أشار تقرير مشترك صادر عن بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك وبنك الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو إلى أن احتمالية عودة البنك المركزي الأميركي إلى أسعار فائدة عند مستويات قريبة من الصفر خلال السنوات المقبلة لا تزال قائمة، رغم الارتفاع النسبي الحالي في تكاليف الاقتراض قصيرة الأجل.
أوضح التقرير، الذي شارك في إعداده رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، جون ويليامز، ونُشر أمس يوم الإثنين، أن خطر خفض سعر الفائدة مجددًا إلى مستويات شديدة الانخفاض – كما حدث خلال الأزمات السابقة – لا يزال قائمًا، ويقع ضمن أدنى المستويات التي تم تسجيلها خلال الخمسة عشر عامًا الماضية. وأضاف التقرير أن احتمالية العودة إلى سياسة الفائدة القريبة من الصفر ما تزال مرتفعة على المدى المتوسط والطويل، وذلك بسبب تصاعد حالة عدم اليقين التي تشهدها الأسواق والاقتصاد العالمي مؤخرًا.
تداعيات الفائدة الصفرية ومقاربات التحفيز
يرتبط اعتماد الفيدرالي على سعر فائدة قريب من الصفر عادة بفترات الأزمات الاقتصادية وتوابعها. فقد تم تثبيت هذا السعر منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية في 2008 وحتى أواخر 2015، ثم عاد الفيدرالي لاعتماد هذه السياسة مجددًا في مارس 2020 مع تفشي جائحة كوفيد-19، قبل أن يبدأ في رفع الفائدة بشكل حاد في ربيع 2022 لمواجهة أسوأ موجات التضخم منذ عقود.
لكن اللجوء إلى هذا المستوى المنخفض من أسعار الفائدة يفرض تحديات كبيرة على صانعي السياسة النقدية، حيث تضطر السلطات النقدية إلى اتباع برامج مثيرة للجدل، مثل شراء السندات لتقليل العوائد طويلة الأجل، وهي استراتيجيات أسهمت في تضخم ميزانية الاحتياطي الفيدرالي بشكل غير مسبوق.
مناخ اقتصادي متغير وضغوط تضخمية
تميزت الفترات التي لجأ فيها الفيدرالي إلى سياسة الفائدة الصفرية باتجاه عام نحو تراجع أسعار الفائدة وتراجع مستمر في الضغوط التضخمية. غير أن التجربة الأخيرة شهدت تحوّلًا واضحًا، حيث أدت تداعيات الجائحة إلى ارتفاعات حادة في معدلات التضخم، ورغم أن هذه الارتفاعات بدأت في الانحسار، إلا أن المستوى الحالي للفائدة، الذي يتراوح بين 4.25% و4.5%، لا يزال أعلى بكثير مقارنة بالمستويات المسجلة في السنوات الأخيرة.
ويواجه الفيدرالي حاليًا حالة من عدم اليقين تتعلق بآفاق الاقتصاد الأميركي، خاصة على ضوء التغيرات المستمرة في السياسات التجارية. ومن المتوقع، وفقًا لتقديرات المسؤولين في يونيو الماضي، أن يتم خفض سعر الفائدة المستهدف إلى 3.4% بحلول عام 2027، مع بدء التخفيضات المرجحة خلال العام الجاري، وهو ما يتماشى مع الضغوط السياسية المتزايدة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي يدعو إلى تيسير نقدي أكثر عدوانية.
معدل الحياد النقدي والسيناريوهات المحتملة
بالتوازي، قام مسؤولو الفيدرالي برفع تقديراتهم لمعدل الفائدة الحيادي – أي المعدل الذي لا يؤثر سلبًا أو إيجابًا على النمو – ليصل حاليًا إلى 3%. وتشير هذه التقديرات، إلى جانب توقعات يونيو، إلى أن الفيدرالي قد يمتلك هامشًا أكبر لتخفيض الفائدة دون أن يضطر للعودة إلى المستوى الصفري كما حدث في الأعوام الأخيرة.
لكن، ورغم هذا الهامش، يشير التقرير إلى أن التوقعات المتعلقة بأسعار الفائدة تظل معقدة. وبحسب التحليل المبني على مشتقات أسعار الفائدة، فإن خطر العودة إلى مستويات الفائدة القريبة من الصفر يميل إلى الانخفاض مع ارتفاع مستويات الفائدة المتوقعة، بينما يرتفع في ظل تزايد حالة عدم اليقين المتعلقة بأسعار الفائدة، كما أوضح الباحثون.
يُظهر هذا البحث أن سيناريو العودة إلى الفائدة القريبة من الصفر لا يزال واردًا ضمن توقعات المدى المتوسط والطويل، في ظل المخاطر الجيوسياسية والاقتصادية، رغم تشدد السياسة النقدية مؤخرًا. ويشير ذلك إلى استمرار الفيدرالي في الموازنة الدقيقة بين محاربة التضخم، وتحفيز الاقتصاد، والتعامل مع ضغوط السياسة والشكوك العالمية.