الخسائر لا تزال مستمرة، واللون الأحمر يأبى أن يغيب عن مشهد الدولار الأمريكي، مما يعزز الاعتقاد بأن العملة الأكبر عالمياً قد دخلت في اتجاه هبوطي طويل الأجل، وسط نظرة متشائمة من قبل البنوك الاستثمارية الكبرى.

 

أدنى مستوى في عامين ونصف، عنوان ارتبط بالعملة الأمريكية أكثر من مرة في الأيام الأخيرة، مع تحسن شهية المخاطرة وتزايد الضغوط على العملة التي عادة ما يكون الطلب عليها في أوقات عدم اليقين السياسي والاقتصادي لتمارس دورها التقليدي كملاذ للمستثمرين والمدخرين ، وهذا ما شاهدناه في ارتفاع مذهل خلال ذروة تفشي فيروس كورونا في مارس، لكن الآن جاء اللقاح ليغير كل شيء.

 

وتراجع مؤشر الدولار الرئيسي الذي يقيس أداء العملة الأمريكية أمام 6 عملات رئيسية أدنى مستوى 91 نقطة، لأول مرة منذ أبريل 2018، وهو ما انعكس على اليورو الذي يحمل وزن يقارب 60% من هذا المؤشر ليرتفع لأعلى مستوى في عامين ونصف متجاوزاً 1.21 دولار

(أداء الدولار منذ بداية العام الجاري)

 

وهناك ملاحظة جديرة بالاهتمام جأت من بيانات سوفيت ، أن اليورو كان هو العملة الأكثر استخدامًا للمدفوعات العالمية في الشهر الماضي بنحو 37.82%، لتكون المرة الأولى منذ فبراير 2013

 

وبتالي لم تكن خسائر الدولار وليدة الفترة الأخيرة ، حيث اتخذت العملة الأمريكية مساراً هبوطياً، وفقدت أكثر من 13% من قيمتها منذ أن تجاوز مؤشر الدولار 100 نقطة وارتفع لأعلى مستوى في 3 سنوات مدفوعا بمخاوف انتشار الوباء في مارس الماضي

 

ومع ضخامة إجراءات التحفيز المالي والنقدي من قبل الحكومات والبنوك المركزية وعلى رأسها الاحتياطي الفيدرالي الذي دفع بمعدلات الفائدة لمستويات قياسية منخفضة؛ لمواجهة تداعيات الجائحة، مما جعل المستثمرون يتجاهلون الدولار لصالح أصول أكثر ربحاً , ومنذ أوائل الشهر الماضي الذي كان الأسوأ للدولار منذ يوليو، تراكمت الضغوط على الورقة الخضراء باعتبارها أحد الملاذات الآمنة، حيث تزايدت الآمال في انقشاع غُمة كورونا، مما أدى إلى تفاؤل بشأن انتعاش اقتصادي يشجع على البحث عن رهانات أكثر خطورة، هو ما أكدت عليه منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بأن الاقتصاد العالمي سيعود إلى مستويات ما قبل الوباء بنهاية العام المقبل.

 

وتوالت التطورات الإيجابية سريعاً فيما يخص عدة لقاحات بفاعلية مرتفعة للغاية لعلاج فيروس كورونا يمكن أن تصبح متاحة على نطاق واسع العام المقبل، بل وافقت بالفعل المملكة المتحدة كأول دولة على استخدام لقاح شركتي فايزر وبيونتيك بداية من الأسبوع المقبل، في خطوة تبشر أننا في بداية نهاية نفق الوباء المظلم.

 

وهذا دفع البنوك الكبرى مثل سيتي جروب الى توقع مزيد من التراجعات قد يشهدها الدولار في 2021 بنحو 20%  , اذا تم توزيع اللقاحات وتراجع الوباء على نطاق واسع

 

وتكمن المعضلة في ما إذا انتعش الاقتصاد العالمي، فإن الاقتصاد الأمريكي سيجبر الاحتياطي الفيدرالي على توفير الحوافز للاقتصاد قبل النظر في زيادة أسعار الفائدة بسبب تضرره البالغ من تبعات وباء كورونا ، والذي بدورة تزايد توقعات بالتضخم وبتالي تقل جاذبية الدولار لمدى المستثمرين الذين يبحثون على اصول اخرى ليضعوا اموالهم بها

 

وحتى لو انتعش الاقتصاد الأمريكي سريعاً، يعتقد بعض المحللين أن الدولار يمكن أن يضعف بشكل كبير حيث يبحث المستثمرون عن عوائد أعلى خارج الولايات المتحدة ويخرجون من الملاذات الآمنة التي كانوا فيها طوال فترة كورونا، وهذا رأيناه مؤخراً وسط ارتفاع العملات التي تزدهر في أوقات الرغبة في المخاطرة مثل اليورو، والجنيه الإسترليني، وكذلك الدولار الأسترالي، والتي ارتفعت جميعها مقابل الدولار.

 

وما زاد الطين بلّة على الدولار في بداية الشهر الجاري، بعيداً عن أنباء اللقاح والسياسة التيسيرية للفيدرالي، هو إحياء المحادثات بين الديمقراطيين والجمهوريين في الكونجرس بشأن حزمة التحفيز المالي بمواجهة تداعيات كورونا، والتي ستؤثر على العملة الأمريكية لأن ضخ المزيد من الأموال في الاقتصاد يخفض من قيمة الدولار

 

وهناك عامل آخر قد يساهم في تزايد الضغوط على الدولار، يتمثل في احتمالية القضاء على أهم أسباب ارتفاع العملة الأمريكية في العامين الماضيين، وهو الحرب التجارية، مع توقعات واسعة بأن السياسة التجارية الخارجية للولايات المتحدة ستكون أكثر هدوءاً تحت إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن.

اما من الناحية الفنية فإن مؤشر الدولار على الاطار الاسبوعي يتداول بشكل سلبي  دون متوسط ال 24 اسبوع ويتداول ايضا دون المستوى المحوري للايجابية عند 94.60 , وهذا يدفعنا للاعتقاد بأن الاسعار سوف تتجه نحو مستوى دعم مهم عند 88.88 والتي بدورها ستدفع الى مزيد من الزخم الهابط نحو 84.47 و 78.86 نقطة , هذا يعني ان 2021 سيكون عام ارتفاعات اليورو والباوند والذهب والنفط والعملات الرقمية والسلع المسعره بالدولار في حال ثبات عوامل العرض والطلب عليها

 

اذا كل هذه العوامل الاساسية والفنية ساهمت في هبوط الدولار لأدنى مستوى في عامين ونصف، فإن التطورات المتعلقة بها إذا استمرت في مسارها الصحيح قد تجعلنا نرى العملة الأمريكية حبيسة الخسائر لفترة طويلة على امتداد 2021