يبدو أن مستثمري الذهب لم يقتنعوا بعد بأن الاحتياطي الفيدرالي سيتوقف قريبًا عن رفع أسعار الفائدة، خاصة وأن بيانات الوظائف الأمريكية القوية قد تفسح المجال لمواصلة عمليات الزيادة هذا العام.

 

وانتعشت أسعار الذهب خلال الأشهر القليلة الماضية واقتربت من مستويات 1950 دولارًا للأوقية، وتزايدت التوقعات عن إمكانية تحقيق مستويات قياسية جديدة في العام الجاري، لكن في جلسة واحدة فقط تهاوى المعدن الأصفر بشكل كبير، مما يدل على أن السوق لم يصل لها اليقين الكامل بأن الفيدرالي الأمريكي سيتجه لوقف سياسة التشديد النقدي.

 وضرب تقرير الوظائف الأمريكية بالتوقعات المتفائلة لسوق الذهب عرض الحائط، بعدما أثار مخاوف من أن الاحتياطي الفيدرالي سيواصل رفع أسعار الفائدة هذا العام، خاصة وأن التضخم لا يزال بعيدًا عن المستهدف.

 

تحركات أسعار الذهب

سيطر اللون الأخضر على أداء الذهب في 2023، بعد التقلبات الحادة التي شهدها في العام الماضي، حيث اقترب المعدن الأصفر من ذروته السابقة وتجاوز 2000 دولار للأوقية مارس الماضي، لكنه تراجع بعد ذلك لأقل مستوياته منذ أبريل 2020 عند حوالي 1650 دولارًا في أوائل نوفمبر، قبل أن يتعافى أواخر 2022، منهيًا العام بخسائر طفيفة أقل من 0.1%.

 

وتعرض المعدن النفيس لمزيج من العوامل الإيجابية والسلبية؛ حيث تزايد الطلب على الذهب بصفته ملاذًا آمنًا في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها الجيوسياسية والاقتصادية، في الوقت نفسه، شكلت الزيادات الكبيرة والمستمرة في أسعار الفائدة الأمريكية عامل ضغط على المعدن.

.

وارتفع الطلب العالمي على الذهب بنسبة 18% في العام الماضي ليصل إلى 4741 طنًا، هو أعلى إجمالي سنوي منذ عام 2011، بعدما عززت البنوك المركزية مشترياتها من المعدن النفيس إلى مستوى لم تشهده منذ 55 عامًا، وفق بيانات مجلس الذهب العالمي، التي يوضحها الرسم التالي:

ورغم ذلك، فإن سياسات الاحتياطي الفيدرالي وما تبعها من ارتفاع الدولار الأمريكي وعوائد السندات الحكومية أثر سلبًا في تحركات أسعار الذهب، خاصة في النصف الثاني من 2022، قبل أن يبدأ الفيدرالي تقليص وتيرة زيادة أسعار الفائدة، ليبدأ معه المعدن الأصفر رحلة التعافي.

 

ورفع الاحتياطي الفيدرالي معدلات الفائدة 7 مرات العام المنصرم؛ منها 4 مرات متتالية بمقدار 75 نقطة أساس، لكنه قلص وتيرة في ديسمبر عند 50 نقطة أساس، وفي أول زيادة في العام الجديد قرر رفع الفائدة 0.25%.

 

وتزامنًا مع ذلك، اتخذ الذهب مسارًا صعوديًا في آخر شهرين من 2022، وتجاوز حاجز 1800 دولار في ديسمبر، بل قفز إلى أعلى مستوياته في 9 أشهر خلال الأسابيع الماضية، متخطيًا حاجز 1900 دولار، قبل أن تأتي بيانات الوظائف الأمريكية نقمة على المعدن النفيس.

 

 

تداعيات تقرير الوظائف

أضاف اقتصاد الولايات المتحدة 517 ألف وظيفة خلال يناير الماضي، مقابل 260 ألف وظيفة خلال الشهر السابق له، وبأكثر من التوقعات البالغة 190 ألفًا، ما يوضح قوة الاقتصاد الأمريكي على الرغم من جهود الفيدرالي لكبح جماح التضخم.

 

كما انخفض معدل البطالة في الولايات المتحدة إلى 3.4% خلال يناير، وهو مستوى لم يشهد منذ عام 1969، مقارنة مع 3.5% في ديسمبر، وبما يخالف توقعات المحللين بارتفاعه إلى 3.6%.

ومن شأن انتعاش الوظائف أن يدعم الحجة القائلة بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي قد يستمر في رفع أسعار الفائدة مستقبلًا، وهو ما يؤثر سلبًا في أداء المعدن الأصفر، كونه يزيد تكلفة الفرصة البديلة لحيازة الذهب، الذي لا يدر عائدًا.

 

وتجلى ذلك سريعًا يوم الجمعة الماضية، حيث تهاوت أسعار الذهب بأكبر وتيرة يومية منذ يونيو 2021، بنسبة 2.8% أو ما يعادل 54.20 دولارًا، لتصل إلى 1876.60 دولار للأوقية، وهو أقل مستوى منذ أكثر من 3 أسابيع.

 

ودفع هذا التراجع المعدن النفيس ليسجل خسائر أسبوعية بنحو 2.7%، ليقلص مكاسبه منذ بداية العام الجاري إلى أقل من 2%، وسط ارتفاع قوي للدولار وعوائد سندات الخزانة الأمريكية.

 

ورفع المستثمرون تقديراتهم بشأن وتيرة تشديد السياسة النقدية من قبل الاحتياطي الفيدرالي عقب تقرير الوظائف، إذ يتوقعون حاليًا بنسبة 83% زيادة معدل الفائدة بنحو 25 نقطة أساس في اجتماع مارس المقبل ليصل إلى نطاق 4.75% و5%.

ويتوافق ذلك مع تصريحات رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول بأن المركزي الأمريكي لا يفكر في وقف عمليات رفع الفائدة في أي وقت قريب، مع استمرار جهوده لمحاربة التضخم، لكنه في الوقت نفسه أشار إلى أن كل الخيارات متاحة.

 

 

توقعات أسعار الذهب

بصفة عامة، تشير التوقعات إلى أن أداء الذهب هذا العام سيكون أفضل من 2022، مع التوقعات الاقتصادية القاتمة في الولايات المتحدة وأوروبا، حيث يتزايد الطلب على المعدن في أوقات عدم اليقين الاقتصادي، في حين أن تعافي اقتصاد الصين من تداعيات كورونا قد يرفع طلب المستهلكين على الجواهر.

ويرى صندوق النقد الدولي أن اقتصاد الولايات المتحدة سينمو بنسبة 1.4% في العام الجاري، مقارنة مع نمو 2% في 2022، في حين من المتوقع أن تشهد منطقة اليورو تباطؤًا حادًا في النمو ليسجل 0ز7% في 2032، مقابل 3.5% العام المنصرم.

 

ورغم ذلك، فإن إشارات وقرارات الاحتياطي الفيدرالي القادمة ستكون المحدد الأساسي لمسار أسعار الذهب في 2023، خاصة وأن بيانات الوظائف الأخيرة جعلت قرار التوقف عن زيادة أسعار الفائدة غير محسومًا حتى الآن.

 

ويرى بنك جولدمان ساكس أن أسعار الذهب قد ترتفع 1950 دولارا للأوقية في العام الجاري، مشيرًا إلى أن إعادة فتح اقتصاد الصين وزيادة مشتريات البنك المركزي ستؤدي إلى دعم الأسعار، خاصة وأن البلاد أكبر مستهلك للذهب عالميًا.

ومن جانبه، يتوقع بنك جيه بي مورجان أن تصل إلى أسعار الذهب في المتوسط إلى 1860 دولارًا للأوقية في الربع الأخير من العام الجاري، مع توقعات بأن يتوقف الاحتياطي الفيدرالي عن رفع معدلات الفائدة.

 

التحليل الفني

بالعودة الى أرض المعركة الفنية بين قوى الثيران وقوى الدببه نلاحظ هبوط كبير من مستوى مقاومة 1950 دولار وعودة لاغلاق اسبوعي سيء عند 1864 دولار , رؤيتنا الفنية تتوقع عودة اسعار الذهب الى نطاق الشراء الاستثماري بين مستوى 1500 دولار و 1450 دولار كما ان كسر مستوى 1725 دولار في اي وقت سوف يعزز الزخم الهابط للحركة

 

في النهاية، هل يخضع اتجاه الذهب لتحركات الفيدرالي في 2023 كما حدث العام الماضي، أم تكون المخاوف الاقتصادية هي المحرك الأساسي لدعم المعدن؟

 

اياد عارف

مؤسس موقع نمازون الإقتصادي