يبدو السؤال الكبير أمام الاقتصاد العالمي الآن هو ... أى نهاية ستسفر عنها المفاوضات التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية و الصين ؟! ... فالتصريحات المتناقضة التى تصدر من الجانبين توحى على أفضل تقدير بأتفاق جزئي قصير الأجل غير حاسم او ملزم ...
اولا ، الرئيس الامريكي دونالد ترامب يروج منذ مطلع العام لسير المفاوضات التجارية مع الصين بشكل جيد ، فى الوقت الذى كف فيه عن اتهاماته الواضحة و الصريحة التى اعتاد توجيهها للصين ... و لكن ردود أفعال ترامب منذ بداية الهدنة التجارية تؤشر على الفشل أكثر من النجاح الفعلى من خلال ...
1- ارتفاع العجز التجارى الامريكى فى عام الحرب التجارية 2018 بنحو 12 % ليبلغ نحو 621 مليار $ منها 323 مليار $ مع الصين فقط
2 - لم يخرج اى بيان رسمى عن جولات المفاوضات الاربع يين واشنطن و بكين ، بينما تضاربت تصريحات اعضاء ادارة ترامب على عكس تفاؤل الرئيس ... من أن الاتفاق على بعد أميال حسب تصريحات ويلبور روس وزير التجارة الامريكى الى أن واشنطن ستخسر فى حربها التجارية المضرة ضد الصين حسب التصريح الاخير لغازى كوهين المستشار الاقتصادى السابق للبيت الابيض
3 - لم يلتزم ترامب نفسة بالهدنة التى فرضها ذات التسعين يوم و التى انتهت اول مارس الجارى و قال عنها انها ليست موعد مقدس و فتح المدة لأجل غير مسمى بتثبيت التعريفات الجمركية على الواردات الصينية عند حدود 10 % ... كما لم يصدر أى امر تنفيذى حتى الان من الإدارة الامريكية عن منع استخدام معدات الاتصال الصينية امثال هواوى رغم الحملة الدولية الشرسة التى تشنها واشنطن عليها منذ سبعة اشهر
4 - فشل ترامب للمرة الثانية على التوالى فى عقد لقاء قمة مع نظيرة الصينى شى جين بينج ، و ذلك بالخروج باتفاق نهائى فى الحرب التجارية و تاجيل اللقاء من فبراير حيث فشل قمة ترامب - كيم الى مارس و منه الى ابريل على أمل لقاء قد لا يتم فى النصف الاول من العام الجارى ... و عودة ترامب الى القول اما اتفاق جيد او لا ...
ثانيا ، تبدو الصين اكثر اتزانا فى تعاطيها مع الامور من اظهار انفتاحها على المفاوضات و التمسك بمكاسبها و مصالحها التجارية مثلما يتمسك بها الجانب الامريكى رغم الجروح التى اصابتها فى الحرب التجارية مقابل التغيرات الايجابية التى احدثتها من خلال ...
1- نحو 82 % من صادرات الصين الى الجانب الامريكى ذهبت نحو الدول الاوروبية و كندا و المكسيك و فيتنام ، بينما أستبدلت الصين نحو 5 % من الواردات الامريكية إليها بمنتجات محلية الصنع
2 - اقرار قانون الاستثمار الاجنبى الذى من اهم ملامحه حماية حقوق الملكية الفكرية للمستثمرين و ضمان المساواة فى فرص المنافسة بين الشركات الاجنبية و الوطنية العاملة داخل الصين و اقرار حزمة كبيرة من التخفيضات الضريبية تصل لاكثر من 298.5 مليار $ ... و هو ما ينفى الاتهامات الغربية للسياسات التجارية الجشعة لبكين
3 - جذب ايطاليا عضو مجموعة السبع و عضو حلف الناتو لمبادرة الحزام و الطريق الصينية و هو ما يعلن عنه الاسبوع القادم حيث لقاء الرئيس الصينى فى ايطاليا ، و هو الامر الذى قابلته واشنطن برفض تام و تحذير من هشاشة الوضع الاقتصادى و السياسى لإيطاليا مما يجعلها تحت سيطرة الصين و يهدد تحالف اوروبا و امريكا المتصدع بالاساس ...
4 - ارتفاع معدل البطالة فى الصين الى 5.3 % فى فبراير الماضى نتيجة اسوء تباطؤ لنشاط التصنيع منذ عشر سنوات ... و كذلك انخفاض توقعات النمو من 6.5 % ال 6 % خلال العام 2019 ... و ربما يكون ذلك من المكاسب القليلة جدا التى احدثتها حرب ترامب التجارية مع الصين ، و لكن بكلفة باهظة لا تكافىء ابدا شن حرب بين اقوى اقتصاديين بالعالم للحصول على تباطؤ مؤقت فى سبيل تعافيه من جديد
5 - قلبت الصين الطاولة على اتهامات الغرب لشركات الاتصالات بالتجسس و خاصة الحصار الغير رسمى المفروض على هواوى ، الى مقاضاة الحكومة الامريكية بسبب هذا الملف ... و انتشار اوسع للأتصالات الصينية فى دول العالم الثالث بين شرائح الطبقات المتوسطة كثيفة الاستهلاك بتقديم ذات المنتجات الامريكية و الاوروبية بنفس الجودة و بأسعار اقل بنحو 25 %
ختاما ... حتى الآن تبدو التغيرات الجوهرية التى احدثتها الحرب التجارية فى صالح الصين التى تحاول جاهدة الحفاظ عليها للوصول الى 2020 حيث اختبار الانتخابات الامريكية ، حينها قد تتغير المعادلة برمتها ، فهل تستطيع ؟! ... ربما