ارتفع عائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات بشكل كبير في الربع الرابع من عام 2020 لتعكس بذلك جزئياً التراجعات الحادة التي شهدها منذ ظهور الجائحة في الربع الأول من العام.

 

بحسب تقرير بنك الكويت الوطني تلقى موقع (نمازون) نسخته اليوم الخميس، يعود الفضل في ارتفاع العوائد إلى تحسن آفاق النمو الاقتصادي، لاسيما بعد طرح اللقاحات منذ ديسمبر الماضي وزيادة كمية السندات المعروضة في ظل الحاجة لتوفير الدعم المالي المستمر، وربما أيضاً نتيجة لارتفاع توقعات التضخم نظراً لظهور مؤشرات تدل بقوة على الانتعاش الاقتصادي.

 

وفي المقابل، اتجهت عوائد السندات القياسية للاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة نحو التراجع متأثرة بتجديد فرض القيود على التنقل وأنشطة الأعمال، مما زاد من احتمالات حدوث ركود مزدوج وأثر سلباً على المعنويات.

 

وفي ذات الوقت، تقلص الفارق بين عوائد السندات السيادية لدول مجلس التعاون الخليجي وتلك الخاصة بسندات الخزانة الأمريكية مما يعكس التحسن المستمر للاقتصادات الإقليمية (ارتفعت أسعار النفط بنسبة 26% في الربع الرابع من عام 2020) بعد الصدمة المزدوجة المتمثلة في انهيار أسعار النفط والتباطؤ الاقتصادي الناجم عن الجائحة.

 

وكان العام 2020 استثنائياً بشأن الإصدارات الإقليمية، حيث سعت الحكومات إلى تمويل عجز ميزانيتها التي تأثرت سلباً بتداعيات الركود وانخفاض أسعار النفط.

 

ووصلت قيمة الإصدارات السيادية لدول مجلس التعاون الخليجي المقومة بالدولار والعملات المحلية إلى أكثر من 100 مليار دولار خلال العام بما يتماشى تقريباً مع المستويات المرتفعة التي شهدتها إصدارات العام 2019.

 

وتوقع الكويت الوطني أن تظل إصدارات أدوات الدين الإقليمية قوية في عام 2021 في ظل استمرار عجز الميزانية والانخفاض النسبي للعائد.

 

 

تباين أداء عوائد السندات العالمية في الربع الرابع من عام 2020

 

يمكن تفسير تباين أداء عوائد السندات الأوروبية والأمريكية في الربع الرابع نتيجة للتحسن الملحوظ في المشهد الاقتصادي الأمريكي بما في ذلك الدعم المالي المستمر وطرح اللقاحات، وذلك على الرغم من تباطؤ طرح اللقاحات عما كان مخططاً له.

 

من جهة أخرى، تواجه أوروبا مخاطر حدوث ركود مزدوج نظراً لتدابير الإغلاق الأكثر انتشاراً والأشد صرامة مقارنة بالولايات المتحدة.

 

وارتفعت عوائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات بمقدار 23 نقطة أساس خلال الربع الأخير لتصل إلى 0.91% بنهاية ديسمبر، كما ارتفعت إلى 1.13% كما في 11 يناير 2021، فيما يعد أعلى مستوياتها المسجلة منذ مارس 2020، في حين تراجعت عوائد السندات الألمانية والبريطانية بمقدار 5.5 و 3.5 نقطة أساس خلال الربع الأخير على التوالي.

 

ومستقبلياً، قد تعكس عوائد سندات الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة مسارها الهبوطي إذا تحسنت الأوضاع المتعلقة بالفيروس تحسناً جوهرياً أو تم رفع قيود الإغلاق أو تسارعت معدلات برامج التطعيم مما يساهم في تعزيز التعافي الاقتصادي واستعادته لزخمه وتخفيف البنك المركزي الأوروبي لوتيرة شراء السندات.

 

كما تجدر الإشارة أيضاَ إلى قيام الاتحاد الأوروبي بطرح سندات بقيمة 17 مليار يورو للمرة الأولى في أكتوبر 2020 بموجب برنامج الدعم المؤقت للتخفيف من مخاطر البطالة في حالات الطوارئ.

 

وتجاوز الإقبال على تلك السندات الكمية المطروحة بما يقارب 14 ضعف. وهنك المزيد من الإصدارات الإضافية التي يخطط الاتحاد الأوروبي لطرحها في عام 2021. ويرى البعض أن تلك الخطوة قد تؤدي إلى اجتذاب الطلب بعيدا عن السندات الأوروبية التقليدية وبالتالي تقليل الضغوط الهبوطية على العوائد.

 

من جهة أخرى، قد تظل أدوات الدين الألمانية جذابة للتحوط ضد عدم استقرار الاوضاع في الاتحاد الأوروبي في المستقبل نظراً لاقتصادها المحلي القوي.

 

وفي الولايات المتحدة، سيعتمد النمو المستدام للعوائد أيضاً على قوة الانتعاش الاقتصادي خاصة في ظل إدارة بايدن التي من المتوقع أن تتبنى سياسة أكثر صرامة في مواجهة الجائحة وذلك على الرغم من إمكانية مواجهتها لبعض المخاطر نتيجة للارتفاع المستمر في معدلات الإصابة بالفيروس.

 

في المقابل، من المرجح أن تؤدي إجراءات التحفيز المالي المستقبلية التي قد تقرها إدارة بايدن إلى ارتفاع العوائد بالإضافة إلى توقع تعزيز حملة التطعيم. إلا انه يبقى أن نرى إلى أي مدى سيسمح الاحتياطي الفيدرالي بزيادة عوائد السندات طويلة الأجل وما إذا كان سيتدخل لإبقاء تلك المعدلات تحت السيطرة من خلال تكثيف برنامج شراء الأصول.

 

 

انخفاض عوائد سندات دول مجلس التعاون الخليجي بدعم من ارتفاع أسعار النفط

 

واصلت عوائد السندات السيادية الخليجية متوسطة الأجل اتجاهها الهبوطي في الربع الرابع من العام على خلفية انحسار المخاطر في ظل ارتفاع أسعار النفط. وتتزايد الضغوط الهبوطية على العوائد نتيجة لاستمرار قوة الطلب من جهة المستثمرين الأجانب، خاصةً إذا استمر تحسن نظرة المستثمرين العالميين للمخاطر بالمنطقة، بالإضافة إلى الأفضلية مقارنة بعوائد الأسواق العالمية.

 

وقد تكون مؤشرات إمكانية إنهاء الحظر المفروض على قطر (الذي بدأ في يناير) قد ساهمت أيضاً في انخفاض العوائد.

 

وجاء في صدارة الدول الخليجية التي تراجعت عوائد سنداتها كلا من سلطنة عمان (-211 نقطة أساس على أساس ربع سنوي) والبحرين (-111 نقطة أساس على أساس ربع سنوي)، فيما يعزى جزئياً إلى ارتفاعها بمستويات أعلى بكثير من نظيراتها في وقت سابق من العام بالإضافة إلى التقدم الجيد على جبهة الإصلاحات الاقتصادية في عمان مما يساهم في تراجع المخاطر السيادية.

 

وفي ذات الوقت، شهدت عوائد السندات السيادية في قطر والكويت والسعودية وأبو ظبي، والتي كانت أقل بكثير من نظيراتها في عمان / البحرين في الربع الرابع من عام 2020، انخفاضات بوتيرة أقل بلغت 37 و 32 و 26 و 22 نقطة أساس على التوالي.

 

وتشير النظرة المستقبلية إلى ان اتجاه عوائد السندات الخليجية في المستقبل تحيطه حالة من عدم اليقين المرتبطة بالعديد من العوامل الرئيسية، بما في ذلك أسعار النفط، ووتيرة الإصلاحات، والعوامل الجيوسياسية، وتطور الفيروس/اللقاحات.

 

وتتضمن العوامل التي قد تؤثر على حركة العوائد ارتفاع أسعار النفط بوتيرة مستمرة، والتقدم الجيد على صعيد الإصلاحات التي تشتد الحاجة إليها، وغياب التطورات السلبية الجيوسياسية، وانخفاض حالات الإصابة الجديدة بالفيروس.

 

ومن جهة أخرى، قد ترتفع العوائد إذا تحركت نفس العوامل في الاتجاه المعاكس في إشارة إلى تدهور الأوضاع.

 

كما قد يساهم ايضاً تقلص الفارق بين عوائد سندات الولايات المتحدة وعوائد السندات الإقليمية في الحد من انخفاض العوائد، خاصة في حالة قطر والكويت وأبو ظبي التي وصلت إلى أدنى مستوياتها في عدة سنوات، مما يقلل من إمكانية تسجيلها للمزيد من التراجع، مع إمكانية تحول الطلب على إصدارات الدين الخليجية إلى أسواق دين أخرى تتميز بهيكل أفضل للمخاطر والعوائد.

 

 

الإصدارات الخليجية حافظت على قوتها نتيجة للحاجة المحلة للتمويل

 

شهدت الإصدارات الإقليمية زخم خلال العام 2020، حيث تجاوزت قيمتها أكثر من 100 مليار دولار بما يتساوى تقريباً مع مستويات عام 2019. وقد شهد الربع الرابع من العام 2020 إصدار أدوات دين تصل قيمتها إلى حوالي 15 مليار دولار تقريباً، وجاء في صدارتها السندات السيادية وخاصة السندات السعودية بقيمة 8.3 مليار دولار، ليصل إجمالي ديون دول مجلس التعاون الخليجي إلى حوالي 575 مليار دولار بنهاية العام.

 

ويعزى تزايد حجم الإصدارات إلى الحاجة الملحة للتمويل نظراً للضغوط المالية المتزايدة نتيجة لانخفاض أسعار النفط وتفشي الجائحة مما تسبب في التباطؤ الاقتصادي، كما ساهم ايضاً في تعزيز ذلك انخفاض تكلفة الاقتراض نسبياً.

 

وتوقع الكويت الوطني أن تظل الإصدارات الخليجية قوية في العام 2021 لسد العجز المستمر في المالية العامة والناتج عن تباطؤ النشاط الاقتصادي والحاجة المستمرة للإنفاق العام حتى يتم احتواء تداعيات الجائحة، كما قد تظل أسعار النفط أقل من أسعار التعادل في الموازنات.

 

وبالنظر إلى الانخفاض القياسي لأسعار الفائدة، تفضل دول مجلس التعاون الخليجي الاعتماد على الاقتراض بدلاً من السحب من صناديق الاحتياطي، والتي من المفترض أن تحقق عوائد أعلى.

 

وفي الكويت، حيث يعتبر سوق أدوات الدين الآن شبه معدوم، فإن إقرار قانون الدين العام سيعيد تنشيط سوق السندات ويؤسس لمنحنى عائد مدفوع بمعطيات السوق. إلا أن المصادقه على قانون الدين العام تتطلب الوصول إلى اتفاق بين البرلمان والحكومة الجديدة.