هل وصلت مكاسب أسهم التكنولوجيا للمحطة الأخيرة؟

 

بعد أسابيع من المكاسب المستمرة والهدوء في وول ستريت بقيادة الصعود القياسي لأسهم التكنولوجيا، عادت نوبة من التقلبات إلى الأسواق المالية في أواخر الأسبوع الماضي، مما أدى إلى تعطيل ما كان تقريبًا صعودًا مستمرًا إلى الأرقام القياسية لمؤشرات الأسهم الأمريكية وأثار تساؤلات حول مسار وول ستريت.


ومثلما كانت أسهم التكنولوجيا العكاز الذي استند عليه سوق الأسهم للتعافي من الضربة القوية التي ألحقها به فيروس كورونا، قد تكون النهاية السيئة للتقييم المبالغ فيه والفقاعة التي يعيشها قطاع التكنولوجيا في سلب المكاسب من البورصة الأمريكية.


في الحقيقة كان الارتفاع القياسي لمؤشر ستاندرد آند بورز في أوائل الأسبوع الماضي على خلفية مكاسب شركات التكنولوجيا الأمريكية العملاقة (آبل وأمازون وألفابت ومايكروسوفت وفيسبوك ونتفليكس) حيث أنه خلال الاثني عشر شهرًا الماضية ساهمت أسهم هذه الشركات في زيادة قدرها 74% من مكاسب القيمة السوقية للمؤشر الأوسع نطاقاً.


لكن ما الذي دفع أسهم التكنولوجيا وبالتالي وول ستريت لعكس مسارها الصعودي في آخر 48 ساعة في الأسبوع الماضي؟


في نهاية جلسة الأربعاء الماضي، احتفت مؤشرات الأسهم الأمريكية جميعها بمكاسب قوية مع صعود مؤشري ستاندرد آند بورز وناسداك، وإغلاق المؤشر الصناعي داو جونز أعلى مستوى 29 ألف نقطة للمرة الأولى منذ فبراير المنصرم.


كان هذا الصعود بعد أن تمكن ستاندرد آند بورز من تسجيل أفضل أداء لشهر أغسطس في 34 عاماً بصعود تجاوز 7%، كما ارتفع داو جونز بنسبة 7.8% محققاً أعلى وتيرة زيادة شهرية منذ عام 1984.


في الواقع، المستويات القياسية للأسهم الأمريكية خلال الأسابيع كانت بدعم رئيسي من صعود أسهم التكنولوجيا الكبرى بقيادة آبل وأمازون ومايكروسوفت وفيسبوك ونتفليكس، التي استفادت من بقاء الناس في منازلهم ضمن الإجراءات الاحترازية لمكافحة فيروس كورونا.


لكن انقلب الوضع رأساً على عقب في آخر جلستين في الأسبوع الماضي بعد أن كان البعض يرى أن الأسهم تتجه إلى الارتفاع فقط، وشهدت أسهم التكنولوجيا موجة بيعية في جلسة الخميس ليتراجع مؤشر ناسداك بنحو 5%، كما انخفض ستاندرد آند بورز بنسبة 3.5% في أكبر هبوط يومي منذ يونيو الماضي، فيما فقد داو جونز أكثر من 800 نقطة بقيادة سهم آبل الذي تهاوى بنحو 8% مسجلا أكبر وتيرة انخفاض منذ مارس.

 

 

*أداء مؤشر ستاندرد آند بورز منذ بداية العام الجاري*

 


كما واصلت الأسهم الأمريكية خسائرها القوية خلال جلسة الجمعة قبل أن تقلصها عند الإغلاق، لكن هذا لم يمنعها من تسجيل خسائر أسبوعية قوية هى الأكبر في 3 أشهر.


وتراجعت القيمة السوقية لأسهم شركات فيسبوك وآبل ونتفليكس وألفابت ومايكروسوفت وأمازون وإنفيديا مجتمعة بنحو 636 مليار دولار في يومين فقط، مما كلف أغنى 10 أشخاص في قطاع التكنولوجيا الأمريكي خسائر حوالي 44 مليار دولار خلال في جلسة الخميس فقط.


هل تعيش أسهم التكنولوجيا فقاعة قاربت على الانفجار؟


انتعشت سوق الأسهم في فصلي الربيع والصيف بعد انخفاضها في مارس حيث استوعب المستثمرون الخسائر الاقتصادية التي سببتها جائحة فيروس كورونا، كان معظم الارتفاع على أساس الأداء القوي لأسهم التكنولوجيا، ولكن هناك أيضًا أمل في أن يكون أسوأ ما يجلبه الوباء قد انتهى، على الرغم من ارتفاع الإصابات بالفيروس واحتمال حدوث موجة ثانية في الخريف، كما ساعدت كميات ضخمة من الدعم من الاحتياطي الفيدرالي والكونجرس في تعزيز الاقتصاد والأسهم.


المكاسب القوية جعلت المحللون يرون أن سوق الأسهم خاصة التكنولوجيا تشهد فقاعة بقيادة أسهم آبل وأمازون وتسلا التي ارتفعت بنحو 65% و78% و400% على التوالي.

 

 

 

*أداء سهم آبل منذ بداية 2020*

 


وتساءل المحللون كثيرا عما إذا كانت هذه المكاسب مبالغ فيها، حيث يرى مارك هاكيت رئيس أبحاث الاستثمار في ناشون وايد: هناك القليل جدًا لتبرير التحرك الصعودي لهذه الأسهم، مشيراً إلى أن السوق قد ضمنت افتراضات متفائلة للغاية حول تأثير الفيروس على الاقتصاد، وكذلك بشأن احتمالات طرح الكونجرس والبيت الأبيض لحزمة إغاثة اقتصادية أخرى.


كما يوضح جوناثان بيل كبير مسؤولي الاستثمار في ستانهوب كابيتال: أعتقد أننا بالتأكيد في منطقة الفقاعة، مشيرا إلى أن ما يسمى بأسهم التكنولوجيا الخمسة الكبار تمثل بالفعل حوالي 20% من سوق الأسهم الأمريكية، وبالنظر إلى حجم سوق الولايات المتحدة على مستوى العالم، فإن عمالقة التكنولوجيا يمثلون حوالي 12% من مؤشر إم إس سي أي العالمي.


عند مناقشة ما إذا كانت الفقاعة التكنولوجية التي وصفها يمكن أن تنفجر في المستقبل القريب، أشار بيل: أود أن أقول للناس أن هذه منطقة من نوع الفقاعة، لكن هذا لا يعني أنها ستنفجر الآن، إن ما رأيناه في الأسبوع الماضي أو نحو ذلك هو مجرد تفكيك للصعود في الأسبوعين الماضيين.


وتأتي تعليقاته بعد أن وصف ليو جروهوسكي كبير مسؤولي الاستثمار في بي إن واي ميلون عمليات البيع في الأسبوع الماضي بأنها دعوة للاستيقاظ جيدة وتذكير بوجود مخاطر هناك.


فيما يرى بنك أوف أمريكا أن النجاح في تطوير لقاح لفيروس كورونا سيمثل تحولاً من أسهم النمو إلى أسهم القيمة، لينهي هيمنة أسهم قطاع التكنولوجيا في الولايات المتحدة.


ووفقاً للبنك الأمريكي، فإن النجاح في تطوير لقاح لفيروس كورونا سيساهم في تعزيز النمو الاقتصادي وسوف يبدو التقييم النسبي لأسهم التكنولوجيا أقل جاذبية مقارنة بباقي الأصول.


من جانبه، يرى محمد العريان المستشار الاقتصادي لشركة أليانزأن سوق الأسهم الأمريكي قد يتراجع بسهولة بنحو 10% إضافية إذا اتجه المستثمرون للأخذ في الاعتبار عامل الأساسيات، موضحاً أن السوق سيشهد لعبة شد الحبل بين النقيضين المتمثلين في المستثمرين الذين يدخلون للشراء عند أي هبوط للسوق اعتماداً على ضخ  الاحتياطي الفيدرالي تريليونات الدولارات، وبين هؤلاء الذين سيبدأون في وضع الأساسيات محل الاعتبار.


رغم ذلك، فإن الصورة ليس سوداء فقط، حيث لا يزال هناك تفاؤل بشأن استمرار المكاسب يعتمد على ربحية الشركات وحصة سوقية قوية، وهو ما يتعارض مع ما شهدته فقاعة الدوت كوم في نهاية تسعينيات القرن الماضي، بالإضافة إلى استمرار معدلات الفائدة المنخفضة والسياسة النقدية التيسيرية.


ويرى بيتر أوبنهايمر كبير محللي الأسهم العالمية  في جولدمان ساكس أن أسهم التكنولوجيا لاتزال الخيار الأفضل لدى المستثمرين في الوقت الحالي، مبقياً على توصيته بزيادة الوزن لأسهم التكنولوجيا بفضل التدفقات النقدية القوية للقطاع والأرباح والميزانيات المستقرة.


وتابع المحلل: نعتقد أن التحول في الاقتصاد وأسواق الأسهم يمتلك مساحة إضافية للتحرك، شركات التكنولوجيا يمكنها قيادة الصعود والعوائد في السوق.


ورداً على مخاوف انفجار الفقاعة قال محلل جولدمان ساكس إن معدل السعر إلى الأرباح بالنسبة لأسهم التكنولوجيا الكبرى - آبل ومايكروسوفت وأمازون وفيسبوك وألفابت - يبلغ 31.6، وهو أقل من المسجل خلال فقاعة الدوت كوم في تسعينيات القرن الماضي عند 55.1.


تأتي وجهتي النظر في فترة يترقب فيها المستثمرون الكثير من الأحداث المهمة التي قد تساهم في تحويل اتجاه الأسهم إلى الصعود أو الهبوط بدايتها مع اجتماع الاحتياطي الفيدرالي في منتصف الشهر الجاري، ومراقبة حزمة التحفيز الإضافية المحتملة، فضلاً عن الحدث الأبرز والأهم وهو انتخابات الرئاسة الأمريكية في 3 نوفمبر المقبل، ليبقي السؤال متى تنتهي فقاعة التكنولوجيا؟

 

(نمازون متعة المعرفة)