لم يعد سراً كيفية نشأت العملات الرقمية متجلية برب العائلة البيتكوين وكيفية اجتيازها للاختبار تلو الآخر لتصبح واقع حقيقي لايمكن انكاره ولا تجاهل تأثيره على مئات الآلاف من الناس الذين واكبو نمو وترعرع هذا السوق بين أجيال الشباب عامتاً ومستخدمي الانترنت خاصتاً.

 

من خلال مراقبتي لنمو سوق العملات الرقمية واجتذابه لاهتمام كبار المستثمرين في العالم وبذلك اهتمام كبار شركات الاستثمار العالمية ومحاولتها ادراج مشتقات سعرية مبنية على هذا النوع الجديد من الأصول, لاحظت مدى قلت فهم المنخرطين بالمؤسسات الاستثمارية التقليدية لهذا النوع الجديد من الأصول الاستثمارية. لذلك سأحاول بهذ المقال أن أضيئ الضوء على جانب واحد أو أكثر من جوانب الاختلاف بين سوق العملات الرقمية وبين أسواق المال التقليدية. وأرجو أن أتمكن من تبسيط الفكرة بالقدر الكافي لما لها من تعقيدات تقنية واقتصادية لذلك سأتناول مقطع شاقولي واحد ضمن فضاء الاختلافات المتعددة.

على خلاف العملات الورقية أو مايعرف بال Fiat فإن البيتكوين وعدد آخر من العملات الرقمية لديه خاصية مميزة وهي الاحتفاظ بسجل لكافة العمليات التي حدثت على هذه العملة من لحظة تعدينها أو خلقها والى هذه اللحظة. إن نسخة من هذا السجل موجودة على أجهزة مئات الآلاف من الأشخاص وهي متاحة بشكل شفاف لأي انسان لكي يبحث بها بالشكل الذي يريد ليخرج منها المعلومات التي يرغب. وبما أن البيتكوين هي عملة يمكن الاحتفاظ بها بشكل شخصي سواء على جهاز الحاسب أو على فلاشة مخصصة لذلك أو حتى بمجرد حفظ عدد من الكلمات بترتيب معين, واستخدامها بحياتنا اليومية بالشكل الذي نريد كأن نشتري بها أشياء أو خدمات أو أن نخزنها كاستثمار طويل المدى أو حتى أن نضارب بها بأسواق العملات الرقمية المتاحة. هذه الخاصية المهمة مع قابلية تتبع العمليات التي حدثت على السجل العام اللامركزي تجعل من البيتكوين أصل رقمي مختلف عن كل الأصول الموجودة للإستثمار والتداول في الأسواق التقليدية.

 

جميع المتداولين على العملات الورقية Forex أو الأسهم والسندات ...الخ. يبتكرون أدوات ومؤشرات لتحليل السوق ومحاولة ايجاد تفوق احصائي لمؤشر معين ليعطي المتداولين أفضلية احصائية في التداول. ولايوجد مؤشر واحد قادر على التنبئ بحركة السعر المستقبلية غالباً لأن جميع القيم تحسب بعد تحرك السعر أي هي متأخرة عن السعر في بنيتها الأساسية وبما أن الهدف الأساسي من اللعبة هو الربح بصفقات لها بداية ونهاية وتتم على منصات تداول مركزية فإن هذه المشكلة ستبقى مستمرة مادام هيكل الاستثمار وبنيته التحتية هي على ماهي عليه اليوم. البيتكوين يعطينا الفرصة لدراسة سلوك المداولين ليس على منصات التداول وحسب وانما على البلوكتشين الخاصة به أيضاً وهذه ظاهرة لم تكن متاحة قبل اختراع هذه العملة المشفرة اللامركزية.

إن أقرب مثال ممكن أن أطرحه هنا هو التداول على المعادن الثمينة ولنأخذ الذهب تحديداً فالبيتكوين يطلق عليه اسم الذهب الرقمي لما لهم من خصائص مشتركة من الممكن أن أفرد لها مقال آخر لضخامة الموضوع. لو كان بمقدورنا معرفة كل شخص اشترى وباع أي كمية من الذهب سواء على منصات التداول أو بشكل فيزيائي, لكنا استطعنا أن نحصل على مؤشر يتوقع بدرجة عالية من الدقة متى ستبيع الناس ومتى ستشتري ولكن هذا غير متاح للأسف لأن نسبة لا بأس بها من كمية الذهب التي تباع وتشترى تجري من خلال مراكز الصاغة وبالسوق السوداء أيضاً وهو يتأثر بعوامل مختلفة منها اجتماعية فمثلا في موسم الأعراس في الهند يتم شراء كميات مهولة من الذهب لتستخدم كهدايا زفاف ومناسبات.

 

إذا كيف ممكن أن نتنبئ بسلوك المتداولين على البيتكوين؟ 

بما أن كافة عمليات الارسال والاستقبال بين محافظ البيتكوين هي مخزنة في السجل العامل للبيتكوين فيمكن اعتبار كل عملية ادخال بيتكوين الى محفظة هي عملية شراء لهذا البيتكوين وكل عملية اخراج من محفطة هي عملية بيع وبالتالي يمكن معرفة مجمل حركات الأموال على هذه الشبكة ومقارنتها بسعر البيتكوين وقت تنفيذ العملية وبالتالي ممكن معرفة سلوك المتداولين في الماضي وتوقع سلوكهم في المستقبل بعد تطبيق معادلات رياضية واعتماداً على نظرية واحدة في علم النفس وهي كالتالي:

 عندما يكون المستثمرين رابحين والسعر يتجه هبوطا يقومون بالبيع لكي لا يصبحو بالسالب
وبالعكس عندما يكونون خاسرين بالقيمة يقومون بالبيع عند وصول السعر لنقطة الصفر لأنهم يخافو أن يخبط مجددا

وهذا السلوك قم تم تأكيده عندما قام ريناتو شيراكاشي ببرمجة مؤشر يدعى SOPR يقوم بفحص كامل سجل البيتكوين وخرج بالنتيجة نفسها موضحة بالشارت 

نلاحظ أنه في الترند الهابط أثناء 2015 ترافقت كل قمة مع اختبار لقيمة ال1 من الأسفل لمؤشر SOPR وبالتالي قام الناس بالبيع عند وصول لسعر الشراء  لكي لا يخسرو

 

أما بالترند الصاعد في 2016 و 2017 فقد ترافق كل قاع مع اختبار لقيمة ال1 من الأعلى وهذا يدل أنا الناس باعت قبل أن تصبح بالسالب 

 

اذا استطعنا بمجرد تحليل العمليات على سجل البيتكوين أن نحدد بدقة أماكن القمم بالسوق الهابط وأماكن القيعان في السوق الصاعد وهذا أمر من المستحيل فعله في أسواق المال التقليدية

فهل سنستفيد من هذا المؤشر في السوق الصاعد الحالي أم أن صانعي السوق سيستغلو هكذا معلومة لكي يتلاعبو بالسوق؟