عندما تتلبد السماء تكفي شرارة برق واحدة لبدء العاصفة ... هكذا وصفت كرستين لاجارد رئيسة صندوق النقد الدولى ، مناخ الاقتصاد العالمى اليوم فى أفتتاح النسخة السابعة للقمة العالمية للحكومات فى دبى ... لاجارد فندت أسباب العاصفة الاقتصادية المحتملة بما يسمى الغيوم الأربع و هى ...
اولا ... تأثيرات الحروب التجارية
ثانيا ... حالة عد اليقين لملف بريكست
ثالثا ... تباطؤ نمو أقتصاد الصين
رابعا ... مخاطر التشدد المالى
بعيدا عن الروايات المكررة فى تناول التفاصيل العادية للغيوم الأربع ، لنا أن نتوقف أمام تعبير لاجارد شرارة برق و نتسأل ما هو العامل المشترك بين الغيوم الاربع الذى يقوم بدور شرارة البرق محدثا تلك العاصفة الاقتصادية المحتملة ؟! ... هل هو ترامب ؟ ... ربما
بداية فى تعريف فعل العاصفة هى أنها مجهولة النوايا و تخلف الخسائر بكل ما تمر به و ينتظر الجميع نهايتها للتعامل مع نتائجها الاخيرة ... و إذا سحبنا تلك الصورة على أفعال الرئيس الامريكى دونالد ترامب فى تعامله مع الاربع غيوم الخاصة بالحروب التجارية و بريكست و نمو الصين و التشدد المالى ، نجد أن الرجل لاعب فعال فيها ... يعرف كيف يعصف و لم ينتهى بعد ...
قد تكون الحروب التجارية هى العنوان الاشمل للغيوم الثلاث الباقية ، فمهما كانت مبررات ترامب الوطنية لأستعادة مجد أمريكا من وجهة نظرة و مهما كانت قوة الاقتصاد الامريكى الذى يتحمل عواصفه ، إلا أن من الحكمة فى توازن الامور هى عدم أثارة أكثر من حرب تجارية فى وقت واحد على أكثر من جبهة مفتوحة لها قدرات واسعة على المقاومة و المناورة و قلب الطاولة أيضا ...فشاشات الاقتصاد العالمى الآن على ترددات الحرب التجارية الامريكية ضد الصين و ضد الاتحاد الاوروبى و ضد الهند قريبا
مهلة الهدنة التجارية بين الجانبين الامريكى و الصينى شارفت على الانتهاء اول مارس المقبل و لم يسفر عنها أى بيان واضح مما يعكس حجم الخلافات الكبيرة خلف الكواليس ... صورة عسيرة الاجابات ترمى عدة سيناريوهات متدرجة الشدة فى وجوه الجميع نتأملها كما يلى :-
اولا ... إذا تحقق الفشل المتوقع فى الخروج بأتفاق حقيقى ، فهل يفعل ترامب سريعا تعريفات جمركية بنحو 25 % على كامل الواردات الصينية بنحو 500 مليار $ ؟! ...
أنه سيناريو داكن للغاية له تأثيرات أولية سلبية على معدلات التضخم و الفائدة و التوظيف فى الولايات المتحدة و الصين معا ... و من خلفهما العالم الذى سيعيش حالة الركود بالفعل بعد أن كان شبحها قيد التقارير الاقتصادية فقط ، و بالتالى تفاقم ديون الاسواق الناشئة على وجه الخصوص التى تبلغ اكثر من 50 % من اجمالى الناتج المحلى العالمى ...
و الأهم ما هو ردة فعل الصين حينها ؟! ... الصين أكبر مستثمر فى سندات الخزانة الامريكية بنسبة 7.5 % حوالى 1.2 تريليون $ من أجمالى قيمة السندات الامريكية البالغة 16 تريليون $ مستودع الاستثمار الاجنبى فى الولايات المتحدة ... قد يكون هذا هو السبب الرئيسى فى استبعاد سيناريو الكارثة .
ثانيا ... السيناريو الرمادى المناسب للوضع الراهن هو الخروج من الهدنة الأولى بلا أتفاق تجارى مع تثبيت التعريفات الجمركية عند حاجز 10 % بين الجانبين ، و مع تكرار تجربة الهدنة مرة اخرى بغية التوصل الى حلول جزئية لتحريك مياة النهر من جديد ، و لجر الصين الى تحقيق توقعات تباطؤ النمو الى 4.9 % بحلول 2020 ... و ربما هذا الاتجاه يساعد الاسواق مؤقتا على التململ من التأثر و تسعير الحرب التجارية اولا بأول ...
ثالثا ... هل نرى سيناريو الحل المفاجىء الذى يتسق مع تفاؤل ترامب الغير مبرر للتوصل الى أتفاق مع الصين رغم تعقيدات التفاصيل الحالية ؟! ... ربما يحدث ذلك و لكن بالتأكيد سيكون حل مفاجىء جزئى غير مقنع للأسواق على المدى المتوسط ، كما يفتح الباب لمشاهد مستقبلية اخرى من الحرب التجارية بين الجانبين ليدور الاقتصاد العالمى فى دائرة مفرغة لحين تأكيد توقعات تباطؤ النمو و اتساع العجز التجارى الامريكى لصالح الصين ...
هنا لنا وقفة ... السيناريوهان الثانى الرمادى و الثالث المفاجىء الجزئى يستطيع ترامب استخدامها لتهدئة زوابع المعارضة الديموقراطية ضده من أجل مصالحه الأنتخابية فى 2020
بالعودة الى عناوين الغيوم الاخرى نجد الرئيس ترامب المؤيد الامريكى الاول لأنفصال بريطانيا عن الاتحاد الاوروبى دون أتفاق فى 29 مارس القادم ، فلم نرى اى دور امريكى ايجابى فى ازمة بريكست الحالية ... فلا وساطة امريكية بين الاتحاد الاوروبى و بريطانيا ، و لا حتى حث نواب مجلس العموم المعارضين لخطة تريزا ماى على تهدئة الاجواء من أجل بريطانيا الحليف المتين للولايات المتحدة ...
يبدو أن ترامب يريد لبريطانيا خروج خشن من الاتحاد الاوروبى و جعلها بمثابة شوكة غليظة فى حلق الاتحاد المضطرب الذى تتزعمه المانيا ميركل و من خلفها فرنسا ماكرون اللذان ينشدان وحدته كثالث اقوى اقتصاد عالمى بعد الندين الامريكى و الصينى ... و هو الأمر الذى يرجعنا لتأثيرات الحرب التجارية و الانقسامات على الاتحاد الاوروبى من تراجع نشاط التصنيع و تراكم ديون المصارف و خلق بؤر مثيلة للأزمة الاقتصادية اليونانية فى ايطاليا و اسبانيا ... ترامب يرى اوروبا بمنطق فرق تسد حتى لا تكون سوقا بديلة متعافية و مغرية لطموح الصين العظيم .
اما عن التشدد النقدى فترامب ايضا له دور مؤثر فيه ، فالوعد الذى لن يستطيع ترامب ابدا الايفاء به هو خفض الدين العام الامريكى الذى تضخم بأكثر من 10 % خلال النصف الاول من ولايته الحالية من اقل من 20 تريليون $ الى نحو 22 تريليون $ ، و ذلك بسبب اساسى يتمثل فى التسهيلات الضريبية الترامبية التى انعشت الاقتصاد من جانب و فاقمت من حدة الديون على الاسر و الشركات و المؤسسات الامريكية الى مستويات قياسية من جانب اخر ، هذا بخلاف تأثر اغلب دول العالم بالنموذج الاقتصادى الامريكى الذى يعمق من حدة ديون العالم التى بلغت نحو 318 % من الناتج الاجمالى العالمى
اخيرا ... نثمن للسيدة الفرنسية كرستين لاجارد تحذيراتها القلقة على الاقتصاد العالمى و نأمل أن يتمهل السيد ترامب فى أطلاق شرارة برقه ، حتى لا تسلمنا العاصفة المحتملة لأزمة مالية عالمية جديدة