هو يريد نحو 8 مليار $ تكفى لبناء 200 ميل ، و هم أقروا أكثر من 1.3 مليار $ لبناء 55 ميل فقط ... هذا هو ملخص تفاعل المشهد الامريكى الداخلى بشأن معركة بناء الجدار الفولاذى بين إصرار الرئيس دونالد ترامب على أتمامه بطول حدود بلاده و المكسيك لمواجهة الهجرة الغير شرعية ، و بين تربص المعارضة الديموقراطية لكل تحركات ترامب الذى لجأ اخيرا لحل شاق من أجل تمويل خطتة ببناء الجدار عبر إعلان حالة الطوارىء الوطنية كما يلى ...

توفير نحو 3.6 مليار $ من صندوق المشروعات العسكرية التابع لوزارة الدفاع 

توفير نحو 2.5 مليار $ من برنامج مكافحة المخدرات التابع لوزارة الدفاع 

توفير نحو 600 مليون $ من صندوق مصادر المخدرات التابع لوزارة الخزانة 

بالاضافة الى أكثر من 1.3 مليار $ تمويل مخصص من الكونجرس لبناء حواجز جديدة على الحدود

 

هنا يثبت ترامب أنه رئيس قادر على خوض المنافسات الطويلة و على أكثر من جبهة مفتوحة محققا أرقاما قياسية من كسر الدين العام الامريكى لحاجز 22 تريليون $ مرورا بالاغلاق الحكومى الأطول تاريخيا بنحو 35 يوما وصولا الى أعلانه المثير مؤخرا لحالة الطوارىء الوطنية رقم 59 فى التاريخ الامريكى ، و هو المشهد الذى نمر على تفاصيله عبر السطور التالية ... 

اولا ... حالة الطوارىء هو أمر تنفيذى قانونى صدر عام 1976 يتيح للرئيس الامريكى أعلانه لمواجهة الازمات الطارئة فى البلاد داخليا و خارجيا بعد ابلاغ الكونجرس بمجلسيه النواب و الشيوخ بوجودها و ضرورة التعامل معها 

 

ثانيا ... صلاحيات الطوارىء واسعة للغاية هدفها الرئيسى مواجهة تهديدات الامن القومى الامريكى و تشمل حجب المعلومات و توقيف بعض الافراد و الانشطة و مراقبة الاتصالات بأنواعها و منع السفر من و الى الولايات المتحدة ، و كذلك حرية استخدام المخصصات العسكرية لصالح مشروعات مواجهة الازمة ... 

يذكر أن مخصصات البناء للجيش الامريكى بلغت فى ميزانية 2019 نحو 10.3 مليار $ و بموجب أعلان ترامب للطوارى سيتاح له استخدام نحو 6.1 مليار $ منها 

 

ثالثا ..  أعلنت تلك الحالة فى حوادث شهيرة مثل هجمات 11 سبتمبر 2001 و فيرس انفلونزا الخنازير فى 2009 و مرات عديدة مختلفة لمواجهة الكوارث الطبيعية فى ولايات معينة بتوجيه الاموال الفيدرالية إليها كما حدث فى عهد الرئيس الاسبق باراك اوباما  

 

رابعا ... المصادفة أن اول حالة طوارىء وطنية بعد اقرار القانون أعلنت فى عام 1979 من قبل الرئيس الاسبق جيمى كارتر لتجميد أصول ايران فى الولايات المتحدة بعد ازمة الرهائن فى السفارة الامريكية بطهران ... و بعد 40 عاما و فى ذكرى الثورة الايرانية و مع انعقاد مؤتمر وارسو لمواجهة ايران يعلن ترامب حالة الطوارىء التى طالما أشار اليها على مدار الاربع شهور الماضية و لكنه اختار هذا التوقيت تحديدا لأعلانها !

 

خامسا ... تعد حالة طوارىء الجدار الحالية هى الرابعة فى عهد ترامب الذى استخدم هذا الحق ثلاث مرات من قبل ، حيث ديسمبر 2017 ضد المتورطين فى قضايا الفساد و حقوق الانسان ، و للسخرية أتت الحالة الثانية فى سبتمبر 2018 ضد أطراف روسية لأتهامهم بالتدخل فى الانتخابات الامريكية المشتبه فيها ترامب اصلا و تجرى لجنة مولر تحقيقات بشأنها حتى الآن ... و الحالة الثالثة كانت ضد اطراف فى نيكاراجوا 


سادسا ... الأحصائيات الحالية بشأن الهجرة الغير شرعية تمنطق وجهة نظر الديموقراطيين على حساب رغبة ترامب فى بناء الجدار ، فبالفعل انخفضت نسبة المهاجريين الغير شرعيين من الحدود الجنوبية للولايات المتحدة الى نحو 400 الف مهاجر فقط فى عام 2018  بعد أن كانت 1.5 مليون مهاجر فى عام 2000 ... كما أعلنت المكسيك مؤخرا عن عدة اجراءات لتنشيط أقتصادها الوطنى و للحد من الهجرة الى امريكا بعد تهديد ترامب بأغلاق كامل الحدود معها و جاءت كالتالى ...  

 

- خفض ضرائب الدخل و الشركات من 30 % الى 20 % 

- خفض ضريبة القيمة المضافة من 16 % الى 8 % فى بعض الولايات 

- مضاعفة الحد الادنى للأجور اليومية من اقل من 5 $ الى ما يفوق 9 $ يوميا  

 

سابعا ... تغيرت توازنات المشهد السياسى الامريكى فى نوفمبر 2018 بعد الانتخابات النصفية التى شهدت تفوق و سيطرة الديموقراطيين على مجلس النواب الأكثر تأثيرا فى مسار القرارات الامريكية ، و لعل الاغلاق الحكومى الاخير كان ابرز برهان على قوة الديموقراطيين حيث تعليق الخطاب السنوى لترامب لمدة اسبوع حتى انتهاء ازمة الاغلاق ، و هو ما تعامل معه ترامب على مضض شديد بعد انتصار مؤقت لنانسى بيلوسى رئيسة مجلس النواب التى رأت فى اعلان ترامب لحالة الطوارىء بشأن الجدار اعتداء على الدستور و توعدته بالملاحقة القضائية 

 

ثامنا ... على جانب أخر أختارت بيلوسى مواجهة قرار ترامب قضائيا لأنها تتوقع فشل الكونجرس فى التصويت خلال 15 يوما ضد قرار الرئيس الذى يتطلب ثلثى أعضاء مجلسى النواب و الشيوخ و هو الامر الصعب نسبيا حيث أغلبية الديموقراطيين فى النواب بنسبة 55 % فقط و اقليتهم فى الشيوخ بنسبة 47 % فقط ... فهل تستطيع بيلوسى أقناع 52 جمهوريا فى النواب و 19 جمهوريا أخرين فى الشيوخ للأنضمام الى صفها ضد قرار ترامب ، هذا على فرض توحد كتلة الديموقراطيين بشأن الجدار ؟!!! ... 

 

ختاما... يبدو أن ترامب نجح بوضوح فى بناء جدار سياسى معتم بينه و بين فروع الحكم الاخرين قبل أن ينجح فى بناء جداره الفولاذى الشفاف على الحدود مع المكسيك ، فالعواصف العاتية التى يثيرها و يواجهها الرجل قد تطيح بالجدارين معا ...