تقرير خاص 

اعداد فريق العمل

 

شغلت الحرب التجارية الأمريكية الصينية العالم، وأثرت على موازين القوى السياسية والاقتصادية الدولية، وبات إنهاء هذه النزاع ضرورة لكلا الطرفين مع انكماش النشاط الصناعي في الصين لأول مرة منذ أكثر من عامين، وتراجع الأداء الصناعي الأمريكي لأدنى مستوياته منذ 15 شهراً.

وانعكس النزاع على مؤشرات أسواق المال، إذ هبط مؤشر شنغهاي بنحو 25% ومؤشر إس بي 500 بما يتجاوز 6% نهاية العام الماضي , وهذا النزاع على عرش التفوق الاقتصادي بين واشنطن وبكين، قد كلفت كل دولة حوالى 2.9 مليار دولار في 2018.

 

ورغم التفاؤل الذي يبديه الطرفان نتيجة المحادثات الجدية والدخول في هدنة، يرى الخبراء أن هذه المحادثات لا تقود إلى اتفاق بحلول الأول من آذار (مارس) ضمن مهلة قصيرة في ظل التحديات الكبيرة التي تقف عائقاً بوجه حل الأزمة.

تهديد وقلق من حرب عالمية جديدة

والاتفاق الذي توصل إليه كل من الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والصيني شى جينبينج في وقت سابق من هذا الشهر خفف من حدة التوتر بين البلدين، لكنه أثار القلق من عدم إمكانية التوصل لاتفاق محتمل مع انتهاء فرصة الثلاثة أشهر التي أقرها ترامب لتأجيل تطبيق زيادة التعريفة الجمركية.

وبمشاركة حلفاء الولايات المتحدة من المكسيك وكندا واليابان وأوروبا والهند في هذه اللعبة الخاسرة، يبقى التخوف الحقيقي من حدوث حرب مفتوحة، فبعض الخبراء والمحللين يرون أنه في حالة هجوم صيني غير مبرر على تايوان، يجب على أميركا خوض الحرب مع الصين ، وكذلك الأمر بالنسبة لأستراليا.

فالحرب الأميركية - الصينية الطويلة والمكلفة وغير الحاسمة ستدمر النظام الإقليمي على أي حال، لأن قيادة أميركا في آسيا لن تنجو من الحرب مع الصين, لكن هناك من يخالفهم الرأي ولا يرون أن هناك حرب عسكرية تلوح في الأفق، فأمريكا التي كانت مستعدة لخوض حرب نووية لإنقاذ ألمانيا الغربية من السوفييت في الحرب الباردة، لن تحارب الصين التي لا تشكل تهديداً مماثلاً للتخوف من توسع القوة السوفيتية سابقاً.

 

لا حرب عسكرية وإنما سيبرانية

من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية، تتمتع الصين والولايات المتحدة بسلاسة عميقة، وتعتمدان بشكل كبير على الاتصال عبر الإنترنت، ويمكن أن يكون لاختراق كبير في هذا الاتصال آثار كارثية.

و يتجلى ذلك بشكل واضح بأزمة شركة هواوي، فاليوم سوق اتصالات الجيل الخامس 5G يشكل أحد أهم أسباب اندلاع النزاع التجاري بين البلدين، هذه التقنية تعد جزء أساسي من استراتيجية (صنع في الصين 2025) والتي ستعزز القوة التكنولوجية لبكين، فيما تعتبرها الولايات المتحدة تهديداً لأمنها القومي.

ومن المتوقع وأن يتخطى حجم سوق خدمات الجيل الخامس 250 مليار دولار بحلول 2025، وحجم البيانات التي يتعامل معها هذا السوق سيفوق معدل البيانات المستخدمة في شبكات اتصالات الجيل الرابع 4G بنحو ألف مرة، ما ينذر بمرحلة جديدة من المخاطر والتهديدات لأمن البيانات.

فوائد اقتصادية تولدها الأزمة

في الوقت الذي تسببت به الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في حدوث اضطرابات كبيرة في الأعمال التجارية العالمية، لكنها قد تعود بالفائدة على البعض, فبحسب دراسة صادرة عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، يمكن أن تضيف الشركات في أوروبا والمكسيك واليابان وكندا عشرات المليارات من الدولارات لأوامر التصدير إذا استمر النزاع

 

وحذرت الدراسة من أن التعريفات الجمركية لا تساعد الشركات المحلية في الولايات المتحدة والصين، وحتى لو انتهى بهم الأمر إلى الاستفادة من المصدرين في بلدان أخرى، فهم أيضاً يخاطرون بإعداد سلسلة من التأثيرات السلبية حول العالم.

ومن بين أكثر من 300 مليار دولار من التجارة بين الصين والولايات المتحدة التي تضررت من التعريفات الجديدة، من المحتمل أن يتحول نحو 250 مليار دولار إلى اقتصادات أخرى، حسب تقديرات الأمم المتحدة.

ووفقا للدراسة، فإن الاتحاد الأوروبي سيحصل على أكبر حصة (تبلغ حوالي 70 مليار دولار من الصادرات الجديدة)، وذلك لما تتمتع به اقتصادات أوروبا من قدرة تنافسية على مستوى العالم، وإمكانات لزيادة صادراتها، إذ يمكن أن تكسب المكسيك واليابان وكندا ما يتجاوز 20 مليار دولار من الصادرات الجديدة.

وذكرت الأمم المتحدة أن التعريفات الثنائية تبدل التنافسية العالمية لصالح الشركات العاملة في الدول غير المتأثرة بها بشكل مباشر.

تأثير الدومينو المحتمل

المكاسب التي تحققت في بعض البلدان يمكن أن تقوضها الجوانب الأخرى للحرب التجارية، التي ساهمت في حدوث تباطؤ اقتصادي في الصين وأثارت تقلبات في الأسواق العالمية، فاستمرار معركة التعريفات سيضر بالاقتصاد العالمي عبر تعطيل سلاسل التوريد العالمية وإحداث اضطرابات في أسعار السلع والأسواق المالية، والتحول إلى حرب عملات. وحتى لو استفادت بعض الصناعات الأوروبية من النزاع، فإن العديد من الشركات الكبرى في القارة لن تكون محصنة ضد النزاع بسبب عملياتها المنتشرة عالمياً.

 

وبينت شركات صناعة السيارات الألمانية دايملر وبي إم دبليو، أن التعريفات الصينية على السيارات الأمريكية الصنع تؤذي أرباحها.

ختاماً، سيحدد الشهر المقبل مصير النزاع الأمريكي الصيني الذي أعاد العالم خطوات كبيرة إلى الوراء، ففي الوقت الذي عزز فيه انخفاض التعريفات الجمركية التجارة العالمية على مدى عقود، تزداد اليوم القيود والحواجز التجارية بين الدول التي تؤثر مرونة سلاسل التوريد العالمية وقطاع الأعمال على المستوى الدولي.