في خضم التداعيات السلبية للجائحة، تبرز بعض الإيجابيات لعل أهمها أن كوفيد-19 كان دافعاً كبيراً لتسريع اتجاه العالم نحو التحول الرقمي، ومع تراجع اعتماد المستهلكين على النقد رويداً رويداً، بدأ البنك المركزي الأوروبي يشق الطريق نحو إصدار نسخة رقمية من عملة اليورو

 

حيث أصدر المركزي في بداية الشهر الجاري أول تقرير له بشأن اليورو الرقمي بعد أشهر من المناقشات داخل أروقة البنك في محاولة لتأميل مستقبل رقمي للعملة المشتركة بين 19 دولة، رغم أن النقد لا يزال يهيمن على حوالي 79% من جميع مدفوعات منطقة اليورو في نقاط البيع , وتفتح هذه الخطوة الباب أمام المزيد من التجارب في الفترة المقبلة حيث يختبر المركزي الصيني بالفعل عملة رقمية رسمية، بينما يقول البنك المركزي السويدي إنه بدأ مشروعًا تجريبيًا بشأنها.

 

ويوضح الرسم البياني التالي تسارع وتيرة التعاملات غير النقدية حول العالم والذي سيجبر البنوك المركزية على إصدار عملاتها الرقمية

*المعاملات غير النقدية حول العالم من 2017، بحسب شركة كابيجيميني*

 

ويتضح مدى الجدية التي يتعامل بها المركزي الأوروبي مع إنشاء اليورو الرقمي من خلال حقيقة أنه قدم طلبًا للعلامة التجارية إلى مكتب الاتحاد الأوروبي للملكية الفكرية من أجل اليورو الرقمي

 

سوف نتناول كل ما يخص هذا الإصدار المحتمل من خلال التساؤلات الآتية استناداً إلى للبنك المركزي الأوروبي في التعريف بهذه العملة الرقمية.

ما هو اليورو الرقمي؟

في البداية، اليورو الرقمي هو شكل إلكتروني لأموال البنك المركزي التي يمكن لجميع المواطنين والشركات الوصول إليها لتسديد مدفوعاتهم اليومية بطريقة سريعة وسهلة وآمنة، ولن تستبدل هذه العملة الرقمية النقد حيث سيستمر البنك في إصداره على أي حال لكنها ستمنح الناس المزيد من الخيارات حول كيفية الدفع، ويسهل عليهم القيام بذلك، مما يزيد من الشمول المالي.

ومن المحتمل أن يكون اليورو الرقمي متاحًا لغير المقيمين في منطقة اليورو، وقد يؤدي ذلك إلى تحفيز الطلب على العملة الأوروبية من قبل المستثمرين الأجانب.

لذا يعتقد المحللون في بنك أي.إن.جي الهولندي أن الدافع الأكثر إثارة للاهتمام وراء إصدار اليورو الرقمي يتعلق بالدور الدولي للعملة الأوروبية التي ارتفعت حصتها من الاحتياطات العالمية بنهاية الربع الثاني من العام الجاري إلى 20.3% بحسب بيانات صندوق النقد الدولي.

 

وتقول كريستين لاجارد رئيس المركزي الأوروبي إن اليورو ملك للأوروبيين الذي يتجهون بشكل متزايد إلى التكنولوجيا الرقمية من حيث طرق الإنفاق والادخار والاستثمار، مؤكدةً أن دور البنك هو تأمين الثقة في المال، وهذا يعني التأكد من أن اليورو مناسب للعصر الرقمي، لذا يجب أن نكون مستعدين لإصدار يورو رقمي، إذا دعت الحاجة لذلك.

 

لذا ما الأسباب التي قد تدفع المركزي الأوروبي لإصدار اليورو الرقمي؟

أولاً: زيادة الطلب على المدفوعات الإلكترونية في منطقة اليورو والتي قد تتطلب وسيلة دفع أوروبية خالية من المخاطر، وعندئذ سيسد اليورو الرقمي الثغرات في توفير حلول الدفع الرقمية ويدعم رقمنة القطاع المالي وبالتالي الاقتصاد الأوسع.

ثانياً: انخفاض كبير في استخدام النقد كوسيلة للدفع في منطقة اليورو، مما يعني زيادة الاعتماد على أشكال خاصة من الأموال وعند حد معين يمكن أن يعيق مثل هذا الاتجاه توفير الخدمات النقدية الكافية ويواجه الناس صعوبات في الوصول إلى وسيلة الدفع الوحيدة التي يوفرها القطاع العام، واستجابة لذلك يمكن أن يقدم اليورو الرقمي شكلاً إضافياً من أشكال المال العام ووسيلة للدفع من أجل إرضاء احتياجات المستخدمين.

 ثالثاً: العديد من البنوك المركزية الأجنبية تقوم بتقييم إمكانية إصدار عملة رقمية خاصة بهم، والتي يمكن أن تكون كذلك متاحة للمواطنين الأوروبيين وتناول هذه العملات المحتملة على نطاق واسع قد يتسبب في استبدال العملة وكذلك زيادة مخاطر الصرف الأجنبي في اقتصاد منطقة اليورو.

هذا بالإضافة إلى قيام شركات التكنولوجيا بإطلاق وسائل خاصة عالمية من المدفوعات غير مقومة باليورو (العملات المستقرة مثل ليبرا) مما قد تثير مخاوف تنظيمية وتشكل مخاطر على الاستقرار المالي وحماية المستهلك، وتعيق انتقال السياسة النقدية في منطقة اليورو رغم أنها ستحقق بصمة عالمية وسيتم استخدامها على نطاق واسع في مدفوعات التجزئة الأوروبية.

رابعاً: تتعرض المؤسسات المالية للتهديد من قبل مجموعة واسعة من المخاطر مثل الهجمات الإلكترونية والكوارث الطبيعية والأوبئة مما قد يؤدي إلى انقطاع الدفع بالبطاقة الخاصة وتعطل الخدمات المصرفية عبر الإنترنت والسحب النقدي من أجهزة الصراف الآلي وهذا يمكن أن تؤثر بشكل كبير على مدفوعات التجزئة وتضعف الثقة في النظام المالي.

 

لماذا يختلف اليورو الرقمي عن الأصول المشفرة؟

في ظل المخاوف بشأن الخصوصية وغسل الأموال وغيرها والتي أثارتها البيتكوين وعملة ليبرا مؤخراً، فإن اليورو الرقمي مختلف عن أنظمة الدفع غير النقدية الحالية التي يديرها القطاع الخاص عبر مجموعة العملات الرقمية الحالية , لأنه سيكون أموالًا رسمية من البنك المركزي سيكون لدى الأشخاص الذين يستخدمونها اليورو نفس المستوى من الثقة كما هو الحال مع النقد، نظرًا لأن كلاهما مدعوم من قبل بنك مركزي، وهو أمر لا يمكن أن توفره الأصول المشفرة الحالية

 

هل سيكون اليورو الرقمي بديلا عن العملات الرقمية الحالية ؟

هنا يجب ان نتحدث عن منهج مركزية التعاملات التي تعتمدها البنوك المركزية في عملاتها المزمع اصدارها , وفكرة اللامركزية التي تعتمدها العملات الرقمية الحالية وهي اساس قيامها وانطلاق ثورتها , هذا الجدار فاصل بين المنهجين المركزي واللامركزي سيبقى موجودا وبالتالي لا نرى وجود للتنافسية المباشرة بل فعليا ربما نشهد افاقا للتعاون ومزيد من اكتساب الشرعية العالمية لتعميم للفكرة

بالاضافة ان العملات الاقتصادية مثل اليورو والدولار والين ,, الخ تستحوذ على 99% من حجم التداولات اليومية الترليونية في حين كل العملات الرقمية لا تمثل تداولاتها اليومية اكثر من 1% رغم كل الضجيج الاعلامي حولها , وبتالي فان اتجاه البنوك المركزية نحو اطلاق عملاتها الرقمية سوف يستحوذ على حصة سوقيها من حصتها الخاصة بالطرق التقليدية ولن يؤثر على حصة العملات الرقمية السوقية , بل العكس هو الصحيح فانتشار العملات الرقمية اللامركزية هو الاخذ بالانتشار وان كان بحجمه المتواضع حاليا لكن المستقبل مفتوح امامه للحصول على حصة سوقية اكبر

 

لذا,  لا يمكن ان يمثل اليورو الرقمي او اي عملة رقمية مركزية بديلا عن العملات الرقمية الحالية فكل منهما يسبح في محيط منفصل عن الاخر  

 

متى سيتم إصدار اليورو الرقمي؟

ذكر البنك المركزي الأوروبي أنه في مرحلة الإعداد ودراسة التصاميم الممكنة كما أنه سيبدأ في 12 أكتوبر الجاري إجراء مشاورات عامة حول اليورو الرقمي للاستماع إلى آراء الجمهور وأصحاب المصلحة المعنيين. وذكر المركزي الأوروبي أنه سيقرر في منتصف عام 2021 تقريبًا ما إذا كان سيطلق هذا المشروع، مشيراَ: سيستغرق تطوير عملة رقمية آمنة ويسهل الوصول إليها وفعالة بعض الوقت. ومن جانبه، يقول فابيو بانيتا عضو المركزي الأوروبي: نحن بحاجة للتأكد من أن عملتنا مناسبة للمستقبل، عدم اتخاذ أي إجراء ليس خيارًا.

 

في النهاية، حتى لو لم يكن اليورو الرقمي أو غيره من التجارب المشابهة ضروريًا في الوقت الحالي، فيجب أن تكون البنوك المركزية مستعدة لإصدارها عندما تتطلب الظروف العالمية ذلك