يبدو أن الدول الغربية رأت أن العقوبات ضد قطاع الطاقة الروسي، الذي يمثل عصب اقتصاد روسيا، لم تجدي نفعًا حتى الآن، خاصة وأن صادرات موسكو وجدت طريقها إلى الهند والصين، لذلك قررت مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى فرض حظرًا على استيراد الذهب الروسي من أجل تضييق الخناق على الإيرادات الحكومية، لوقف الحرب في أوكرانيا.

 

وانضمت بريطانيا وكندا واليابان إلى الولايات المتحدة في قرار حظر واردات الذهب الروسي، الذي يعد ثاني أكبر صادرات موسكو بعد الطاقة، فهل يتأثر سوق المعدن الأصفر بهذا القرار مثلما حدث لسوق النفط، ودفع أسعار الخام لمستويات مرتفعة يئن منها العالم أجمع في الوقت الحالي؟

 

في الوهلة الأولى، قد يُخيل لك أن حظر الذهب الروسي سيفعل الأفاعيل في أسعار المعدن النفيس ويدفع بالاسعار للإرتفاع كما توقع بعض المستثمرين ، نظرًا للوزن الكبير لموسكو في سوق الذهب العالمية، كونها ثاني أكبر منتج للذهب بنحو 330.9 طنًا بعد الصين، وخامس أكبر الدول امتلاكًا للاحتياطيات في العالم بنحو 2298 طنًا، كما تصدر 60% من إنتاجها، ويذهب 90% من هذه الصادرات إلى مجموعة الدول السبع، التي اتخذت قرار الحظر، لكن الشيطان يكمن في التفاصيل. علاوة أن التشارت الفني قد يكون له كلمة مختفة عن رأي حزب المتفائلين وهو ما سنرصده في هذا المقال 

*خريطة منتدي الذهب في العالم

التداعيات على أسعار الذهب

حققت أسعار الذهب ارتفاعًا طفيفًا وصل إلى 0.5% خلال تعاملات الإثنين (27 يونيو)، بعد حظر الذهب الروسي، قبل أن تتحول للهبوط بنسبة 0.3% عند التسوية، مسجلة 1824.80 دولارًا للأوقية، بل واصل المعدن الانخفاض بنهاية جلسة الثلاثاء عند 1821.20 دولارًا، وهو أدنى مستوى في أسبوعين.

عند قراءة تفاصيل قرار حظر الدول الكبرى استيراد الذهب الروسي، سنجد أن العقوبات اقتصرت على الذهب المستخرج حديثًا فقط، منذ بدء صدور قرار الحظر، ولا تسري على المعروض من الذهب، الذي تم استخراجه بالفعل، ويفسر ذلك الإجابة على سؤال، لماذا لم يُحدث القرار هزة قوية في أسعار المعدن الأصفر؟

وغالبًا، فإن هذا الأمر مقصودًا من قبل الدول التي فرضت العقوبات ضد روسيا، تجنبًا لإحداث صدمة كبيرة في الأسواق تضر نفسها ومستثمريها مثلما حدث مع قرارات حظر أو تخفيض الاعتماد على واردات الطاقة الروسية، التي رفعت أسعار النفط والغاز بشكل كبير، وكانت سببًا رئيسيًا في تسارع التضخم العالمي.

 

الأمر الثاني، أن إجراء حظر الذهب الروسي لم يكن مفاجئًا، حيث بدأت الأسواق التحوط منذ فترة من احتمالية اتخاذ هذا القرار، مع وضوح هدف الغرب من البداية وهو تحجيم موارد الاقتصاد الروسي، ومن ثم لجأ العديد من الكيانات والشركات الغربية لخفض شراء الذهب الروسي طواعيةً، وهو ما جعل التأثير الفوري للعقوبات محدودًا.

 

الأمر الثالث، أن الإقبال على الذهب من قبل المستثمرين ضعيفًا في الوقت الحالي، لذلك فإن تقليص المعروض الروسي لن يؤثر كثيرًا في الأسعار، وفقًا لديناميكية العرض والطلب، حيث تراجعت جاذبية المعدن كملاذ آمن ومخزون للقيمة رغم توترات الحرب الروسية الأوكرانية ومخاوف الركود التضخمي، بسبب التشديد القوي للسياسة النقدية من قبل الاحتياطي الفيدرالي، لكبح جماح التضخم.

 

ورفع المركزي الأمريكي أسعار الفائدة بنحو 0.75% في اجتماعه الأخير، في أكبر وتيرة زيادة منذ عام 1994، بعد زيادتين متتاليتين بنحو 0.25% و0.50% في مارس ومايو، وهذا من شأنه أن يعزز الاحتماء بالدولار بصفته ملاذًا آمنًا، ويرفع تكلفة الفرصة البديلة لحيازة المعدن الأصفر، الذي لا يدر عائدًا.

 

وما يوضح تأثير ذلك، هو الأداء السلبي لأسعار الذهب منذ بداية العام وتراجعها بنحو 1% في 2022 حتى الآن، على الرغم من أن المعدن الأصفر يرتفع في أوقات عدم اليقين الاقتصادي والسياسي، وما أكثر ذلك في الوقت الحالي، بعد الغزو الروسي لأوكرانيا وشبح الركود الاقتصادي.

*أداء أسعار الذهب في 2022

التداعيات على الاقتصاد الروسي

مثلما يُنظر إلى حظر الذهب الروسي على أنه محدود الأثر في تحركات أسعار المعدن الأصفر، فإن الأمر نفسه قد يكون بالنسبة إلى التداعيات على الاقتصاد الروسي، على الأقل في المستقبل القريب، خاصة وأن الصادرات الروسية إلى الغرب قد تراجعت بالفعل.

وحتى الآن تجنب الاقتصاد الروسي الانهيار المدمر، رغم العقوبات المتتالية من الغرب، وذلك بفضل زيادة أسعار الفائدة وفرض ضوابط رأس المال، إلى جانب البحث عن أسواق أخرى تشتري الصادرات الروسية من الطاقة، المصدر الرئيسي لإيرادات البلاد.

بالنسبة إلى الذهب، فإن الطلب الكبير على المعدن من السوق المحلي يقلل تداعيات حظره في الأسواق الدولية، حيث يشتري رجال الأعمال المليارديرات في روسيا سبائك الذهب في محاولة لتخفيف تأثير العقوبات الغربية.

فضلًا عن ذلك، فإن البنك المركزي الروسي يشترى الذهب المنتج محليًا، والذي يُنظر إليه على أنه وسيلة للمساعدة في دعم العملة والاقتصاد، ليعزز حيازته من احتياطي الذهب، الذي يُقدر قيمته ما بين 100 مليار دولار و140 مليار دولار في الوقت الحالي.

 

إلى جانب قوة الطلب المحلي، فإن روسيا لن تكافح كثيرًا في إيجاد أسواق بديلة لصادراتها من الذهب، على غرار النفط، خاصة وأنها تقدم خصمًا كبيرًا مقارنة بالأسعار العالمية، وهنا يمكن أن تشتري الهند والصين وتركيا، لاسيما وأن هذه الدول من أكبر مستوردي الذهب.

من الناحية الفنية

كما في التشارت الفني اعلاه الذهب لازال يتعرض للضغط بعد تشكل قمة 8 مارس عند 2070 دولار للاونصة مع تشكل نماذج فنية سلبية وايضا وجود انفراحات سلبية على المؤشرات الاسبوعية خصوصا مع استمرار التداول دون متوسط 200 يوم للاسعار بل واقتراب التقاطع السلبي لمتوسط 50 يوم

ومع تداولات اليوم الاثنين 4 يوليو عند سعر 1805 دولار  نعتقد باستمرار التراجعات للوصول الى مستوى 1690 دولار خلال الاسابيع القليلة القادمة وبكسرها سوف يستهدف العودة لنطاق الشراء الاستثماري بين مستوى 1500 دولار و 1453 دولار والتي نتوقع زيارتها في مطلع عام 2023 والتي تمثل في رأينا فرصة مناسبة لدخول المستثمرين خصوصا من يبحث عن التحوط ضد مشكلة التضخم العالمية 

 

خلاصة القول إن حظر الذهب الروسي لن يكون له تأثير كبير في التوقعات طويلة المدى لأسعار المعدن من جهة الارتفاع كما كان يعتقد بعض المستمرين خصوصا في ظل الضغوطات الفنية على حركة الاسعار فالتشارت هو الأصدق والأقوى ، وكذلك لن يضر هذا الحظر الرمزي اقتصاد موسكو كثيرًا على الأقل في المدى القريب من ناحية أخرى، وعلى الغرب التفكير في تجنب الغاز الروسي، أكثر من أي سلع أخرى، حال رغبته في توجيه ضربة جوهرية قوية للاقتصاد الروسي وهو ما أشك اصلا بقدرة الغرب على فعل أي شيء خصوصا بعد فرض روسيا قرارها وتحدي العالم بأسره بحربها الأوكرانية 

 

اياد عارف

مؤسس موقع نمازون الإقتصادي