف التضخم على الرغم من ارتفاع قراءة مؤشر أسعار المستهلكين إلى 5.4% على أساس سنوي في يونيو الماضي، هذا إلى جانب وصول معدل التضخم الأساسي إلى أعلى مستوياته المسجلة في 30 عاماً عند مستوى 4.5% - ليتجاوزا بذلك توقعات السوق.

 

وبالفعل، فإن جزءاً كبيراً من ارتفاع الاسعار الحالي كان مدفوعاً ببعض العوامل التي قد تكون مؤقتة بما في ذلك الطاقة (+ 25% في يونيو، والمرتبطة بارتفاع أسعار النفط)، وكذلك السيارات المستعملة (+ 45%، المرتبطة بنقص الرقائق الالكترونية الذي يؤثر على إنتاج السيارات الجديدة)، وأسعار تذاكر الطيران (+ 25%، على خلفية تزايد الطلب على السفر) - والتي تتسق جميعها مع فرضية الفيدرالي بأن ارتفاع معدلات التضخم تعتبر من الأمور المؤقتة.

 

إلا أنه كلما طالت فترة استمرار ضغوط الأسعار المؤقتة أو الخاصة بقطاع معين، زادت أيضاً مخاطر إمكانية تسربه إلى أجزاء أخرى من الاقتصاد. كما انه نظراً لأطر السياسات النقدية الجديدة التي أعلن عنها البنك والتي تستهدف ارتفاع معدلات التضخم لفترة من الوقت فقد ارتفع احتمال أن يخطيء الاحتياطي الفيدرالي ويقوم باتباع سياسات نقدية توسعية في ظل وجود ضغوط تضخمية دائمة.

 

 

استمرار الانتعاش الاقتصادي في منطقة اليورو ودلتا يثقل كاهل النمو

 

بدأ النشاط الاقتصادي في منطقة اليورو يلحق بالولايات المتحدة، وإن كان تزايد حالات الإصابة مؤخراً بسلالة دلتا المتحورة بدأ يثير بعض المخاوف خاصة بالنظر إلى تأثيره المحتمل على موسم السياحة خلال فصل الصيف.

 

وكان نمو الناتج المحلي الإجمالي أقوى من المتوقع بنسبة 2.0%، على أساس ربعي، وبنسب أسرع من الولايات المتحدة الأمريكية، بالرغم من أنه ما زال أقل من نسب النمو قبل الجائحة بنسبة 3%.

 

ووصل مؤشر مديري المشتريات المركب إلى أعلى مستوياته المسجلة في 21 عاماً عند 60.6 في يوليو بما في ذلك ارتفاع مؤشر قطاع الخدمات إلى 60.4 ، إذ أدت إجراءات إعادة فتح أنشطة الاقتصاد في وقت مبكر عما كان متوقعاً إلى زيادة الطلب وتعزيز معدلات التوظيف.

 

ونظراً للاتجاهات التي اتخذها الفيروس مؤخراً، فقد تمثل تلك القراءات مستويات الذروة على المدى القريب، وبالفعل تراجعت معنويات تفاؤل الشركات تجاه أداء العام المقبل إلى أدنى مستوياتها المسجلة منذ فبراير الماضي.

 

من جهة أخرى، أبقى البنك المركزي الأوروبي على سياسته النقدية الرئيسية في يوليو دون تغيير كما كان متوقعاً، إذ احتفظ بمعدل الفائدة على الودائع عند مستوى -0.5% وأبقى على المستوى المستهدف لبرنامج طوارئ شراء السندات بقيمة 1.85 تريليون يورو حتى نهاية مارس 2022.

 

وكان هذا أول اجتماع يعقده البنك بعد إعلانه عن تغيير مستوى التضخم المستهدف من قريباً من 2% ولكن أقل منها إلى هدف متماثل بنسبة 2%. ويساهم اعتماد مستوى مستهدف أكثر ارتفاعاً للتضخم في افساح مجال أوسع للبنك لتيسير سياساته على الرغم من أن السياسات الحالية ما زالت تيسيرية للغاية، وبالتالي فإن نطاق القيام بذلك على المدى القريب يعد محدوداً إلى حد ما.

 

كما قام البنك بوضع توجيهات مستقبلية جديدة، معلناً أن التضخم يجب أن يصل إلى مستواه المستهدف قبل وقت طويل من نهاية أفق توقعاته لمدة 3 سنوات قبل القيام برفع أسعار الفائدة. وفي ظل التوقعات الحالية للبنك بأن يصل معدل التضخم إلى 2% في عام 2024 على أقرب تقدير، يعني هذا أن أول قرار لرفع أسعار الفائدة قد لا يحدث حتى النصف الثاني من العقد الحالي.

 

وفي المملكة المتحدة، ، رفعت الحكومة العديد من القيود المتعلقة باحتواء الجائحة في 19 يوليو الماضي في ظل تلقي 70% من جميع البالغين الآن لجرعات كاملة من اللقاح، على الرغم من زيادة حالات الإصابة (على خلفية تفشي سلالة دلتا المتحورة) لتقارب بذلك مستويات الذروة المسجلة في يناير - وان كانت بدأت في التراجع منذ ذلك الحين.

 

ومن المتوقع أن يستفيد النشاط الاقتصادي من ذلك، إلا أن استمرار الاحترازات الطوعية، والغياب عن العمل الناجم عن استمرار نظام تتبع المخالطين بالفيروس وإمكانية ظهور بعض حالات الإصابة في وقت لاحق نتيجة لإعادة فتح أنشطة الاقتصاد، قد يؤثر سلباً على الوصول إلى مستويات الانتعاش الاقتصادي الكامل.

 

وارتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.8% على أساس شهري في مايو وقد يرتفع بنسبة 5% على أساس ربع سنوي في الربع الثاني من عام 2021 بصفة عامة، لكنه سيظل أقل بنسبة 4% عن مستويات ما قبل الأزمة. وفي ذات الوقت، قفز معدل التضخم إلى أعلى من المستهدف المقرر بنسبة 2.5% على أساس سنوي في يونيو.

 

بينما يشير بعض أعضاء لجنة السياسة النقدية في بنك إنجلترا إلى قلق متزايد بشأن ارتفاع الأسعار، من المرجح أن ينتظر تقليص برنامج التيسير الكمي للبنك حتى يصبح تأثير انهاء البرنامج الحكومي لدعم العمالة في سبتمبر أكثر وضوحاً.

 

 

الاقتصاد الياباني تحت الضغط مع بدء الألعاب الأولمبية

 

يحاول الاقتصاد الياباني جاهداً التخلص من أعباء الجائحة بعد أن فرضت الحكومة تدابير شبه طارئة في طوكيو والمدن الكبرى الأخرى للحد من انتشار الفيروس في ظل زيادة حالات الإصابة، إذ تضاعفت حالات الاصابة في كافة أنحاء البلاد في الأسبوع المنتهي في 27 يوليو، مع الاعلان عن 7,619 حالة إصابة جديدة. فيما تم تلقيح حوالي 23% فقط من سكان اليابان بشكل كامل في ظل تباطؤ وتيرة حملة اللقاحات أكثر مما كان متوقعاً.

 

وكانت الألعاب الأولمبية التي تم تأجيلها قد بدأت في منتصف يوليو وسط إجراءات احترازية مكثفة بما في ذلك عدم حضور الجماهير (والمعارضة الشديدة من قبل الشعب الياباني) وفي ظل تلك الظروف، من المحتمل أن يكون التعزيز الاقتصادي من الألعاب الأولمبية محدوداً.

 

وتراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.0% على أساس فصلي في الربع الأول من العام على الرغم من أنه قد يكون قد ارتفع بنسبة 0.4% في الربع الثاني، إلا أن النمو ما يزال يتعرض لبعض الضغوط.

 

وتراجعت قراءة مؤشر مديري المشتريات المركب لشهر يوليو إلى 47.7 مقابل 48.9 في يونيو، مع وصول مؤشر قطاع الخدمات إلى 46.4 فقط في ظل استمرار القيود المفروضة للحد من الفيروس طوال الشهر.

 

ومن الأمور المشجعة أن الصادرات ارتفعت بنسبة 49% على أساس سنوي في يونيو، وهو الشهر الرابع على التوالي من المكاسب مزدوجة الرقم مما ساهم في تعزيز آمال الانتعاش على خلفية نمو الصادرات على الرغم من استمرار انحرافه نتيجة للعوامل الاساسية الناجمة عن تفشي الجائحة العام الماضي.

 

وفي ذات الوقت، أبقت الحكومة في تقريرها الاقتصادي الشهري عن شهر يوليو على تقييمها العام دون تغيير منذ يونيو مع استمرار الضغوط الناجمة عن الجائحة التي قد تواصل إحداث اضطرابات في النشاط الاقتصادي حتى تمر الموجة الأخيرة من الإصابات ويتم رفع القيود.

 

 

الاقتصاد الصيني يسجل نمواً معتدلاً

 

في الصين، ووسط مخاوف متجددة تجاه أوضاع الجائحة، وإعادة فرض قيود السفر في بعض المقاطعات، وتزايد المخاوف بشأن تأثر أنشطة الأعمال نتيجة لارتفاع أسعار السلع الأساسية واضطرابات سلسلة التوريد، كشفت البيانات الأخيرة عن مزيد من المؤشرات الدالة على تحقيق انتعاش اقتصادي معتدل.

 

وفي ظل ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.3% على أساس ربع سنوي وصل معدل النمو على أساس سنوي إلى 7.9% في الربع الثاني من عام 2021 بعد أن بلغ 18.3% في الربع السابق، أي أقل من التوقعات التي أشارت إلى تسجيل نمواً بنسبة 8.1%.

 

بالإضافة إلى ذلك، تباطأت وتيرة نمو مبيعات التجزئة في يونيو إلى أدنى مستوياتها منذ ديسمبر (+ 12.1% على أساس سنوي)، بينما ارتفع الناتج الصناعي بنسبة 8.3% على أساس سنوي، فيما يعد أدنى المعدلات المسجلة في 6 أشهر، وإن كان أعلى من توقعات السوق نظراً لتسجيل معدلات الاستهلاك والإنتاج لنمو معتدل خلال الموجة الأخيرة من تفشي الفيروس.

 

من جهة أخرى، قرر البنك المركزي خفض نسبة الاحتياطي الالزامي بمقدار 0.5 نقطة مئوية اعتباراً من 15 يوليو. ومن المتوقع أن يؤدي هذا القرار إلى تحرير نحو 1 تريليون يوان (154.4 مليار دولار) من الأموال طويلة الأجل للمساعدة في تعزيز الانتعاش الاقتصادي.

 

وأثار التخفيض المفاجئ لنسبة الاحتياطي الالزامي التكهنات بشأن تطبيق المزيد من تدابير التيسير النقدي. إلا أن البنك المركزي أبقى على أسعار الفائدة ثابتة للشهر الخامس عشر على التوالي في اجتماعه المنعقد في 20 يوليو.

 

وتسببت السلطات التنظيمية أيضاً في حالة من الذعر الدولي بسبب استمرار الحملة التنظيمية الصارمة على بعض مؤسسات التعليم الخاص وكذلك شركات التكنولوجيا الكبرى، التي عانت تقييماتها السوقية، مما قد يؤدي إلى قيام المستثمرين الأجانب بربط الأصول الصينية بارتفاع المخاطر.

 

 

انحسار موجة الإصابة بالفيروس ستساهم في تعزيز أداء الاقتصاد الهندي

 

في الهند، وبعد الارتفاع الحاد في عدد حالات الإصابة بالفيروس ووصول الإصابات الجديدة إلى أكثر من 400 ألف حالة يومياً في مايو، انخفضت الحالات منذ ذلك الحين بشكل كبير إلى حوالي 38 ألف حالة كما في أواخر يوليو، وارتفعت معدلات نشر اللقاحات (الجرعة الأولى) إلى 25% من السكان.

 

وتعتبر تلك التطورات بادرة مشجعة على أن الانتعاش الاقتصادي الذي بدأ في أوائل العام قد يستعيد زخمه. هذا وما تزال المؤشرات المختلفة تشير إلى ضعف الأداء في يونيو، مثل تقارير خفض الأجور واستمرار فقدان الوظائف، وتراجع معدلات الطلب، وهو الأمر الذي انعكس على مؤشر مديري المشتريات المركب الذي شهد مزيداً من الانخفاض ودخل مرحلة الانكماش بوصول قراءته إلى 43.1 مقابل 48.1 في مايو.

 

وفي ضوء تلك التطورات السلبية، قام صندوق النقد الدولي في يوليو بخفض توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي الهندي للسنة المالية 2021/2022 إلى 9.5% مقابل 12.5% في تقديراته الصادرة في أبريل الماضي.

 

ومن المتوقع أن ترسم البيانات المرتقبة على المدى القريب صورة أكثر تفاؤلاً على نحو تدريجي، في ظل تحسن أوضاع تفشي الفيروس وتخفيف القيود على التنقل مما يساهم في تعزيز مستويات الثقة والتوظيف والأجور والطلب ويساعد على استعادة زخم الانتعاش.

 

وفي واقع الأمر، ارتفع مؤشر ثقة المستهلك الصادرة عن Refinitiv-Ipsos بوتيرة متواضعة في شهري يونيو ويوليو مما يشير إلى تحسن الأوضاع. إلا ن المخاطر ما تزال قائمة بسبب استمرار ارتفاع معدلات التضخم (6.3% في يونيو)، ومحدودية الحيز المتاح امام السياسات النقدية، وارتفاع مستويات الدين الحكومي (حوالي 89% تقريباً من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020 وفقاً لصندوق النقد الدولي)، بالإضافة إلى حالة عدم اليقين الناتجة عن استمرار انتشار الفيروس.