تضررت أسواق النفط العالمية بشدة من تبعات جائحة كورونا خلال عام 2020 حيث هبطت الأسعار من مستويات 70 دولاراً في شهر يناير الماضي إلى أقل من 20 دولارا في شهر أبريل.
ومع استقبال العام الجديد، تظهر تساؤلات متعلقة بتوجهات السوق خلال العام الجديد، وهل تستمر حالة التقلبات السعرية الحادة التي شهدتها أسعار الخام خلال 2020 ؟
ووفقا لـ عربية نت، أشار تقرير لصحيفة فايننشال تايمز اعتمادا على آراء الخبراء إلى وجود خمسة عوامل رئيسية تحدد توجهات أسعار الخام خلال الفترة المقبلة نستعرضها فيما يلي:
عامل الطلب... نبأ سار ولكن!
لطالما كان الطلب هو أحد المحركات الرئيسية لأسواق النفط العالمية، وهو العامل الذي تضرر بشدة في خضم جائحة كورونا مع إجراءات الإغلاق التي اتخذتها الحكومات حول العالم لمواجهة الفيروس القاتل وما تبعه من تعطل الأنشطة الاقتصادية.
وتشير توقعات وكالة الطاقة الدولية إلى أن متوسط الطلب على النفط خلال العام الجاري سيشهد أكبر قفزة سنوية على الإطلاق، ولكن مستويات الطلب لن تعود إلى ما كانت عليه قبل الجائحة مع استمرار تطبيق الإجراءات الاحترازية ولو بصورة جزئية في عديد الأنشطة الاقتصادية حول العالم.
وتتوقع الوكالة أن يرتفع الطلب على الخام العام المقبل بنحو 6 ملايين برميل يوميا إلى 96.9 مليون برميل يوميا وهو الرقم الذي يظل دون مستويات ما قبل الجائحة وبالتحديد في 2019 والبالغة نحو 100 مليون برميل يوميا.
ويشير تقرير الصحيفة إلى أن الخسائر تأتي بسبب ثلاثة عوامل رئيسية وهي تراجع الطلب على وقود الطائرات وانخفاض حركة الشحن البحري وتراجع النشاط التصنيعي.
عامل المعروض... مشهد معقد
وانتقالا إلى الجانب الآخر لمعادلة العرض والطلب، فإن معروض الخام في الأسواق العالمية سيلعب عنصرا حاسما أيضا في تحديد مستقبل أسعار الخام.
وتسبب انهيار الأسعار خلال العام الماضي في انخفاض حاد بالاستثمارات في القطاع وضربة موجعة لقطاع النفط الصخري الأميركي مع انخفاض معدل إنتاج النفط بالولايات المتحدة إلى نحو 11.3 مليون برميل يوميا خلال العام الجاري مقارنة مع 12.3 مليون برميل في 2019.
وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يرتفع الإنتاج خارج أوبك خلال العام الجاري بنحو 500 ألف برميل يوميا بعد تراجعه بنحو 2.6 مليون برميل خلال 2020، ويبقى أحد العناصر الحاسمة في زيادة المعروض من خارج أوبك هو التوجه الذي تتخذه شركات النفط الصخري في الولايات المتحدة إذا ما واصلت الأسعار ارتفاعها فوق مستويات 50 دولارا للبرميل، بحسب ما ذكره تقرير الصحيفة.
ويقول بيجورنر تونهاغن المحلل لدى Rystad Energy للصحيفة صمود مكاسب الخام واستمرار ارتفاعها والحفاظ على المكاسب الحالية يظل محل تساؤلات.
أوبك وحلفاؤها... كلمة السر
وحينما كانت الأسواق تتضرر بشدة بفعل تبعات الجائحة وحرب أسعار قصيرة الأمد، كانت لأوبك بقيادة السعودية الكلمة العليا في أسواق النفط، إذ أسهمت السياسة التي انتهجتها الرياض في عودة الاستقرار إلى السوق مع وضع معايير جديدة للالتزام بخفض الإنتاج كانت أحدث محصلتها تخطي معدلات الالتزام حاجز 100% خلال نوفمبر الماضي.
وفي أبريل نيسان الماضي، كان قرار أوبك بخفض نحو 10% من الإنتاج العالمي عاملا حاسما في تغيير وجهة الأسعار فيما تبقى من شهور العام وتماسكها رغم تضرر الطلب بفعل الجائحة.
ويشير تقرير الصحيفة إلى أن استمرار التآزر بين أوبك وكبار المنتجين خارج المنظمة سيضفي المزيد من الاستقرار على أسواق النفط العالمية خلال 2021، ولكن مخاوف من اندلاع حرب أسعار جديدة تبقى قائمة إذا ما أخل المنتجين خارج أوبك بالتزامهم.
وقالت مذكرة بحثية صادرة عن RBC Capital Markets إن مخاوف تجدد حرب الأسعار تطغى على معنويات المستثمرين في السوق.
وتابعت المذكرة إعادة التوازن إلى السوق يعتمد اعتمادا كليا على قرارات أوبك+.
العوامل الجيوسياسية... إيران في المشهد
ومع انتخاب إدارة أميركية جديدة، فإن العوامل الجيوسياسية ستلعب دورا هاما في استقرار الأسواق النفط العالمية مع تقارير حول إمكانية تغير السياسة الأميركية حيال طهران في زمن الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن وهو ما يعني عودة النفط الإيراني إلى الأسواق مرة أخرى.
ويشير تقرير الصحيفة إلى أن تخفيف العقوبات الأميركية على طهران يعني عودة نحو 2 مليون برميل يوميا إلى الأسواق ما سيلقي بظلاله على معادلة العرض والطلب.
ويتابع التقرير أن التوترات السياسية في بعض كبار الدول المنتجة في إفريقيا وأميركا اللاتينية من شأنه أيضا أن يلقي بظلاله على أداء الخام خلال 2021.
التكرير... القطاع المنكوب
ويبقى الطلب من معامل التكرير الكبرى محركا رئيسيا لأسعار الخام خلال العام المقبل في وقت تضرر فيه القطاع بشدة خلال العام الجاري، ففي الوقت الذي نجحت فيه أوبك وحلفاؤها في دعم أسعار الخام فإن الخيارات المتاحة لمعامل التكرير كانت ضئيلة مع انحسار واضح في الطلب على منتجاتها.
ويشير تقرير الصحيفة إلى أن حالات الإغلاق الكلي قد تستمر في عدد كبير من معامل التكرير العالمية خلال العام الجاري وعلى الأرجح في أوروبا مع تغير في أنماط الاستهلاك، ولكن النبأ السار هنا هو لشركات التكرير المتبقية والتي ستواصل العمل مع تحسن متوقع في هوامش ربحيتها.