خلال النصف الاول من 2019 تراجعت استثمارات الصين فى سندات الخزانة الامريكية بنحو 14 مليار دولار فقط لتصل بنهاية يونيو الماضى الى نحو 1112.5 مليار دولار لتحل فى المركز الثانى عالميا بعد اليابان - حسب تقرير وزارة الخزانة الامريكية منتصف اغسطس الجارى .

 

و يعد قيمة تخفيض الصين من حيازتها لسندات الخزانة رقما صغيرا للغاية بالمقارنة بحجم استثماراتها الهائلة فى أدوات الدين الامريكية ، هذا على الرغم من الحرب التجارية المفتوحة بين واشنطن و بكين ، ليطفو السؤال المحورى ...لماذا لا تستخدم الصين سلاح بيع أو تخفيض كبير لحيازتها من السندات الامريكية فى مواجهة ضغوط ترامب الاقتصادية ؟! 

 

الاجابة الوافية تحتاج لكشف زوايا فعالة فى المشهد كله من خلال التالى ...

اولا ... من يملك الديون الامريكية ؟!

يتجازو الدين العام الفيدرالي للولايات المتحدة الامريكية حاليًا حدود 22 تريليون دولار ، و هو موزع بين 8.1 تريليون دولار من الديون تحتفظ بها إدارات الحكومة الأمريكية ، و نحو 7.6 تريليون دولار أخرى من الديون يمتلكها مستثمرون محليون ، و أكثر من 28.6 % اى نحو 6.3 تريليون دولار تملكه دول أجنبية مثل اليابان و الصين كأكبر ملاك للديون الامريكية .

 

ثانيا ... لماذا تستثمر الصين فى سندات الخزانة الامريكية؟!

تملك الصين احتياطيات نقدية هائلة تقدر بنحو 3.12 تريليون $ يمثل الدولار الامريكى الشريحة الاولى فيها ، كما أنه يستحوذ على أكثر من 60% من احتياطيات العالم النقدية و أكثر من 40% من المعاملات المالية الدولية ، ونتيجة لاتساع أنشطة الفائض التجارى مع واشنطن لصالح بكين يعمل بنك الشعب الصينى على شراء الدولارات من المصدرين المحليين مقابل اليوان و اعادة استثمار بعضها فى سندات الخزانة الامريكية لمنع اختلالات تدنى مستوى الدولار و رفع مستوى اليوان مما يضر بصادرات التنين الصينى .

 

ثالثا ... ما هو موقف الصين من احتياطيات الذهب عالميا ؟

رسميا تملك الصين نحو 1926 طن من احتياطيات الذهب المركز السادس ، و تشكك العديد من المؤسسات الدولية فى هذا الرقم مدعية اخفاء الصين حقيقة احتياطياتها من المعدن النفيس لأسباب تتعلق بالعلاقة العكسية النسبية بين الدولار و الذهب من ناحية و العلاقة الطردية النسبية بين النفط و الذهب من ناحية اخرى ، فلا يستقيم أن تكون الصين اكبر دول العالم طلبا على المجوهرات الذهبية بنحو 321 طن خلال النصف الاول من 2019 و أكبر مستوردى النفط بالعالم و يكون هذا حقيقة موقف احتياطياتها من الذهب الذى تقول الصين عنه انه جزء من تنوع استثماراتها فقط ! 

 

رابعا ... الصين و سندات الخزانة الامريكية 

1- تظل سندات الخزانة الامريكية أكثر أدوات العالم المالية أمانا حيث قوة الاقتصاد الامريكى الاول عالميا و استقرار الحالة السياسية الامريكية الفريدة على مدار ثلاثة قرون ، ليشكل هذا السبب الرئيسى المبرر المنطقى لتهافت فوائض العالم المالية على الاستثمار فى تلك السندات .

2- لو تخلت الصين عن صبرها الطويل فى مواجهة الالعاب الامريكية القاسية ستفقد رافدا اساسيا لأستثمارات دولاراتها الفائضة من جانب ، و ستخلق فرصا كبيرة لدول و مؤسسات أخرى لتحل محل حصتها المفقودة فى سوق السندات الامريكية التى سترتفع عائداتها مجددا بالتدريج .

3- حينها ستتجة بعض فوائض البنوك الامريكية الهائلة التى تقدر بنحو 1.4 تريليون دولار فى الاستثمار فى سندات الخزانة مما ينشط دورة النمو فى الاقتصاد الامريكى ، و هو ما يحقق رغبة ترامب الداخلية فى خفض الفائدة على الدولار .

4 - حال قيام الصين بتخفيض كبير فى حيازتها لسندات الخزانة الامريكية ستنخفض قيمة الدولار الامريكى بصورة كبيرة تدعم قوة الصادرات الامريكية فى مواجهة الصادرات الصينية التى تستفيد بأستمرار من خفض حكومة بكين المركزية لقيمة اليوان الذى تجاوز حاجز السبعة يوانات للدولار الواحد لأول مرة منذ الازمة المالية العالمية بهدف تقليل أثر الرسوم الجمركية المتتالية من ادارة ترامب على الصادرات الصينية .

5 - ستتوجه فوائض بيوع الصين لسندات الخزانة الامريكية الى عملات اخرى مثل اليورو و الاسترلينى مما يرفع تكلفة الواردات القادمة الى الصين اكبر مستورد فى العالم بشكل عام ، حينها تتكشف حقيقة احتياطيات الصين من الذهب الذى سترتفع اسعاره لعنان السماء و كذلك اسعار النفط المهم جدا للنشاط التصنيعى فى البلاد الذى سيتراجع دعم بكين الكبير له ، و كذلك ترتفع ايضا تكاليف ديون الصين المعلنة و يتكشف المستور عن ديونها الرديئة .

 

اخيرا ... تبدو السندات الامريكية مثل اليد الكبيرة التى تضبط وفورات الدولار و توزان المصالح المتبادلة و لا تفلت من قبضتها أيا من مراكز القوى الاقتصادية الكبرى حول العالم ... فهل تجرؤ الصين ؟! 

 

بقلم خبير الأسواق العالمية

 محمد مهدى عبد النبى