في حدث لم نشهده منذ 20 عامًا يقترب اليورو من سعر التعادل مع الدولار الأمريكي، بعد أن تلقت العملة الأمريكية الدعم على مدى الأشهر الماضية؛ حيث لجأ المستثمرون إلى أصول الملاذ الآمن، وسط المخاوف بشأن الحرب الروسية الأوكرانية وتسارع التضخم وتشديد السياسة النقدية، فماذا يعني التعادل بالنسبة إلى المستثمرين والاقتصاد وما أسباب ذلك؟ هذا ما سوف نسلط عليه الضوء في المقال التالي,,,
كثر الحديث عن التعادل بين اليورو والدولار في الأسبوع الماضي، بعدما وصل سعر اليورو إلى 1.03 دولار، وهو المستوى الأدنى في 5 سنوات، قبل أن يرتفع نسبيًا إلى 1.07 دولار في الوقت الحالي، بعد أن قلصت الورقة الخضراء مكاسبها إلى حد ما وتراجعت عن أعلى مستوى في 20 عامًا.
ورغم ذلك، فإن الاتجاه الهبوطي لليورو أمام الدولار ليس وليد العام الحالي فقط، بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، ولكنه بدأ منذ مايو 2021، حينما وصل اليورو إلى 1.23 دولارًا، ليتراجع منذ ذلك الحين، حيث بدأ الحديث عن اتجاه الاحتياطي الفيدرالي إلى إنهاء سياسته النقدية التيسيرية مع تعافي الاقتصاد من تداعيات فيروس كورونا.
اليورو تحت الضغط
في وقت كانت فيه العملة الأوروبية الموحدة تحت الضغط أمام قوة الدولار بالفعل، جاء الغزو الروسي لأوكرانيا وما تبعه من أزمة في قطاع الطاقة، ليزيد الطين بلة، حيث فقد اليورو 7% من قيمته أمام الورقة الخضراء منذ بداية العام الجاري، وأكثر من 12% خلال الـ12 شهرًا الماضية.
وزادت هذه الخسائر من تكهنات وصول اليورو إلى مستوى التعادل مع الدولار، وهو الأمر الذي حدث آخر مرة عام 2002 عند مستوى 0.86 دولار ومنذ ذلك الحين لم تتراجع العملة الأوروبية دون سعر التعادل، وفي الحقيقة لا يعني اقتراب الوصول إلى التعادل هو أن يتحقق فعلًا، فقد رأينا ذلك في أواخر عام 2016، حينما فاز الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بالرئاسة وتزايدت توقعات تشديد سريع للفائدة الأمريكية، ووصل سعر اليورو حينذاك إلى 1.04 دولار. ثم عاد الى مستوى 1.25
ورغم ذلك، تلاشت توقعات حدوث التعادل، بعدما استعاد الاقتصاد الأوروبي قوته من الضغوط الكبيرة التي لحقت به على خلفية أزمة الديون السيادية التي ضربت منطقة اليورو بين عامي 2012 و2015، لكن في الحقيقة الوضع أصعب حاليًا والاتحاد الأوروبي في مأزق كبير بين تأمين إمدادات الطاقة بعد الغزو الروسي ومحاربة التضخم، ومن شأن أن يصل اليورو إلى دولار واحد أن يُعمق الأزمة، لأنه سيزيد تكلفة الواردات.
ما الذي يقود الاتجاه نحو التعادل؟
أحد أبرز العوامل الضاغطة على اليورو هو الفرق في السياسة النقدية بين الاحتياطي الفيدرالي والمركزي الأوروبي؛ إذ يتحرك المركزي الأمريكي بقوة في رفع معدلات الفائدة، لمواجهة التضخم الذي يقف عند أعلى مستوى في 40 عامًا، في حين لم يتخذ المركزي الأوروبي أي قرار بشأن زيادة الفائدة حتى الآن، رغم التضخم الذي يحاصر منطقة اليورو.
وبدأ الاحتياطي الفيدرالي رفع معدلات الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية في مارس الماضي لأول مرة منذ عام 2018، إضافة إلى إنهاء برنامج مشتريات الأصول، وأتبع ذلك بأكبر عملية زيادة لأسعار الفائدة في 20 عامًا، حينما رفعها بنحو 50 نقطة أساس في مايو الجاري، لتتراوح بين 0.75% و1%، بل يخطط للمزيد من عمليات الرفع قد تصل بتكاليف الاقتراض إلى 3% مع نهاية العام الجاري.
*توقعات رفع الفائدة في اجتماع الفيدرالي المقبل
في المقابل، لم يرفع البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة على الرغم من التضخم القياسي في منطقة اليورو، ما يفاقم الفجوة بين بين سياسة البنك المركزي الأميركي والمركزي الأوروبي، واكتفي باتخاذ نبرة أكثر تشددًا والإشارة إلى نهاية برنامج شراء الأصول، ورغم ذلك توقعت رئيسة المركزي الأوروبي كريستين لاغارد، إمكانية التخارج من الفائدة السالبة ورفع الفائدة في يوليو المقبل، للمرة الأولى منذ أكثر من عقد، لكنها استبعدت زيادتها بمقدار نصف نقطة مئوية وسط مخاوف الركود التضخمي.
والدافع الثاني وراء إمكانية تحقيق التعادل، مرتبط بشكل كبير بالعامل الأول، لأن عمليات رفع الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي، دفعت المستثمرين نحو حيازة الدولار بصفته ملاذًا آمنًا، في ظل المخاوف الاقتصادية من حدوث ركود تضخمي.
أما العامل الثالث يتعلق بالضغوط التي يتعرض لها اليورو، جراء أزمة قطاع الطاقة الأوروبي، التي فاقمها الغزو الروسي لأوكرانيا، مع ارتفاع أسعار الطاقة وإعلان روسيا التعامل بالروبل في مدفوعات الغاز الروسي، المصدر الرئيسي لإمدادات أوروبا.
*مؤشر التضخم السنوي في أوروبا
حيث وصل التضخم في منطقة اليورو مستوى قياسي عند 7.4% في الشهر الماضي، مع قفزة أسعار الطاقة، ومن شأن استمرار ذلك أن يدفع المركزي الأوروبي إلى تشديد السياسة النقدية بشكل عدواني، ما قد يؤثر سلبًا في توقعات النمو الاقتصادي للمنطقة، وهو عامل إضافي يضغط على اليورو ويدفعها إلى التعادل مع الدولار.
في النهاية، من شأن حدوث التعادل بين اليورو والدولار، أن يفاقم أزمة الاقتصاد الأوروبي، لأنه سيجعل قيمة الواردات أعلى، كما أن ذلك سيؤدي إلى تضخم أعلى، مما يعني ضغوط إضافية على البنك المركزي الأوروبي.
كما سيجعل التعادل اليورو أقل قيمة وقوة شرائية أقل في الخارج، مما سيدفع المستثمرون إلى التخلص من الأصول المقومة باليورو مقابل أصول ذات عائد أكبر مثل الدولار , على الرغم من تحسن الفرص التصديرية بانخفاض قيمة اليورو إلا ان تحديات اسعار الطاقة والمنافسة العالمية ستجعل المهمة أكثر صعوبة في منطقة اليورو حتى لتحقيق مستويات النمو التي سبق تخفيضها الى 2.3% , لتعيش بذلك القارة الاوروبية أحد أصعب مراحلها في الفترات الحالية !!
اياد عارف
مؤسس موقع نمازون الإقتصادي