تعرضت أسهم شركات التكنولوجيا العالمية لضغط شديد في العام الجاري؛ إذ كانت من أكبر ضحايا تحركات بنك الاحتياطي الفيدرالي العدوانية لخفض معدلات التضخم المرتفعة، في ظل حقيقة أن أسهم التكنولوجيا أكثر حساسية لزيادة أسعار الفائدة بين قطاعات أسواق الأسهم المختلفة، ومع اتجاه المركزي الأمريكي للمزيد من عمليات رفع تكاليف الاقتراض، إلى أيّ مدى سيستمر الضغط على قطاع التكنولوجيا؟

 

في أحدث تصريحاته خلال مؤتمر السياسة النقدية بمعهد كاتو في واشنطن، أكد رئيس الفيدرالي الأمريكي جيروم باول أن البنك سيواصل التحرك بقوة في زيادة معدلات الفائدة، لحين إنجاز مهمة في خفض التضخم، الذي يقف بالقرب من أعلى مستوياتها في 40 عامًا، وجاء ذلك بعد حوالي أسبوع من تعليقات أخرى لرئيس الفيدرالي خلال ندوة جاكسون هول، أحدثت اضطرابات كبيرة في أسواق الأسهم عامة وليس قطاع التكنولوجيا فقط، أوضح خلالها أن التزام الصارم بكبح جماح التضخم، قد يتسبب ألمًا للأسر والاقتصاد في الولايات المتحدة.

 

وشهدت سوق الأسهم الأمريكية خسائر قوية بعد هذه التصريحات في جلسة (26 أغسطس)، بقيادة مؤشر ناسداك، الذي يغلب عليه الطابع التكنولوجي، بعدما تراجع بنحو 4%، مسجلًا أكبر وتيرة هبوط يومية منذ يونيو الماضي، بل استمر تأثيرها لعدة جلسات متتالية، ولم يتعافى منها إلا بداية من جلسة الأربعاء المنصرم (7 سبتمبر الجاري).

 

أسهم التكنولوجيا تعاني مع سياسة الفيدرالي

الخسائر الأخيرة لأسهم التكنولوجيا، المتمثلة في الغالب في مؤشر ناسداك، هي استمرارًا لاتجاه هبوطي تسلكه الأسهم منذ أن بدأ الاحتياطي الفيدرالي دورة جديدة لتشديد السياسة النقدية في مارس الماضي، بالتزامن مع تصاعد الحرب الروسية الأوكرانية، التي زادت الضغوط على صانعي السياسات.

 

ورفع الاحتياطي الفيدرالي معدل الفائدة 4 مرات في العام الجاري حتى الآن، بداية بزيادة بلغت 0.25%، مرورًا بأخرى 0.50%، بالإضافة إلى زيادتين متتاليتين بنحو 0.75%، لتصل أسعار الفائدة إلى نطاق 2.25% و2.50%، بعد أن كان قرب الصفر في بداية هذا العام.

ومع التصريحات الأخيرة لجيروم باول، باستمرار التحركات القوية للفيدرالي، فإن هناك إمكانية كبيرة لأن يرفع البنك المركزي أسعار الفائدة بمقدار 0.75 نقطة مئوية في سبتمبر الجاري، لتكون الزيادة الثالثة على التوالي بهذه الوتيرة، حيت يتوقع 91% من المستثمرين رفع معدلات الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس في الاجتماع المقبل، فيما ترى النسبة المتبقية (9%) احتمالية زيادة الفائدة بنحو 50 نقطة أساس، وذلك بحسب أداة، سي.إم.إيه، التي تتبع تداول العقود الآجلة للفائدة الأمريكية، كما يوضح الرسم البياني التالي.

 

وتضررت أسهم التكنولوجيا أيضًا مع ارتفاع عوائد سندات الخزانة الأمريكية لآجل 10 سنوات فوق 3.3%، لتكون بالقرب من أعلى مستوى في 15 عامًا، لأن زيادة عائدات السندات تثير مخاوف بشأن تقييمات أسهم التكنولوجيا بشكل خاص، لأنها في الغالب تعتمد على الاقتراض لتحقيق نموًا كبيرًا.

وتظل الخلفية الاقتصادية صعبة للغاية بالنسبة لقطاع التكنولوجيا وأسهم النمو بصفة عامة، مع مخاوف الركود في ظل ارتفاع معدل التضخم وأسعار الفائدة، ووسط هذه الضغوط كيف كان أداء أسهم التكنولوجيا منذ بداية العام الجاري؟

أداء أسهم التكنولوجيا

تعني أسعار الفائدة المرتفعة أن الأرباح المستقبلية لشركات التكنولوجيا الكبرى لن تكون بنفس القيمة التي كانت عليه عندما كانت أسعار الفائدة أقل، كما أن الفائدة المرتفعة تجعل عمليات التمويل أكثر تكلفة، خاصة بالنسبة إلى الشركات الأصغر مقارنة بشركات مثل آبل ومايكروسوفت، التي لديها سيولة كبيرة.

ووسط هذه الضغوط، عانت شركات التكنولوجيا عامًا صعبًا، حيث فقد مؤشر ناسداك أكثر من 23% من قيمته منذ بداية 2022، ليكون فوق مستوى 12 ألف نقطة، ما يعني أن المؤشر التكنولوجي حاليًا في منطقة السوق الهابطة، كما هبطت أسهم قطاع التكنولوجيا في مؤشر ستاندرد آند بورز بأكثر من 21%، وتزامن ذلك مع خسائر قوية وإن كانت أقل حدة لمؤشر داو جونز وكذلك ستاندرد آند بورز بنحو 12% و15% على التوالي.

*أداء مؤشر ناسداك منذ بداية 2022

واتخذ مؤشر ناسداك مسار هبوطي تسارع بعد الغزو الروسي لأوكرانيا وتداعياته على تحركات الأسعار حتى سجل في يونيو الماضي أدنى مستوى منذ صدمة وباء كورونا عام 2020، عند مستويات 10 آلاف نقطة، لكنه تعافي بعد ذلك حتى تجاوز مستوى 13 ألف نقطة في منتصف أغسطس، قبل أن يعاود الهبوط مجددًا منذ ذلك الحين.

وسجل مؤشر ناسداك أطول موجة هبوط يومية منذ عام 2016، بعدما هبط لنحو 7 جلسات متتالية انتهت يوم الثلاثاء (6 سبتمبر)، قبل أن يتعافى في الجلسات الثلاثة الأخيرة، ليتمكن من تحقيق مكاسب أسبوعية بنحو 4%، لأول مرة بعد خسائر استمرت لنحو 3 أسابيع متتالية.

وكانت شركات التكنولوجيا الأكثر قيمة في سوق الأسهم ضمن أكبر الخاسرين في العام الحالي، حيث تراجع سهم شركة آبل بأكثر من 11% في 2022، لتصل القيمة السوقية إلى 2.5 تريليون دولار، بعدما كانت تطمح الشركة في التألق فوق مستوى 3 تريليونات دولار.

كما تراجع سهم شركة مايكروسوفت بأكثر من 21%، لتهبط القيمة السوقية أقل من تريليوني دولار، وهبط سهما أمازون وألفابت بنحو 20% و24% على التوالي، فيما كان سهم ميتا (فيسبوك) أكبر الخاسرين حيث تراجع بنحو 50% منذ بداية العام الجاري.

 

ليس هناك شك في أن التضخم المرتفع وارتفاع أسعار الفائدة ومخاوف الركود الاقتصادي هي عوامل سلبية قوية تؤثر في أسهم التكنولوجيا والنمو، فهل يظهر الاقتصاد علامات على التعافي سريعًا قبل الانغماس في الركود مما يدعم الأسهم، أم تستمر المعاناة وتتواصل حرب الاحتياطي الفيدرالي ضد التضخم؟

 

اياد عارف

مؤسس موقع نمازون الإقتصادي