تقرير خاص
اقتصادات العالم يحكمها نظامان أساسيان هما الرأسمالية والاشتراكية، ويكمن الاختلاف الأساسي بينهما في نطاق تدخل الحكومة بالاقتصاد.
ويقوم النموذج الاقتصادي الرأسمالي على خلق ظروف السوق الحر لدفع الابتكار وخلق الثروة، وتنظيم سلوك الشركات؛ ويسمح هذا النهج الحر لقوى السوق بحرية الاختيار، لتكون النتيجة إما النجاح أو الفشل.
فيما يشمل الاقتصاد الاشتراكي عناصر من التخطيط الاقتصادي المركزي، ويتم استخدامها لضمان التوافق وتشجيع تكافؤ الفرص والنتائج الاقتصادية.
قلق ومعاداة للفكر الماركسي
يتخذ الحديث عن الاشتراكية والرأسمالية نطاقاً واسعاً، ويكشف عن التشويش وعدم الوضوح الذي يشوب هذه المصطلحات في أذهان الكثير من الأشخاص، فنجد أغلبهم ينظر إلى الاشتراكية باعتبارها معادية بطريقة ما للفرد أو مجموعة الأفراد.
وعندما سنحت الفرصة لأحد الباحثين التحدث مع مجموعة من الطلاب حول الفكر الماركسي، وما يمكن أن يبدو عليه المجتمع الاشتراكي وفقاً للمبادئ الماركسية، عبروا عن قلقهم، أو ربما معاداتهم لما قد يمثله هذا المجتمع بالنسبة للفرد.
فالقيود المفروضة على تصوراتنا الاجتماعية، تجعلنا نعتقد أن المجتمع الاشتراكي القائم على المساواة ينتج بطريقة أو بأخرى عالماً قاسياً يتميز بالتجانس والمطابقة القمعية.
صورة نمطية قاتمة
عندما ترد كلمة اشتراكية، تستحضر عقول أغلب الأشخاص عالماً باهتاً يخلو من الإبداع، يحكمه الزي الموحد وحصص الطعام المتساوية بين الجميع، والتشجيع على تبني أفكار موحدة والتعهد بالولاء للمعتقدات الصارمة التي تحرم الاختلاف أو التشعب.
والتشبث بهذا الاعتقاد أمر خاطئ، كونه يقيد فهمنا لأنفسنا وقدراتنا، ويمنعنا كأفراد ومجتمع من تحقيق أعلى درجات السعادة والوفاء والتطور الاقتصادي.
يقوم الفكر الماركسي على مبدأ أن التطوير الحر والكامل للفرد والمجتمع هو الشرط المسبق للتنمية الحرة والكاملة للجميع، أي لن يكون هناك أي تعارض بين الفرد والمجتمع، أو بين الفرد والدولة، أو بين الفرد والأفراد الآخرين.
وسواء كنت تتفق مع عقلية هذا الفكر أم لا، عليك أن تعترف أنه من الصعب تحدي فكرة أن المجتمع الأكثر فاعلية والأكثر إنتاجية وإبداعية سيكون قادراً على تطوير الأفراد والاستفادة القصوى من قدراتهم وطاقاتهم.
ما الأنظمة التي تناسب التنمية الفردية؟
السؤال الذي يطرح نفسه هو أي نوع من الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية يوفر التربة الأكثر خصوبة للتنمية الفردية؟، الجواب مرتبط بالاعتقاد السائد في التاريخ والمجتمع الأمريكي بأن الرأسمالية تخلق أفضل سياق لتحقيق الفرد.
ويلجأ النقاد والمعادون للاشتراكية، إلى الاستشهاد بسلسلة من الأنظمة القمعية مثل اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية في عهد ستالين، أو تجربة الصين الشيوعية والماوية، أو كوريا الشمالية اليوم، لترسيخ فكرة أن المجتمعات الماركسية غير قابلة للتطبيق، وغير مرغوب فيها، وتعادي التنمية والحرية الفردية.
بغض النظر عن أيديولوجياتها الرسمية، أغفلت تلك المجتمعات جوانب كثيرة من وجهة النظر الماركسية، فجوهر الفلسفة التي ترتكز عليها الاشتراكية هو الترابط بين التنمية الفردية والجماعية التي تحدث عنها ماركس وإنجلس.
وهذه الفكرة يفتقر إليها النهج الرأسمالي، بل تتعارض معه، فالاشتراكية اليوم تعد أعلى أشكال الفردية، ويوضح أينشتاين في مقالٍ نشره عام 1949 تحت عنوان: لماذا الاشتراكية؟، أن الفرد ليس بمعزل عن العلاقات الاجتماعية، وإنما مرتبط بها بشكل وثيق، مع إدراكنا كأفراد للطريقة التي نعيش بها تاريخياً.
فالفرد قادر على التفكير والشعور والسعي والعمل بنفسه؛ لكنه يعتمد كثيراً على المجتمع في وجوده الجسدي والفكري والعاطفي، بحيث يكون من المستحيل التفكير فيه أو فهمه خارج إطار المجتمع.
ويدعو أينشتاين إلى فهم هوياتنا الفردية كبشر بطرق أكثر ثراءً، وإدراك أنفسنا ضمن سياق اجتماعي وجماعي، وهذا بالضرورة، لأننا نحتاج إلى ثمار عمل الآخرين لتلبية احتياجاتنا الأساسية لنتمكن من تطوير مواهبنا الخاصة.
وإدراك البعد الاجتماعي لوجودنا، سيوفر لنا عدسة نتمكن من خلالها رؤية مدى اعتمادنا على ما يقوم به الآخرون لجعل حياتنا أفضل.
وأصبح الفرد أكثر وعياً من أي وقت مضى لاعتماده على المجتمع، لكنه لا ينظر لهذا الاعتماد باعتباره رابطاً عضوياً وقوة حماية، بل كتهديد لحقوقه الطبيعية، أو حتى لوضعه الاقتصادي.
وتسعى الثقافة الرأسمالية لتعزيز فكرة أننا كائنات قادرة على المنافسة ولا يمكننا تحقيق أفضل ما لدينا دون هذه المنافسة، لكن عندما تتأمل في آلية سير العالم والحياة من حولك، ستجد أنك تقضي وقتاً أطول في التعاون والاعتماد على الآخرين بدلاً من منافستهم، لإنجاز أمورك وتحقيق أهدافك وتلبية احتياجاتك.
تنافسية وتعاونية
بلا شك، نحن كائنات تنافسية بطبعها، على سبيل المثال، أنت تحب ممارسة الرياضة وتبذل قصارى جهدك في التعلم والنمو لهزيمة خصمك داخل ملعب كرة القدم، لكنك خارج هذا النطاق أنت شخص متعاون وتعاوني.
ونحن كأفراد نحتاج لنجاح الآخرين بمعرفة كيفية توفير المياه النظيفة، وإنتاج الطاقة اللازمة لطهي الطعام أو قيادة السيارة أو تدفئة المنزل، واكتشاف طرق جديدة لإنتاج المزيد من الأغذية... إلخ.
وبالتالي، المجتمع التنافسي لا يؤدي إلى التنمية الحرة والكاملة لكل من الفرد والمجتمع وإضفاء ثقافة ذات قيمة عالية، وإنما يشجع على عدم المساعدة في تطوير الآخرين ونجاحهم، كما لاحظ أينشتاين في مقاله.
فالرأسمالية، خلقت فوضى اقتصادية، يسعى خلالها كبار المنتجين إلى حرمان بعضهم الآخر من ثمار عملهم الجماعي عبر الامتثال لقواعد مقررة قانوناً.
في حين أن المجتمع الاشتراكي، سيخلق نظاماً اجتماعياً يبرز الأبعاد التعاونية بشكل يساعدنا على فهم روابطنا والعيش في أماكن تشبه طبيعتنا.
ختاماً، إذا كنا نقدر ما يفعله الآخرون لتحسين مستوى حياتنا، فهل سنبحث عن سلع وخدمات بأقل تكلفة ممكنة؟، وإذا علمنا أن خفض أجور العمال، سيقوض صحة ورفاهية أولئك الذين نعتمد عليهم، فهل سنقوم بذلك؟.
إن فهم فرديتنا من الناحية الاشتراكية هو الخطوة الأولى نحو إعادة تعريف المصلحة الذاتية لإدراكها بشكل صحيح، مع إعطاء القيمة القديمة المتمثلة في الاعتماد على الذات معنى ومستوى جديد من التفكير.
بدعمكم نستمر .. في تقديم المحتوى القيم والحلول الذكية للمستثمرين، فشكرا لكم