سيتوقف المؤرخون كثيراً عند عام 2020 لأنه سيكون شاهداً على وباء غير مسبوق، وإحدى أكثر الانتخابات الأمريكية شراسة في التاريخ الحديث، ربما تعكس المناظرة الرئاسية الأولى معالمها بين الرئيس دونالد ترامب المرشح الجمهوري , جو بايدن المرشح الديموقراطي أكبر دليلاً على ذلك حيث التراشق اللفظي والتعرية بين المرشحين عنوان انحدار مستوى الخطاب دون مستوى الرئاسة
التوترات عالية جدًا والنتائج المحتملة تشوبها الغيوم القاتمة , لدرجة أن العديد من المستثمرين لا يعرفون ما الذي يعتمدون عليه في قرارات الشراء أم البيع، حتى رغم التوقعات الواسعة بفوز بايدن التي يشير متوسط استطلاعات الرأي على شبكة إن بي سي نيوز الأمريكية إلى أن بايدن يحظى حاليًا بدعم 51.7% من الناخبين المسجلين مقابل 41.2% للرئيس ترامب.
في الواقع، تشير استطلاعات الرأي إلى احتمالية متزايدة لاكتساح ديمقراطي يمكن أن يمهد الطريق لرخاء اقتصادي في أوائل عام 2021 يعيد للاذهان عهد الرئيس كلينتون والذي حققت الاسواق في هعده صعود باكثر من 350% واصلاحات اقتصادية , ومثل هذا التطور من شأنه أن يعزز توقعات النمو وربحية الشركات، لكن تظل الأسواق حذرة بشأن تعامل المرشحين مع أزمة كورونا وكذلك من التأثير السلبي لزيادة الضرائب المحتملة من قبل بايدن , على عكس اتجاه ترامب نحو المزيد من التخفيضات الضريبية علاوة على ان عهدة شهد الكثير من التذبذات الحادة للاسواق تعكس طبيعة حروبه التجارية وتوجهاته الشعبوية التي انعكست بالنهاية على صعود للاسواق باقل من 60% بعكس ما يدعي الرئيس الترامب بأن عهده كان الافضل للاسواق المالية !!
بالطبع، سياسات المرشحين سيكون لها تأثيرات سواءً بالإيجاب أو بالسلب على الأسواق العالمية، ولأن الانتخابات القادمة لا تهم فقط الشعب والاقتصاد الأمريكي وسيكون لنتائج التصويت في 3 نوفمبر تأثير كبير عالمياً، كان من المهم رصد التوقعات بالنسبة لأسواق الأسهم العالمية وكافة فئات الأصول فيما يلي:-
أسواق الأسهم
هناك رأي تقليدي بأن فوز ترامب سيكون مفيداً للأصول الخطرة على عكس بايدن، وفي حين أن ذلك قد يكون صحيحاً بالنسبة لرد الفعل في البداية اعتماداً على ارتفاع سوق الأسهم الأمريكية بأكثر من 50% منذ فوز ترامب في انتخابات 2016.
لكن تعتبر نتائج مجلسي الشيوخ والنواب حاسمة كونها الجهة التشريعية التي قد تمرر أو تمنع حوافز مالية للاقتصاد والشركات مما يجعل التداعيات على المدى المتوسط إلى الطويل ستكون أكثر دقة، لذلك، على الرغم من أن الاستطلاعات التي تُجرى على خبراء سوق الأسهم تميل إلى فوز بايدن لكنهم منقسمون بشكل كبير حول ما ستعنيه الانتخابات بالنسبة للأسهم.
وفي مسح أجرته شبكة سي إن بي سي الأمريكية، اختار 14 من 20 استراتيجيًا شملهم استطلاع انتصار بايدن على دونالد ترامب، لكن توقع نصف الاستراتيجيين العشرين أن مؤشر ستاندرد آند بورز سينخفض في الشهر الأول بعد يوم لانتخابات فيما يرى خمسة من الاستراتيجيين أن الأسهم ستشهد ارتفاعًا بينما وتوقع أربعة أن يكون السوق في نطاق محدد، وامتنع أحدهم عن الإجابة.
ويتخوف المستثمرون من أن تضغط سياسات بايدن الضريبية على سوق الأسهم وربحية الشركات على عكس التخفيضات الضريبية الكبيرة التي أجراها ترامب وتعهده بالمزيد، لكن قد تكون الاستجابة الشاملة للأزمة الصحية المتعلقة بفيروس كورنا التي أشار إليها بايدن والاستثمارات المقترحة في الطاقة النظيفة والبنية التحتية سبباً في تعويض معنويات المستثمرين السلبية تجاه المرشح الديمقراطي.
في حين يرى مايك ويلسون كبير محللي الاستثمار في مورجان ستانلي بأن سوق الأسهم سوف يرتفع بغض النظر عن المرشح الذي سيفوز في الانتخابات، لكن يجب أن يكون المستثمرون مستعدين لإعادة تشكيل محافظهم بناءً على من يفوز في الانتخابات.
أما بالنسبة لأوروبا، قد لا يكون هناك أفضلية بين ترامب وبايدن حيث يساور القلق العديد من الأوروبيين خوفاً من أن الحرب التجارية التي شنتها الولايات المتحدة بقيادة الرئيس الأمريكي مع الصين في العامين الماضيين سوف تمتد إلى أوروبا، وبالتالي، قد تؤدي فترة ولاية ثانية لترامب إلى مزيد من الحروب التجارية ليس فقط تجاة الصيني بل تتجه نيرانه نحو اوروبا ايضا
حيث سيخسر الاتحاد الأوروبي المزيد إذا تم فرض الرسوم الجمركية على صادراته إلى الولايات المتحدة لأن لدى الكتلة الاوروبية فائض قيمته 153 مليار يورو (180.3 مليار دولار) مع الولايات المتحدة (مما يعني أنها تصدر إلى الولايات المتحدة أكثر مما تستورده) في عام 2019.
في حين أنه إذا فاز بايدن في انتخابات 3 نوفمبر المقبل، فإنه يمكن عكس العديد من الإجراءات التي اتخذتها إدارة ترامب في السياسة الخارجية خاصة فيما يتعلق بموقفه المتوافق مع الاتحاد الأوروبي تجاه ظاهرة الاحتباس الحراري حيث دعا بايدن إلى حزمة بقيمة 2 تريليون دولار لتغير المناخ، ومع ذلك، يمكن أن تظل نقاط الخلاف مع أوروبا كما هي بين كلا المرشحين وتتمثل القضايا الرئيسية في رفع القيود وإدخال ضريبة رقمية
وإلى جانب المخاوف الأوروبية من سياسة ترامب الخارجية، هناك توقعات بأن فوز بايدن سيؤثر سلباً على الأسهم الأوروبية حسبما يقول هولجر شميدنج كبير الاقتصاديين في بنك بيرنبرج إن انتصار المرشح الديمقراطي قد يجلب معه تحديًا آخر لأوروبا لأنه قد يمهد الطريق أمام زيادات ضريبية كبيرة في الولايات المتحدة ولوائح سوق العمل المفرطة التي قد تحد من نمو الاتجاه الأمريكي وتؤثر على أوروبا الموجهة للتصدير.
رغم ذلك فإن السيناريو الأسوأ بالنسبة لأوروبا وجميع الأسواق أيضاً هو أن تكون نتيجة الانتخابات متنازع عليها وتتجه نحو معركة قضائية تنتهي بقرار من المحكمة العليا. وفي هذا الصدد، يرى هولجر شميدنج أن السياسة الأمريكية خطرًا جسيمًا على الاقتصاد الأوروبي، محذراً من من أن نتيجة الانتخابات المتنازع عليها قد تؤدي إلى حالة عدم يقين خطيرة واحتجاجات كبيرة في شوارع الولايات المتحدة من قبل مؤيدي الجانب الخاسر هذا يمكن أن يضرب الأسواق والثقة في الخارج.
وعلى الصعيد الآسيوي، يرى خبير استراتيجي في مسح لشبكة سي إن بي سي الأمريكية أن هناك تفاؤل بالنسبة لتوقعات عام 2021 حول عودة الأسواق الآسيوية في نهاية المطاف، إذا كان هناك تقلبًا في الشهرين المقبلين حول الانتخابات الأمريكية.
خلاصة القول إن أكثر شيء قد يُعكر صفو الأصول الخطرة هو عدم الوضوح السريع بشأن النتيجة بعد إجراء الانتخابات الأمريكية.
سوق النفط
حتى الآن، لا يبدو أن سوق النفط اتخذ قراره بشأن ما إذا كانت تفضل رئاسة جمهورية أم ديمقراطية مع حقيقة انغماسها في مخاوف الطلب الناجمة عن فيروس كورونا.
ويتوقع المحللون في بنك أو سي بي سي أن من المرجح أن يتم تداول خام برنت القياسي في نطاق يتراوح بين 40 و43 دولارًا للبرميل حتى بعد الانتخابات الأمريكية في 3 نوفمبر المقبل.
ولا يخفى على أحد أن لترامب الفضل في ارتفاع إنتاج النفط الصخري الأمريكي بعد أن تراجع عن مجموعة من اللوائح المتعلقة بقطاع الوقود الأحفوري، في حين أن بايدن مؤيدًا للغاية لمصادر الطاقة المتجددة، وتعهد بأن تصبح الولايات المتحدة دولة خالية من انبعاثات الكربون بحلول عام 2050.
لذا من المتوقع أن تفرض إدارته لوائح من شأنها زيادة تكاليف إنتاج النفط الصخري بأشياء مثل الضرائب وقيود الميثان، وبالتالي تراجع الإنتاج مما يدفع أسعار النفط للارتفاع بالإضافة إلى أن ضعف الدولار المتوقع تحت حكم بايدن يوفر أيضاً دافعاً صعودياً للأسعار على عكس ما هو متعلق بالرئيس ترامب.
الذهب
لكون الذهب صديق حميم لأوقات الاضطرابات السياسية والاقتصادية، أوصى مارك هيفيل كبير مسؤولي الاستثمار في بنك يو بي إس المستثمرين بالتوجه إلى الأصول الآمنة مثل الذهب، موضحاً: نتائج الانتخابات المتنازع عليها لا تزال محتملة، والتي يمكن أن تزيد من التقلبات وتؤدي إلى تدفقات الملاذ الآمن نحو الذهب والفرنك السويسري والين الياباني أكثر من الدولار الأمريكي.
من المفهوم بشكل عام أن سعر الذهب مرتبط بالدولار الأمريكي، فارتفاع العملة الأمريكية يجعل المعدن الأصفر أكثر تكلفة بالنسبة لحائزي العملات الأخرى والعكس صحيح , حيث يرى بعض المحللين أن سياسات ترامب تدعم الأسهم والدولار وهو ما يؤثر سلباً على سعر الذهب - عندما فاز دونالد ترامب في انتخابات عام 2016 انخفض سعر الذهب وارتفعت الأسهم- والعكس بالنسبة للمرشح الديمقراطي بايدن.
لكن في الواقع هناك عوامل أخرى تدعم ارتفاع أسعار الذهب حتى في حال فوز ترامب أولها عدم اليقين المستمر بشأن كورونا بالإضافة إلى تعهد الاحتياطي الفيدرالي بإبقاء معدلات الفائدة منخفضة على الأقل حتى عام 2023، هذا يعني أن قيمة الدولار من المحتمل أن تضعف في العامين المقبلين.
في النهاية، ربما لن تتسبب كل هذه الاضطرابات والرسائل المتضاربة في ارتفاع سعر الذهب أو انخفاضه، بل يستمر في التحرك في نطاقه الحالي.
الدولار
يعتقد البعض أن فوز ترامب سيزيد من قيمة الدولار وأن فوز بايدن سيخفضه، لكن لا أحد يعرف على وجه اليقين ماذا سيحدث خاصة في ظل وجود عوامل وظروف أخرى مثل بيئة معدلات الفائدة المنخفضة التي قد تستمر لفترة ليست قصيرة لمواجهة تداعيات الجائحة.
لكن أوصى بنك جولدمان ساكس المستثمرين ببيع الدولار وسط توقعات كبيرة بفوز بايدن في انتخابات الرئاسة، متوقعاً تراجع العملة الأمريكية لأدنى مستوى منذ 2018.
وأوضح بنك سوستيه جنرال أن فوز بايدن يعني التحول إلى رئيس أكثر داعماً للعمالة وأقل صداقة للشركات ويتسامح مع السياسة النقدية التيسيرية للغاية وهو ما يبدو سلبيًا للدولار لكنه أشار: في الواقع من المرجح أن يضعف الدولار خلال العامين المقبلين، بغض النظر عمن سيفوز بالبيت الأبيض، لكنه يضعف أكثر إذا فاز بايدن مما لو فعل ترامب، وسيضعف أكثر إذا فاز الديمقراطيون باكتساح في الكونجرس والبيت الأبيض.
وأخيراً، مثلما يوجد عدم يقين بشأن نتائج الانتخابات الأمريكية ننصح اصدقائنا بالحذر الشديد في تداولاتهم , تبقى التوقعات تأثيرها على كافة الأصول غير مؤكدة، فهل يمر هذا الاستحقاق الأمريكي مرور الكرام على الأسواق العالمية أم نشهد مزيدا من التقلبات وبكل الاحوال يمثل ترامب الحلم فهو يجيد الخطاب الشعبي بينما بايدن يخاطب الشعب بلغة العقل , فهل ينتصر العقل على القلب ؟